سوريا
سوريا
● أخبار سورية ٢٧ أبريل ٢٠٢٥

"يداً بيد لإعادة الحياة"... صور مشرقة للتعاون والمحبة بين العائدين إلى قراهم ومدنهم في سوريا

رغم سنوات الحرب الطويلة وقسوتها، يواصل الشعب السوري إثبات قدرته الفريدة على تجاوز المحن والأزمات، مستنداً إلى روح التضامن والتعاون. مشاهد العودة إلى المدن والقرى المحررة حملت بين طياتها قصصاً نابضة بالأمل، حيث تصدرت صور التعاضد الاجتماعي المشهد في المناطق التي استقبلت أبناءها العائدين بعد سنوات الغربة والتهجير القسري.

واقع صعب وأمل لا ينكسر
على الرغم من الوضع المعيشي والخدمي السيء الذي ورثته تلك المناطق عن سنوات حكم نظام الأسد – الذي دمر المنازل ونهب الممتلكات واقتلع أشجارها وقتل مظاهر الحياة فيها – إلا أن العائدين لم يسمحوا لمشاهد الدمار أن تسرق منهم الأمل. عوضاً عن ذلك، تحركوا بإصرار لإعادة الحياة الطبيعية إلى ربوع قراهم ومدنهم، مؤمنين بأن البناء يبدأ من حيث انتهى الخراب.

مبادرات أهلية تنبض بالحياة
رصدت منصات التواصل الاجتماعي مؤخراً عشرات المبادرات الأهلية المضيئة التي نفذها العائدون. ففي بلدة كفر سجنة بريف إدلب الجنوبي، تطوع عدد من شباب القرية لتنظيف المركز الطبي الذي تضرر بفعل قصف قوات النظام، تمهيداً لإعادة تأهيله لخدمة السكان من جديد.

وفي قرية مدايا المجاورة، أطلق مجموعة من الشباب حملة تواصل مع مغتربي البلدة عبر تطبيق واتساب، ونجحوا بجمع تبرعات لترميم الجامع الوحيد الذي تعرض للقصف والتخريب خلال سنوات الحرب. أما في معرة حرمة، فقد عمل أبناء القرية بإمكاناتهم الذاتية على إعادة تأهيل المستوصف الطبي بعد سنوات من الإغلاق.

حتى قوافل العودة التي سهلت عودة مئات العائلات إلى قراها، كانت بتمويل ودعم من المغتربين أنفسهم، في مشهد يعكس أبهى صور التكاتف الوطني.

الوفاء لحلب".. مبادرة أهلية تعيد الحياة إلى شوارع الشهباء وترميم النسيج المجتمعي
في مشهد يعبّر عن أصالة السوريين وروحهم التي لا تنكسر، أطلق ناشطون من مدينة حلب مبادرة مجتمعية جديدة تحت عنوان "الوفاء لحلب"، تهدف إلى دعم الخدمات العامة وترميم النسيج الاجتماعي، عبر سلسلة من الأنشطة الإنسانية والخدمية، لإعادة النبض إلى مدينة أنهكتها الحرب وتركها النظام المخلوع في حالة من الدمار الشامل.

وقال عبد العزيز مغربي، مدير المبادرة، في تصريحات لموقع "جسر"، إن الحملة مفتوحة لجميع أبناء المدينة دون استثناء، داعياً مختلف الشرائح، خاصة المجتمع الأهلي والمغتربين، إلى المشاركة بما يستطيعون من جهد أو دعم مادي ومعنوي. وأضاف: "حلب اليوم بحاجة إلى تضافر جهود أبنائها كافة لتجاوز آثار الحرب واستعادة مجدها الإنساني والحضاري".

وأوضح مغربي أن المبادرة تهدف بالدرجة الأولى إلى تحسين الواقع الخدمي في معظم أحياء حلب، مع تعزيز مفهوم المسؤولية المجتمعية، وذلك عبر تنظيم فرق تطوعية تعمل بالتعاون مع الجهات المحلية ومنظمات المجتمع المدني، وفقاً لأولويات الاحتياجات الملحة لكل حي ومنطقة.

