
(جيش حر × كتائب إسلامية)
بعد أن حمل الثوار السلاح ونشأت الكتائب والألوية
بدأت تظهر من الشمال السوري بوادر الفرز إلى (كتائب إسلامية) و (جيش حر) ..
أول ما سمعت المصطلح لم أفهمه كان ذلك أواخر 2012 .. فقد سألني بعض الاخوة من الشمال حين كنت بضيافتهم :
- أنتم في الغوطة "جيش حر" ولا "كتائب إسلامية" ؟
لم أفهم السؤال ، لأستطيع الإجابة .. لم يكن الفرز قد وصل إلى الغوطة .. ولم يكن مرض التصنيف قد أصابنا ..
فلم أملك أن أجيبه إلا بالسؤال :
- الجيش الحر أليس إسلامي ؟؟!
وحين بدأ الخلاف يظهر ويطفو على السطح أكثر وبدأت مفرزاته تصل لوسائل الإعلام، كان من الطبيعي جداً أن ننحاز للكتائب الإسلامية فوراً ..
- فهذه إسلامية المنهج ، إسلامية الشعار ، إسلامية الفكر ..
- لديها شرعيون يوجهونها ..
- لديها محاكم تضبط عملها وممارسات أفرادها وقاداتها ..
- كل خطأ يحصل لابد أنَّ له ملابسات لم تصلنا، أو لعلَّ هنالك مخرج شرعيّ لما تقوم به ..
- الأخطاء التي كانت أخطاء كاملة المواصفات ، كنا نقارنها فوراً بأخطاء الكتائب المستقلة "كتائب الجيش الحر" ونقول أين هذا من ذاك ؟
- أهدافها هي أهداف الأمة كلها ، ليست محصورة في حدود صنعها الغلامان (سايكس وبيكو)..
- ليس لها ارتباطات خارجية مع الأعداء الأمريكان وعملاءهم الكفار المرتدين ..
إلى غير ذلك من التوصيف بعد التصنيف الذي كان نقوم به تجاه كتائب الجيش الحر ..
فكان أن كبّرنا وأظهرنا وفخّمنا من إيجابياتهم، أما سلبياتهم وممارساتهم الخاطئة حيناً نبررها، وحين نكذّبها، وحيناً نتعامى عنها ونخفيها عن عيوننا لنقنع أنفسنا أنها افتراء.
..
ومع تطور الفصل بين الطرفين "كتائب الحرّ المستقلة" والفصائل "الإسلامية المنهجية" بدأت القضايا كلها تطفو على السطح، وبدأ الخطاب الداخلي والخارجي يطفو على السطح أيضاً ..
فلم تعد قضية الازدواجيّة أو التقية تنفع حين يكون للفصيل (خطاب للتصدير وخطاب للاستهلاك الشعبي) ..
فكلا الخطابين لا ينفصلا عن بعضهما طالما أن المصدر واحد، وتتناقلهما الآفاق، فلا يمكن حجب الخطاب -المصدَّر للخارج- عن الكوادر ، ولا يمكن حجب الخطاب الشعبوي عن وسائل الإعلام الأجنبية فضلاً عن العربية ..
وبالمقابل كلّ ما كان يشاع عن فصائل الجيش الحر (الكتائب العلمانية التابعة العميلة) بدأ يطفو على السطح فيظهر على وجهه الحقيقي ، ويتمايز على الأرض الافتراء من التهويل من الحقيقة ..
وتبيّن الفرق بين الكتائب الفاسدة التي هي أشبه بقطّاع طرق ، وبين الكتائب المقاتلة على الأرض لم تتخلَّ عن هدفها ولم تنحاز عنه ، فسقطت شبهة التعميم الذي كانت لغة خطابنا عن جميع كتائب "الجيش الحرّ" ..
ومع وصول الخلافات بين الطرفين ذروتها ، بدأ تحوّل الخلاف إلى اقتتال ..
اقتتال أخذ الذريعة الشرعيّة ، وأخذ ظاهراً سمة قتال المفسدين والفاسدين ، ومحاربة قطّاع الطرق ، بينما كان القتال في حقيقته غير ذلك .. نفوذ ، وسلطة على الأرض ، وتحييد الأطراف الأخرى إلى أن يصل الأمر كمان فعلت داعش في الشمال للسيطرة الكاملة
وإنشاء إمارات مستقلة بحكم ذاتي ذو شكل إسلامي ، يلغي الآخر تماماً ..
ومع صعود المناهج إلى السطح ، تطوّرت الخلافات إلى خلافات بين المناهج نفسها .. مما عزَّز من ظهور مالم يكن يظهر سابقاً .. وزالت الهالة الكبيرة الإسلامية التي كانت تحاط بما يسمى بالكتائب الإسلامية .. وبرزت للسطح أمور أخرى ..
برز للسطح المناهج ، أنها هي الهدف لا الثورة ولا إسقاط النظام ..
برز للسطح الولوغ في الدماء ..
برز للسطح التكفير ..
برز للسطح التنكّر للمحاكم والقضاء ، وأن (حدود الله) هي قضاء الشرعي تبعنا فقط لا غير ..
