بعد انحراف البوصلة ... لابد من "ثورة لتصحيح المسار" داخلياً
تضيق المساحة الجغرافية على أبناء الحراك الثوري السوري عاماً بعد عام بتواطؤ دولي وفساد داخلي، ويقضم النظام مساحات جديدة، لكن هذا لم يطفئ نار الثورة ووقودها لدى "الحاضنة الشعبية"، والتي إن غاب صوتها بفعل سلطات الأمر الواقع، وهمشت قضيتها، وحرفت بوصلتها لغير الهدف الذي ثارت لأجله، إلا أنها لم تنته وقادرة على النهوض بمجرد توفر الظروف.
وليس هناك أشد ماتمر به المناطق المحررة من ضيق وحالة غليان كبيرة في النفوس، بفعل عوامل خارجية سببها "النظام وحلفائه" ومواصلتهم سياسات القتل والموت، وعوامل داخلية تتحمل مسؤوليتها القوى المسيطرة على المحرر والتي باتت تتحكم في قوت الشعب وتمارس عليهم أبشع ضروب التضييق، علاوة عن الفساد القضائي والاستغلال وظهور طبقة كبيرة من تجار وأمراء الحرب على حساب دماء وعذابات السوريين.
وباتت الحاضنة الشعبية اليوم أمام خيارات ضيقة في الشمال السوري المحرر، تقتضي حلول سريعة للخلاص من الوضع الراهن سواء على الصعيد "العسكري والاقتصادي"، ولعل الخلاص - الذي قد يعتبره البعض حلماً - لن يكون إلا بثورة شعبية عارمة منظمة لتصحيح المسار تقودها النخب المهمشة الثورية من قبل سلطات الأمر الواقع التي أمعنت في الخنوع عن نصرة المدنيين، وأرهقتهم في قوانينها الوضعية وضرائبها وتحكمها بقوت يومهم.
ثورة تسقط القادة المتمسكين بمناصبهم الراضخين لتمكين مكاسبهم من قادات الصف الأول في كل الفصائل وإبعادهم عم المشهد للوراء، لتعطي المجال لتمكين القادة الشرفاء وتسلمهم زمام الأمور، وتوحيد الجهود العسكري في مجلس عسكري حقيقي ويشكل كل المنطقة المحررة، سيعطي أثره الحقيقي داخلياً وخارجياً.
ثورة تُسقط الحكومات "الإنقاذ والمؤقتة" المتفرقة المتشرذمة الإقصائية، وتتيح المجال لتشكيل كيان مدني تشاركي حقيقي تقوده النخب الثورية في المحرر من كل الأطياف "يتبعه إسقاط كيانات المعارضة الخارجية وانتخاب كيان منبعه وأصله الحاضنة الشعبية"
كذلك تشكيل مجلس أعلى اقتصادي تحت أي اسم كان، تديره نخب اقتصادية، تقوم بجرح المصادر المالية التي يمتلكها المحرر ابتداءاً من المعابر وصولاً لكل المقدرات الموجودة، ويتم وضعها تحت إدارة الكيان المدني الموحد الذي سيتم تشكيله لتأمين مردود مالي حقيقي غير مرهون بالخارج يساعد على تمكين قدرة الكيان على العمل والبناء.
وإلغاء جميع المحاكم ونفي جميع القضاة في المحرر خارج السلك القضائي، وإعادة بناء كيان قضائي حقيقي من النخب الثورية والشخصيات الحقوقية الاعتبارية، لإعادة ترتيب أسس القوانين والنظم التي تدير المحاكم في كل المجالات، لتحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة بالتشارك مع المؤسسات العسكرية والأمنية في المنطقة.
وتفعيل عمل النخب المدنية على كافة المجالات، وتنظيم القطاعات الإنسانية جميعاً بما يتلاءم مع احتياجات المحرر، تحت إدارة إنسانية موحدة تحكمها نظم واضحة ورقابة حقيقية لتنظيم توزيع الدعم الإنساني على المحتاجين في عموم المحرر، دون تمييز بين المناطق، وبما تقتضيه كل مرحلة.
ولابد من إعادة تنظيم القطاع الطبي، وتفعيل نقابة طبية حقيقية لكل المنطقة، تضمن شروط اختيار من يدير القطاع بعيداً عن تحكم القوى العسكرية والأمنية وأي جهة أخرى تعيق عملهم وتمنع تسلط البعض والمحسوبيات في القطاع، وتعيد تنظيم عمل المشافي والمرافق الطبية بما يحقق تقديم أفضل الخدمات وفق الدعم الخاص بالقطاع.
علاوة عن تنظيم عمل المجالس المحلية، وفق نظام تقرره الإدارة المدنية التي ستنتجها النخب الثورية، بحيث يتم اختيار ممثلي المناطق والبلدات والقرى، دون إقصاء وضمن توافق شعبي حقيقي على من يتولى أمورهم، وبتنسيق عالي مع الإدارة الرئيسية في المناطق والمحرر ككل.
وهناك أمور كثيرة تتطلب العمل عليها وتحتاج لجهود جبارة وكبيرة، وباعتقادي فإننا نملك طاقات ونخب من مختلف الفئات والمجالات لتحقيق هذه الخطوات، بمجرد وجود نية حقيقية لرفع الصوت عالياً أولاً في وجه الوضع القائم، والتحرك بفاعلية لتمكين الحاضنة الشعبية من قول كلمتها، والخروج عن حالة الترهل والإقصاء التي تعانيها من القوى المسيطرة، عندها لن يستطيع أحد أن يواجهها أو يرفض مطالبها، وهنا تعيد تصحيح مسار الثورة لمواجهة جديدة مع النظام تعيد سيرتها الأولى.