حوار أميركي ـ إيراني
لم يعد الحوار الأميركي ـ الإيراني محظوراً. في الواقع، لم يكن كذلك إطلاقاً. تحالف الثمانينيات أو "إيران كونترا" بين إيران والولايات المتحدة ضد العراق مؤرّخ تاريخياً، وتصادمهما في أحيان كثيرة لم يؤدِّ لا إلى إسقاط النظام الإيراني، ولا إلى إطاحة "الاستكبار الأميركي". لكن الأميركيين دائماً ما كانوا متقدّمين بخطوة على الإيرانيين، وحالياً باتوا يتقدّمون بخطوات في سياق العقوبات الأميركية المفروضة على إيران. لم تعد إيران في موقع قوي، وحتى أنها باتت أضعف من ذي قبل. في سورية، تراجعت إلى مسافة 85 كيلومتراً عن الحدود السورية مع فلسطين المحتلة. في اليمن، تصارع للحفاظ، عبر حلفائها الحوثيين، على منطقة الحديدة. في العراق، لم تفز بما كانت تظن أنها ستفوز به في الانتخابات العراقية، كما أن تظاهرات الجنوب أثّرت سلباً عليها.
قبلت إيران الحوار مع الأميركيين، فموقف المساعد الأول للشؤون الدولية لرئيس البرلمان الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، واضحٌ في هذا الصدد، إذ ذكر في تغريدة على "تويتر" أن "التفاوض مع الولايات المتحدة لم يكن محرّماً أو محظوراً أبداً"، معتبراً أن "المشكلة ليست بالحوار، وإنما بالسلوك العدائي، وبانتهاك التعهدات، وبالجرائم المرتكبة". كما أن المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان، علي نجفي خوشرودي، اعتبر أنه "إذا كانت المفاوضات ضمن إطار يحفظ العزّة والمصلحة والحكمة، التي يؤكد عليها المرشد الأعلى (علي خامنئي)، وإذا ما قدّمت واشنطن اعتذاراً، ووضعت سياساتها العدائية جانباً، وعادت إلى الاتفاق النووي، والتزمت ببنوده، فمن الممكن القبول بالحوار".
تريد إيران الحوار، حتى أنها مرّرت رسالة سورية في هذا السياق، فقد أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، يوم السبت، أنّ "وجود المستشارين الإيرانيين في سورية يأتي بناءً على طلب من حكومة دمشق، وسيبقون هناك ما دامت هذه الحكومة تريد ذلك"، قائلاً إنه "حين تشعر طهران بأن الوضع في سورية وصل إلى استقرار نسبي، وأن الحرب على الإرهاب انتهت، وأن الإنجازات تحققت، فمن الممكن حينها تقليص الوجود في سورية، أو الخروج منها". وجاءت هذه التصريحات خلال لقاء خاص أجراه قاسمي مع موقع "بانا" الإيراني. وأضاف "أن تدخل إيران في سورية لم يأت بناءً على طلب دولةٍ أخرى، فلن نتركها وفقاً لمطلب دولة ثانية"، في إشارة منه إلى التطوّرات الأخيرة المتعلقة بالحديث الروسي الإسرائيلي عن الوجود الإيراني في الجنوب السوري.
وبالإضافة إلى قرار الحوثيين وقف العمليات العسكرية في منطقة الحديدة أخيراً، فإن الإيرانيين أرادوا إظهار قبولهم بالحوار مع الأميركيين، على وقع تظاهراتٍ اجتماعيةٍ في طهران، ومشهد وأصفهان، في ظلّ التدهور الاقتصادي غير المسبوق، والتراجع المقلق للعملة المحلية، مع بدء حزمة العقوبات الأميركية الجديدة اليوم الاثنين. تخشى إيران من أن التأخر في الحوار سيجعلها في موقعٍ أضعف تجاه الأميركيين، والتعويل على أوروبا والصين وروسيا لإنجاد اقتصادهم، والوقوف بوجه الأميركي أمر غير مطروح. الجميع تقريباً، لا يريد إيران قوية. يريدها دولة أخرى وغير قطبية، على الرغم من موقعها الجيوبوليتيكي على طريق الحرير. لا أحد يرغب في رؤية مجموعة من الجنود المؤمنين بشعار "الموت لأميركا" يحكمون ضمن عالم متعدّد الأقطاب. كانت كوريا الشمالية عقبة وانتهى الأمر. ولن يختلف مصير إيران عن مصير كوريا الشمالية.
أمام إيران عملياً ثلاثة أشهر لبدء الحوار مع الأميركي، قبل فرض العقوبات الجديدة في نوفمبر/ تشرين الثاني، والمرتبطة بالنفط، وهو ما سيؤلم الاقتصاد الإيراني كثيراً. لا يريد الأميركيون إسقاط النظام. هم واضحون في هذا الصدد. لا أحد يرغب في رؤية جحافل من اللاجئين الإيرانيين إلى تركيا وأوروبا، لكن الأميركي لن يرغب بأقلّ من أن تكون إيران جزءاً من حيّزه الجغرافي الواسع، وتطلع إلى وسط آسيا، لا عدواً له.