برز للسطح أن الإسلام ما قاله الشرعيّ ، ليس ما قاله الله ..
برز للسطح الانحراف عن أهداف الثورة ، والتقوقع في أهداف الفصيل والمنهج ..
برز للسطح المعارك لسمعة الفصيل ، وغابت المعارك لإسقاط النظام ..
وبرز للسطح أمراض النظام التي ثار الشعب عليها ، فإذا بها تتجسّد فينا نحن الإسلاميون للأسف ونحن أول من يجب أن نتخلص من هذه الأمراض ..
أما كتائب "الجيش الحرّ" / المستقلة ، التي شيطنّاها ، وحاربناها ، واتهمناها .. فقد تبين لنا أنها :
أقل ورعاً في الدماء ..
تستجيب للشرعي الذي يقول بقول الله ورسوله ، فطرةً واستجابة .. ولو كان من الطرف الآخر ..
لم تحتكر إمارات ومناطق حكم ذاتي لها ..
مازالت بوصلتها واحدة (إسقاط النظام والانتصار على الأسد ومن معه) ..
لا تتنافى خطاباتها وممارساتها الثورية مع المبادئ الشرعية والعقدية ..
أخطاؤها تنبع من كونها (أخطاء) فهي عندما تسرق (تسرق) وعندما تقطع طريق هي (تقطع طريق) وعندما تقمع هي (تقمع) ..
بينما أخطاء الكتائب الإسلامية شابها -للأسف- التقية والتحريف .. فهي عندما تسرق (تأخذ غنيمة) وعندما تقطع طريق فهو (فيء) وعندما تقمع فهمي (تحمي بيضة الإسلام) وعندما تمارس التعذيب والتنكيل والاستبداد فهي تقيم دولة الإسلام ..!
لا أدري هل يعلم الشرعيون والقادة وكوادر الكتائب الإسلامية أن سوريا تتسع للجميع، وأن الشعب السوري ثار على (حكم الحزب الواحد والفرد الواحد واللون الواحد والقرار الواحد) ..
ولئن كان لأسد يمتطي العلمانية حيناً ، والبعث حيناً ، ليثبّت أركان حكمه ، فإنه من الأسوأ أن يمتطي البعض الإسلام والشريعة والنصوص والأحاديث لتبرير سلطته واستبداده ..!
فالكتائب المستقلة تؤمن بوجود الجميع وتدلّ على ذلك ممارساتها ، وهي تشارك الآخرين في المعارك ، والقرارات وغيرها ، تعترف بوجودهم ..
بينما الكتائب الإسلامية تعتبر أن الاخرين جهلة ، من مخلفات نظام الردّة ، حملوا السلاح حميّة لا عقيدة ، و: شتّان بينك يا مجاهد وبين ذلك المسكين ضعيف الإيمان .. فلا تترك له منفذاً ولا رأياً ولا هامشاً ..
وقد رأيتُ كيف تُحرر الكتائب المستقلة المناطق ، ثم تُشجع على إقامة المجالس المحلية المدنيّة لتتفرّغ لقتال النظام ، فيما تصرّ أغلب الكتائب الإسلاميّة عند تحرير أيّ منطقة على رفع علمها ، وتثبيت محاكمها ، وجعل شرعييها القادة الآمرون الناهون في هذه المناطق ..
..
لابد لنا من عودة حقيقية لأهداف الثورة .. التي لم تتعارض يوماً مع الشريعة الإسلامية ..
ولابد من مراجعات لدور الشرعيين الذين يعتبروا جزءاً من مشاكل الثورة الكبيرة التي هي معضلة لا يمكن حلّها دون وقفة جادة ..
فالهدنة حين كانت حراماً وكفراً وردّة ، باتت الفصائل الإسلامية نفسها تقرّ بها وتجد الذرائع الشرعية للقبول بها ..
والمفاوضات حين كان مبدأ (الولاء والبراء) يُخرج من يقوم بها من الملة ويخوّنه ويتهمه، باتت "الفصائل الإسلامية" تتراكض إليه وتأخذ مقعداً متقدماً فيها .. والفتوى موجودة طبعاً ..
فمتى نعيد للثورة حقها ..؟
ونعيد للثوار حقهم ..؟
وندرك أننا لابد أن نرجع للبوصلة الحقيقية للثورة .. وأن نرجع لمبادئ الثورة الأولى ..
فلا بأس كما كان "مشروع أمة" هو المشروع الإسلامي السامي ، لينزل الإسلاميون أنفسهم منه لـ" ميثاق الشرف الثوري" بعد أن أدركوا أن "مشروعهم" كان كبير المقاس عليهم وعلى "أمتهم"..
لا بأس أن نعود لمبادئ الثورة الأولى ، لفكرة الثورة الأولى .. ثورة تتسع للجميع ، ولها هدف واحد لا يحيد بمبادئ بسيطة هي من جوهر الدين بدلاً من اختزالها وحرفها عن بوصلتها ، ووأدها ، بطريقة مشرعنة ..!