قراءة في مواقف "الهجري وغزال" وتأثيرها على وحدة سوريا
في لحظة فارقة تعيشها سوريا، تحاول فيها الدولة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع ترسيخ مشروع وطني جامع، يعود الخطاب الطائفي ليتسلل مجدداً عبر مواقف أطلقها رجال دين بارزون من الأقليات، في مقدمتهم الشيخ حكمت الهجري في السويداء وغزال غزال في مناطق الساحل السوري.
ورغم صمتهم الطويل إزاء الانتهاكات التي ارتكبها نظام بشار الأسد لعقود، فإنهم اليوم يتقدمون بمطالب تحمل في جوهرها مشاريع انفصالية تحت غطاء حماية "المكون" أو الدفاع عن "الخصوصية الطائفية".
التناقض الصارخ: صمت الأمس وصخب اليوم
منذ عام 2011، سكت معظم رموز الطوائف عن المجازر والقمع الذي مارسه النظام السابق، حتى حين كان الضحايا من عموم السوريين، بمن فيهم أفراد من طوائفهم، ورغم المجازر في درعا، وحمص، وحلب، والغوطة، وغيرها، لم يصدر عن حكمت الهجري أو غزال غزال موقف واضح أو إدانة صريحة، بل كانوا لوقت قريب في صف الجلاد ومن مؤيديه.
اليوم، ومع تغيّر المعادلة السياسية، وتصاعد خطاب الوحدة والانفتاح، يخرج هؤلاء بمواقف متشنجة تروّج للامركزية والانفصال، وتدّعي أن السلطة الجديدة قد تشكل خطراً على طوائفهم، وكأن سوريا تُعاد صياغتها على أسس طائفية لا وطنية.
خطاب الطائفة بدل خطاب الدولة
خطورة ما يُطرح من قِبل الهجري وغزال لا تكمن فقط في محتوى التصريحات، بل في التوقيت والهدف عبر التركيز على خصوصية الطائفة بدلًا من المواطنة، والمطالبة بحكم ذاتي أو إدارة منفصلة، والحديث عن مظلومية جماعية متأخرة ومغلوطة، كل ذلك يعيدنا إلى مربّع الانقسام، ويُضعف من قدرة الدولة على صناعة مشروع جامع لا يُقصي أحدًا.
غطاء ديني لمشاريع مشبوهة
حين يستخدم رجل دين منبره لإثارة المخاوف الطائفية، أو للدعوة إلى اعتصامات تُرفع فيها شعارات طائفية، فإنه لا يمارس حقه في التعبير فقط، بل يوفّر مظلة روحية لمشاريع سياسية مشبوهة قد تهدد وحدة البلاد.
الشيخ حكمت الهجري لم يتردد في التلويح بخيار العزلة، فيما غزال غزال لم يُخفِ دعمه لدعوات مشبوهة تطالب بإطلاق سراح مجرمين صنّفهم القضاء كمشاركين في جرائم حرب، مقدّماً ذلك على أنه دفاع عن "العلوية".
خطورة هذا الخطاب
تقويض مشروع الدولة: حين يُقال إن المكوّن يحتاج إلى حماية خارج الدولة، فإن ذلك يعني نزع الثقة من المؤسسات، وإعادة إنتاج الطائفية: وهي البيئة نفسها التي غذّت الحرب والانقسام، كذلك فتح الباب لتدخلات خارجية: من خلال تصوير المجتمع السوري كموزاييك هشّ قابل للتفكيك.
التسامح لا يُقابل بالتحريض
السلطة الجديدة، منذ وصولها، أبدت مرونة كبيرة في التعامل مع مختلف المكوّنات، وأكدت التزامها بالمصالحة والعدالة واللامركزية الإدارية ضمن وحدة الدولة، وبرزت مشاهد غير مسبوقة، مثل حماية قوى الأمن لتظاهرات في الساحل رغم الشعارات الطائفية، وتكريس خطاب رسمي يحترم الجميع، لكن هذه اليد الممدودة لا يمكن أن تقابل بخطابات تقسيمية وتجييش داخلي باسم الطائفة. لا أحد فوق الدولة، ولا أحد أحق من الآخر في سوريا الجديدة.
الحاجة إلى خطاب وطني جامع
سوريا اليوم تحتاج إلى أصوات توحّد لا تفرّق، تبني لا تهدم، وعلى رجال الدين، إن أرادوا لعب دور في هذه المرحلة، أن يكونوا جسور تواصل لا جدران عزل، فلا حرية لمشروع يُقام على الخوف، ولا حماية لطائفة تأتي على حساب السلم الأهلي.
إن ما يطرحه رجال مثل حكمت الهجري وغزال غزال، وإن بدا نابعًا من قلق مشروع، إلا أنه يحمل في طيّاته ملامح تفكيك وتهديد للسلم الأهلي، والحل لا يكون بالخوف أو بالمساومات الطائفية، بل بإعادة بناء الثقة على أساس المواطنة والعدالة، وعلى الدولة، والمجتمع، والنخب الواعية، الوقوف في وجه كل خطاب يُعيد إنتاج الانقسام تحت أي ذريعة كانت.