المشترك بين الحل السوري والحل الفلسطيني
بما أننا ما زلنا قريبين من سوتشي، وقبله بقليل جنيف، أبدأ بالسوري.
فشلت جنيف في إحراز تقدم، ولو طفيف، باتجاه تفاهم، ولا أقول حلاً. حزم المشاركون حقائبهم، وكلهم عاد إلى بلده أو منصته؛ والمنصة هنا هي الوطن المؤقت لكل فصيل سياسي.
أما سوتشي، فلقد لفت نظري اهتمام المراقبين بمن قاطعوا أكثر من اهتمامهم بمن حضروا، وهذا أمر بديهي، بل هو الفرق بين مؤتمر يعقد تحت عنوان إيجاد حل، ومؤتمر يعقد للتحشيد وتعظيم النفوذ على أرض الصراع.
في سوتشي، ظهر خلل يجعل الحل هناك مستحيلاً، وهو أن رعاة الحل هم ليسوا مجرد أطراف في الصراع، بل ومقاتلون وأصحاب أجندات قد تتفق على أمر لأيام معدودات، إلا أنها في الجوهر مختلفة على أمور ليس متاحاً إنهاؤها للتوصل إلى تسويات حاسمة. وحين يكون راعي الحل متورطاً بهذا القدر، خصوصاً على ساحة الصراع المسلح، فأي تسويات يمكن بلوغها في ظل هذا الوضع؟!
هنا، يظهر المشترك بين الحل السوري والحل الفلسطيني.. أحدده بكلمة واحدة: «الاستحالة».
على الجانب الفلسطيني، تتكرر ظاهرة الرعاية، كما هي على الجانب السوري؛ الراعي الأساس هو طرف منحاز، تحكمه في حركته وقراراته ومبادراته قوانين انحيازه قبل أي قانون آخر، فمن يتوقع من أميركا صيغة حل لا يتم التفاهم عليها مع الحليف الإسرائيلي؟ وحين يكون سقف الحل الأميركي هو الرضا الإسرائيلي، فيمكن دون عناء، وحتى دون معلومات، أن نتعرف على محتوى الحل وخلاصاته. ولا أصدق أن السيد غرينبلات، المسؤول الرئيسي الميداني عن تهيئة التربة لتمرير أو فرض الحل الأميركي، يقضي كل هذا الوقت في إسرائيل، ويواظب على زيارات ميدانية لغلاف غزة، يرعى من خلف الستار، وأحياناً من أمامه، كثيراً من الإجراءات الإسرائيلية التي ترطب العلاقات مع الفلسطينيين، وتشجعهم على الانخراط التدريجي في الحل الاقتصادي، الذي لا بد أن يفضي منطقياً إلى الحل السياسي، ولكن وفق التصميم الإسرائيلي الأميركي المشترك.
أين الاستحالة هنا؟ وأنا أتحدث بلغة الواقع وما عليه من حقائق، قد يفرض الأميركيون والإسرائيليون سيناريو معيناً على الفلسطينيين، كأن تطبق أجزاء منه من طرف واحد، وقد يحشر الفلسطينيون في زاوية حادة ضيقة بمساحة قدرتهم على تغيير الاستراتيجيات الأميركية والإسرائيلية، غير أن ذلك بالمقاييس الموضوعية هو الوصفة الأكيدة والمضمونة لاستمرار الصراع وانفجاره، ولو على فترات متباعدة. وعلى المسار الفلسطيني، أي انفجار - مهما كان محدوداً - يعيد الأمور إلى الصفر؛ هكذا قالت التجارب.
فماذا يفعل الحل المفروض بـ350 ألف فلسطيني يعيشون في قلب العاصمة المدعاة لإسرائيل؟
وهؤلاء الموجودون في القلب والأطراف فشلت كل محاولات عزلهم عن امتداداتهم الطبيعية، فهم إلى الغرب يمدون جسوراً مع مليوني فلسطيني في إسرائيل، يتعاطفون معهم ويلتزمون بقضيتهم، وهم شمالاً وجنوباً وشرقاً لا ينفصلون عن بحر بشري إن اتحد على أمر، فعلى القدس أولاً وقبل كل شيء.
ماذا تفعل إسرائيل بغزة، حيث مليونا فلسطيني يقضّون مضجع العالم بمأساتهم المتفردة، ومهما برعت الدبلوماسية الإسرائيلية، والدعاية الإسرائيلية، والتحالفات الإسرائيلية، فإنها لم تفلح في نفي مسؤوليتها المباشرة عن هذه الجريمة الإنسانية التي لا مثيل لها في كل العصور والأزمان.
وماذا تفعل بالضفة صاحبة الأكثر من ستين ممراً مفتوحاً بينها وبين إسرائيل، ويدرك العقلاء هناك أن الهدوء الذي يحدث أحياناً يثير من المخاوف أكثر مما يثير من الاطمئنان. مثلما الطرف المنحاز راعٍ لحل سوري، ونسخة طبق الأصل عنه على الحل الفلسطيني، فالمشترك هو الاستحالة حتى إشعار آخر، أو حتى ظهور شيء ما يغير المنهج والأدوات، وهذا قد يكون مستحيلاً آخر.