
متصيدو الأخطاء يستهدفون الأمن العام ... تجاهل للواقع وتعميم للزلات
وسط سعي الحكومة السورية لإعادة بناء مؤسساتها الأمنية بعد سنوات الحرب والانهيار، يبرز تيار من متصيّدي الأخطاء يسعى إلى تشويه صورة الأمن العام عبر تضخيم الزلات الفردية وتعميمها على الجهاز بأكمله، متجاهلين التحولات الجذرية التي طرأت على سلوك عناصر الأمن، ومساعي الحكومة لتصحيح المسار الأمني وبناء ثقة جديدة بين المواطن والدولة.
تشويه ممنهج وتجاهل للواقع الجديد
يعمد هؤلاء إلى تسليط الضوء على تجاوزات فردية ارتكبها بعض المنتسبين إلى قوى الأمن، دون تمييز بين الفعل الفردي والمؤسسة ككل، بل غالبًا ما يتم تهويل الحادثة وإرفاقها بتفاصيل مختلقة، لتبدو وكأنها سلوك منهجي يعكس الواقع العام، وهو ما يُستخدم لترويج سرديات سياسية تستهدف زعزعة ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة.
روايات مزيّفة وواقع مغاير
أكد ناشطون وفاعلون محليون أن غالبية القصص التي يتم تداولها في هذا السياق إما مشوبة بالمبالغة أو مفبركة بالكامل، في المقابل، يروي الأهالي يوميًا مواقف إنسانية لعناصر الأمن، تعكس تحسنًا ملحوظًا في التعامل والواجبات، كالواقعة التي وثّقتها شابة ظهرت في مقطع مصور تعبر فيه عن امتنانها لعناصر أحد الحواجز الأمنية قرب حرستا، بعد مساعدتها في ظرف صحي طارئ وتأمين وصولها إلى المشفى ومرافقتها حتى انتهاء العلاج.
تعامل مسؤول مع الشكاوى
كما سجّل موقف رسمي لافت عندما زار قائد الأمن الداخلي في ريف دمشق منزل سيدة تقدّمت بشكوى ضد أحد العناصر، وتم فتح تحقيق فوري وإحالة المتورطين إلى القضاء، ما يعكس توجّهًا جديدًا في التعامل الجدي والشفاف مع أي خرق.
من صورة الرعب إلى الأمن المسؤول
لطالما ارتبط اسم الأمن السوري في عهد النظام المخلوع بصور القمع والاعتقال والتعذيب، وبقيت تلك الصورة راسخة في وجدان السوريين طوال عقود، ثم تفاقمت خلال الحرب نتيجة تغوّل الأجهزة الأمنية التي استخدمها الأسد لقمع أي صوت معارض.
واليوم، تعمل الحكومة الجديدة على إزالة آثار تلك الحقبة، عبر حل أجهزة أمنية كاملة، وحصر المهام الأمنية بقوى الشرطة والأمن الداخلي، التي تضم في معظمها عناصر جدد لا يزالون في طور التدريب والتأهيل، ما يجعل الوقوع في بعض الأخطاء أمراً واردًا.
حرية الرأي… وتقدير الظروف
في المقابل، يعيش السوريون واقعًا جديدًا من حرية التعبير وانتقاد الأداء الحكومي والأمني دون خوف من اعتقال أو اختفاء قسري، وهو تطوّر لا يُمكن إغفاله. لكن في خضم ذلك، تبرز الحاجة إلى وعي شعبي قادر على التمييز بين النقد البنّاء والتصيد المغرض، وبين الزلة الفردية والمنظومة ككل.
جهود الأمن العام تتجاوز الأخطاء
لا يمكن تجاهل أن عناصر الأمن اليوم يقومون بأدوار جوهرية في حماية المجتمع، وملاحقة المجرمين، والتصدي للمليشيات الخارجة عن القانون، فضلًا عن المساهمة في حفظ الأمن الأهلي. وهي جهود يجب أن توزن بميزان الإنصاف، لا أن تُطمس تحت وطأة حملات التشويه.
في النهاية، يرى ناشطون ومتابعون للشأن السوري أن بناء مؤسسة أمنية محترفة يتطلب وقتًا وجهدًا، كما يتطلب بيئة مجتمعية حاضنة تدرك حجم التحديات، وتساند عملية التحول بدل أن تعرقلها. فالتغيير لا يكتمل إلا بتكافل الطرفين: الدولة والمجتمع، وفق تعبيرهم.