
وعي ما بعد التحرير: كيف نصنع مجتمعاً سليماً في زمن السوشيال ميديا؟
في مرحلة دقيقة تمرّ بها سوريا بعد سقوط نظام الأسد البائد، تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة بناء المجتمع، ليس فقط على المستوى العمراني أو السياسي، بل من الداخل، من خلال وعي أفراده وسلوكهم، خاصة في ظل الانتشار الواسع لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تلعب دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام وتوجيه السلوك الفردي والجماعي.
السوشيال ميديا… سلاح ذو حدين
تحولت مواقع التواصل من منصات ترفيه وتعارف إلى ساحات لصنع الرأي وبث المعلومات، سواء كانت صحيحة أو مضللة. وبينما كانت وسيلة مهمة لكسر التعتيم الإعلامي خلال سنوات الثورة، أصبحت في كثير من الأحيان أداةً لنشر الإشاعات، وبث خطاب الكراهية، والتحريض بين المكونات المجتمعية.
أمثلة عديدة تُظهر كيف يمكن لمنشور غير مسؤول أن يُشعل فتنة، أو لمعلومة غير دقيقة أن تثير الذعر، أو تكون فكرة خاطئة عن مجموعة ما أو قضية ما. في مجتمع ما بعد الحرب، حيث الجراح لم تندمل بعد، يصبح التعامل غير الواعي مع هذه المنصات خطراً داهماً على الأمن والاستقرار الاجتماعي.
غياب الوعي الرقمي
تُظهر التجربة السورية خلال السنوات الأخيرة كيف أن غياب الوعي الرقمي قد يؤدي إلى نتائج كارثية. من تداول معلومات مضللة عن وقائع ميدانية، إلى تشويه صورة الأفراد، مروراً بتضخيم الوقائع أو تسييسها بما يخدم أجندات معينة. في كل ذلك، كان المواطن العادي هو الضحية، إما نفسياً أو اجتماعياً أو حتى جسدياً.
المجتمع الجديد بحاجة لعقول مسؤولة
بناء مجتمع آمن وسليم في سوريا الجديدة يتطلب تغييراً في الثقافة الرقمية. لا يكفي أن يُمنح الناس حق التعبير، بل يجب أن يرافقه وعي بالمسؤولية، وفهم لحدود الحرية، ومعرفة بخطورة نشر الكذب أو التحريض.
هنا يبرز دور التعليم والإعلام والمجتمع المدني في غرس مفاهيم الوعي الرقمي، وتعليم مهارات التحقق من الأخبار، وثقافة احترام الرأي الآخر، وتجنّب التنمر الإلكتروني أو التهديد.
دور الإعلام والنخب
المسؤولية لا تقع فقط على الأفراد، بل أيضاً على المؤسسات الإعلامية والنخب الثقافية، التي يجب أن تقود خطابا عقلانيا يخفف من التوتر ويعزز قيم الحوار. المجتمع الذي خرج من تحت ركام الحرب بحاجة إلى خطاب يبني لا يهدم، يهدّئ لا يؤجج، ويُرشد لا يضلل.
لا يمكن بناء سوريا الجديدة على أنقاض الكراهية والخوف، ولا يمكن للسوشيال ميديا أن تكون ساحة حرية ما لم تُضبط بوعي ومسؤولية. الطريق إلى الاستقرار يبدأ من الوعي، ومن منصات رقمية تعكس نضجاً وصدقاً ورغبة حقيقية في صنع مستقبل أفضل.