"رجعنا يا حلب" حملةً خدميةً لإعادة الحياة لأحياء مدينة حلب
بدأ الدفاع المدني السوري وجمعيات وفعاليات مدنية وفرق تطوعية، حملةً خدميةً تحت عنوان " رجعنا يا حلب"، بهدف إعادة الحياة إلى المدينة، عبر أعمال تنظيف الطرقات وتجميل المنصفات وإعادة تأهيل الأضرار في بعض الأماكن التي خلفها القصف من قوات النظام خلال السنوات الماضية.

ودعمت المؤسسة المبادرات المجتمعية من التنمية المستدامة وصناعة المستقبل لسوريا، وتعزز دور الشباب والعمل الجماعي في التغيير الإيجابي بالمجتمعات وترميم آثار الحرب التي عانتها سوريا لسنوات طويلة. 

وضمت قائمة الفرق المشاركة "شبابنا قدا - معاً لننقذ الإنسان - كفاف - أنامل بيضاء - رواد التغيير - القلب الأخضر - المنصة السورية الطبية - لأجلكم نحيا - سواعد أمل - مدد - مساحة سلام - سواعد الخير - الجالية السورية في غازي عنتاب - وقف بلبل زاده - Bülülzade vakfı".

مبادرات مشابهة تنتقل إلى مدن أخرى "حماة تنبض من جديد" 
وبعد سقوط نظام بشار الأسد وهروبه في ديسمبر 2024، بدأت ملامح النهوض الأهلي تظهر في أكثر من محافظة سورية. ففي مدينة حماة، أُطلقت مبادرة واسعة بعنوان "حماة تنبض من جديد"، تستهدف تحسين الظروف الخدمية والمعيشية بعد عقود من الإهمال والتهميش.

عانت حماة، خلال فترة حكم النظام السابق، من تردّي الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، حيث كان التيار الكهربائي مقطوعاً لساعات طويلة، والمياه لا تصل إلى العديد من الأحياء، فضلاً عن تهالك شبكات الصرف الصحي وارتفاع أسعار النقل والمحروقات. كما شهدت المرافق العامة، خصوصاً الحدائق والمتنزهات، تدهوراً كبيراً.

وتهدف حملة "حماة تنبض من جديد" إلى توحيد جهود الأفراد والمنظمات المحلية والدولية لإصلاح القطاعات المتضررة، بما يشمل شبكات الكهرباء والمياه والبنية التحتية الأساسية، إلى جانب تحسين واقع النظافة العامة والنقل الداخلي.

وأكد محافظ حماة، عبد الرحمن السهيان، أن المبادرة جاءت كخطة إسعافية تهدف إلى "وقف النزيف" في القطاعات المتدهورة، عبر إطلاق مشاريع خدمية طارئة، ودعا في الوقت ذاته المغتربين السوريين للمساهمة الفاعلة في إعادة إعمار مدنهم ودعم مشاريع التنمية المحلية.

مبادرات شبابية في حمص تعيد البهجة إلى الشوارع وتدعم أطفال المدينة
وفي سياق الجهود المجتمعية المتصاعدة لإعادة نبض الحياة إلى المدن السورية المحررة، أطلق فريق "يلا سوريا" الشبابي في مدينة حمص حملة لتنظيف عدد من أحياء المدينة، بالتعاون مع مجلس مدينة حمص، وذلك ضمن الاستعدادات لاستقبال عيد الفطر المبارك.

وركزت الحملة على تنظيف الساحات العامة والطرق الرئيسية في أحياء المدينة القديمة ومحيط جامع خالد بن الوليد، وسط تفاعل لافت من الأهالي الذين رأوا في هذه المبادرة رسالة أمل بأن حمص بدأت تستعيد حيويتها ومكانتها بعد سنوات من الحرب والإهمال.

وبمشاركة أكثر من 70 متطوعاً ومتطوعة، ساهم فريق "يلا سوريا" إلى جانب الهيئة السياسية ومحافظة حمص في تنظيم واحدة من أضخم الفعاليات التي شهدتها المدينة مؤخراً، بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لانطلاق الثورة السورية.

وشملت الفعالية عروضاً فنية وثقافية ومظاهرات رمزية أكدت على تمسك السوريين بمطالبهم بالحرية والكرامة، في ظل أجواء مفعمة بالبهجة والأمل، نقلتها كوادر الفريق الإعلامية عبر بث أرضي وجوي أضفى بعداً احترافياً على التغطية.

