إدلبيون قابضون على الجمر (3)
إدلبيون قابضون على الجمر (3)
● مقالات رأي ٤ يونيو ٢٠١٧

إدلبيون قابضون على الجمر (3)

سافر الإدلبيون كثيراً وتغربوا عن بلدهم بحثاً عن رزقهم؛ حاولوا إيجاد فرصاً جديدة تنهي عهد الاستبعاد والتهميش الذي فرضه نظام الأسد على مدى خمسين عاماً. خسر الكثير منهم فرص عمل ثمينة على الرغم من مؤهلاتهم العلمية وإتقانهم المهني وقدرتهم على تحمّل ساعاتٍ طويلةٍ من العمل، ذهب كلّ ذلك أدراج الرياح لتهمةِ بقرابةٍ أو صداقةِ أو علاقةٍ تربطهم بمطلوبين على خلفية ثورة الثمانينات.

مضت عقودٌ وهم على هذه الحالة، ليعود أكثرهم اليوم إلى بيوتهم وديارهم بعد تحريرها من عصابات الأسد، وتحوَلت إدلب لعاصمةٍ ثوريةٍ تجمع في أزقتها وبلداتها ضيوفاً هُجّروا إليها قسرا من المحافظات الأخرى، فترى الحارة الواحدة تجمع الحمصي والشرقي ابن البادية مع الدمشقي والحوراني ابن الجنوب، إضافة للجيران القادمين من حلب وحماة والساحل لتختلط فيها العائلات، وتشكّل بانوراما اجتماعيةً سوريةً ملونةً بكلّ العادات والتقاليد.

جاء إليها أهل حمص الذين كسبوا في بيئتهم طيب المعشر من طيب المناخ، فهم أهل الطيبة والكرم و ملاحة الطباع وجمال الشكل وعذب الحديث وتفوق الدراسة إضافةً للهجة المحببة، حتى أنّ طيب معشرهم جعلهم مضرب المثل لما يتمتّعون به من روح النكتة الطريفة والمرح الخفيف، ومعروفٌ عن أهل حمص نسجهم للطرائف التي تنتشر في عموم سوريا وبلاد الجوار.

كما فتح الإدلبيون بيوتهم وقلوبهم للمهجَرين من أهل الشام؛ الذين وصفهم الحجاج بقوله: “لايغرنّك صبرهم، ولا تستضعف قوتهم، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلّا والتَاج على رأسه”.

كذلك هجّرت داعش الثوار من مناطق سيطرتها، ليجتمعوا جميعاً في المحافظة الخضراء، جاؤوا بمهنهم وأعمالهم وأصرّ الكثير منهم على ممارسة أعمالهم وحرفهم على أرض هذه المحافظة، ليشكّلوا مع أهلها مزيجاً متكاملاً، ويرمَموا النقص الّذي تعرضت البلدات له نتيجة القصف والقتل وتدمير البنية التحتية للمحافظة، بينما شعر البعض بالغربة، وفضّلوا الانسحاب للحدود التركية السورية، ومنهم من عبر الحدود تاركاً البلاد وما فيها بعد أن خسر كلّ شيء.

اختلطت المهن في الأسواق، واندمج الأطفال في الأزقة والحارات، كما اندمج المقاتلون على الجبهات، وكذلك النساء في جلساتهن الخاصة وينتج عن ذلك اندماج التجارب والعادات والأعراف، كما يتبادلن صنع الأكلات والمعجنات.

تكاد فرص العمل أن تكون قليلة إلا أنّ حُبّ البقاء جمع كلّ هؤلاء ليشكّلوا درعاً مقاوماً لنظام الأسد والميليشيات الأجنبية المقاتلة معه، ودرعاً منيعاً في وجه الانفصاليين الأكراد في الشمال، فتمنع تمددهم وسيطرتهم على أراض عربية جديدة.

يحرص الجميع على البقاء في إدلب رغم كلّ الدمار والفقر والتهديدات الداخلية والخارجية ورغم سياسة التضييق، وإغلاق الحدود ورغم تجفيف موارد الإغاثة القادمة من الشمال، لأن ضريبة الانسحاب أكبر بكثير من ضريبة البقاء والمحافظة على هذه البقعة الجغرافية من الاحتلال.

المصدر: الأيام السورية الكاتب: حليم العربي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