
داعش تضرب من جديد
الريف الشمالي ليس معركةَ داعش الرئيسية وليس هو الهدف. إنها البداية فقط. الهدف الحقيقي أكبر وأخطر بكثير، وهو مرتبط باستحقاق سياسي كبير خطير.
هجوم داعش على صوران مقدمة لهجوم كبير وليس عملية معزولة في الريف الشمالي. الهدف القادم قد يكون مدينة حلب أو الغوطة المحاصرة أو إدلب المحررة.
عندما سقطت الرمادي في العراق علمنا أن أعداء الثورة يُعدّون داعش لعملية كبيرة في سوريا، على غرار عملية احتلال الشرق السوري بعد سقوط الموصل.
سقوط تدمر والرمادي بيد داعش ليس أمراً عفوياً، لأن التحركات العسكرية الكبرى لداعش في العراق وسوريا لا تتم إلا ضمن تخطيط إستراتيجي للبلدين.
خطوط إمداد داعش مكشوفة وطويلة جداً، ولو كانت لدى النظامين السوري والعراقي أو التحالف الدولي أقل رغبة في وقف تمددها لفعلوا، ولكنهم يريدون العكس.
علّمتنا التجارب أن انتصارات داعش الكبيرة لا تتم إلا إذا "سُمِح" لها بها، وأن قدرتها على الحركة الحرة خارج السيطرة محدودة جداً، بل مستحيلة.
لماذا سُمح لداعش بأن تحقق انتصارات كبيرة في الرمادي وتدمر؟ لماذا بدأت داعش هجومها الجديد على الثورة؟ الجواب الكبير الخطير: "مؤتمر جنيف الثالث"
المجتمع الدولي يجهز المسرح منذ عدة أشهر لمؤتمر جنيف الثالث الذي يُراد منه الخروج بحل سياسي للأزمة السورية، وهو حل يقتضي توافق طرفَي الصراع.
الحل السياسي التوافقي يقتضي أن يقدّم طرفا الصراع "تنازلات مؤلمة"، بحيث تقبل المعارضة ببقاء النظام ويقبل النظام بمشاركة المعارضة في الحكم.
هذا هو الحل الذي حاولت القوى الدولية الوصولَ إليه في مؤتمر جنيف الثاني، ولكن المؤتمر فشل بسبب تصلب الطرفين ورفض كلّ منهما تقديمَ أي تنازل.
لن ينجح جنيف3 إلا إذا وصل إليه طرفا الصراع ضعيفَين مُنهكَين قابلَين للضغط ومستعدَّين للتنازل، ومن أجل ذلك كان لا بد من إضعافهما مسبقاً.
القوى الدولية تريد الضغط على طرفَي الصراع لإخضاعهما في جنيف. ومَن أفضلُ من الثوار للضغط على النظام؟ ومَن أفضل من داعش للضغط على الثوار؟
نجح الثوار في الأشهر الأخيرة في إنهاك النظام وتحقيق انتصارات كبيرة فصار ضعيفاً منهَكاً، ولكنهم هم أنفسهم صاروا أكثر قوة، فمن ينهكهم ويضعفهم؟
هنا يأتي دور داعش، حصان طروادة الذي صُمِّم لضرب الثورة. لذلك مكّنوها من تحقيق انتصارات العراق وتدمر لتحصل على الأسلحة والذخيرة لتضربنا بها.
يا ثوار سوريا ويا أحرارها وثوارها الأبطال: لقد تعاطف الشعب معكم يوم ضربَتكم داعش أول مرة، لكنه لن يسامحكم إذا شربتم من الكأس الواحدة مرتين.
كل من يفرّق بين النظام وداعش خائن. كل من يتورع عن قتال داعش خائن. كل من يسمح لداعش بأكل غيره اليومَ فإنه خائنٌ خائن، وهو في الغد مأكول.
اتركوا النظام مؤقتاً، فإنه في كل يوم إلى ضعف وتراجع، والتفتوا إلى داعش التي تستغل انشغالكم بالنظام فتغدر بكم وتطعنكم بالظهر وتقضم أراضيكم المحررة.
ابدؤوا بداعش فإن قتالها مقدَّمٌ على قتال النظام. إذا لم تفعلوا فسوف تخرجون من المعركة أصفاراً وستصبح سوريا قِسمةً بين داعش والنظام.
على غرفة عمليات حلب أن تؤجّل معركة حلب، ولتضع خطة عاجلة لوقف الهجوم الأخير وخطة محكمة لتحرير الريف الحلبي الشمالي كله ودفع داعش شرق الفرات.
لو تقاعسنا أو ترددنا فأخشى أن تأكل داعش انتصاراتنا الأخيرة كما أكلت انتصاراتنا الأولى، وأن يأتي يوم نقول فيه: "ليتنا تحركنا قبل فوات الأوان".