روح التعاون تتواصل
تشكل هذه المبادرات الأهلية مؤشراً واضحاً على أن روح التكاتف والتضامن بين السوريين لا تزال حيّة وقادرة على إحداث الفارق في مرحلة إعادة البناء. وبينما تنهض حلب وحماة ومدن سورية أخرى من تحت الركام، تثبت سوريا الجديدة أن إرادة شعبها أقوى من الدمار، وأنها قادرة على إعادة بناء بلدها حجراً فوق حجر، وقلباً فوق قلب.

"رجعنا يا شام" حملة تطوعية لإعادة الحياة لمدينة دمشق عبر أعمال خدمية وتجميلية
أطلقت عدة منظمات سورية وفرق تطوعية، اليوم السبت 18 كانون الثاني، حملة خدمية في مدينة دمشق تحت شعار "رجعنا يا شام". تهدف الحملة إلى إعادة الحياة لمدينة دمشق عبر أعمال خدمية وتجميلية، وتعزيز روح التعاون والمبادرة والعمل التطوعي في المجتمعات السورية، بالإضافة إلى إرسال رسالة أمل وسلام في ظل مساعي إعادة إعمار سوريا.

استهدفت الحملة إعادة النشاط المدني في دمشق، ودمج المغتربين والمهجرين ليكونوا جزءًا من هذا التحول الكبير في المدينة. حملت الحملة رسالة تعهد بأن دمشق تستحق الأفضل، وأن المشاركين في الحملة يعدون بتحقيق هذا الهدف، لعلها تكون بداية لتحفيز المشاريع المجتمعية والتطوعية في المدن السورية.

وشاركت في الحملة مؤسسة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، إلى جانب 36 مؤسسة ومنظمة سورية وفرق تطوعية وناشطين محليين. تم تنفيذ أنشطة خدمية وتجميعية شملت إزالة تجمعات القمامة من المناطق الحيوية، وفتح الطرق المغلقة لتسهيل حركة المدنيين، بالإضافة إلى إزالة السيارات المدمرة. كما تم تجميل بعض الدوارات وتنظيف النافورات المائية وزراعة الأشجار والنباتات.

من جذور الثورة إلى لحظة النصر
هذا النمط من التضامن ليس جديداً على السوريين. فمنذ انطلاق الثورة السورية في مارس 2011، تجلّى التعاون الشعبي في كل تفاصيل الحياة الثورية: من تنظيم المظاهرات، إلى حماية العائلات تحت القصف، وتأمين احتياجات النزوح، وحتى القتال المشترك على جبهات الدفاع عن الحرية. لقد كانت روح الأخوة تلك ركيزة صلبة مكّنت السوريين من إسقاط واحد من أكثر الأنظمة بطشاً وقمعاً في تاريخ المنطقة.

قصص لا تُنسى
ولا يمكن اختزال صور الأخوة والتضامن في تقرير واحد لكثرتها وغناها. ومن تلك القصص المؤثرة ما رواه الحاج أبو عمر، (55 عاماً) من خان شيخون، الذي قال: "بعد نزوحنا إلى قرية كفر يحمول في إدلب، توفي والدي رحمه الله. كنا غرباء ومكلومين، لكننا فوجئنا بأهالي القرية، الذين لم نكن نعرفهم، يقفون معنا في مصابنا، ساعدونا في الدفن، وأقاموا معنا طوال أيام العزاء."

سوريا تتنفس من جديد
رغم الخراب الذي خلّفته سنوات الحرب، تؤكد هذه المبادرات والمشاهد الإنسانية أن إرادة السوريين في الحياة أقوى من كل دمار. فبفضل هذه الروح الجماعية، تُعيد سوريا اليوم بناء ذاتها حجراً فوق حجر، وقلباً إلى جانب قلب.

روح متجددة تبني سوريا الجديدة
هذه الأنشطة المجتمعية في حلب وحماة وحمص وغيرها من المناطق المحررة، تعكس تحوّلاً حقيقياً في المزاج الشعبي، حيث بات الاعتماد على الذات والعمل الأهلي هو السمة الأبرز في مرحلة إعادة الإعمار.
إنها سوريا الجديدة التي تنهض من تحت ركام الحرب، بسواعد أبنائها وإيمانهم بأن إعادة البناء ليست مجرد عملية مادية، بل مشروع وطني وروحي يعيد للبلاد هويتها الكاملة، وينسج مستقبلها بعيداً عن الاستبداد والدمار

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