منظمة "احموا مسيحيي الشرق" تواجه تحقيقاً في فرنسا لتورطها بجرائم حرب في سوريا
قالت مواقع إعلام فرنسية، إن مكتب المدعي العام في باريس، فتح تحقيقًا أوليًا بحق منظمة "احموا مسيحيي الشرق"، الفرنسية، لتورطها في جرائم حرب في سوريا، وذلك بعد نشر موقع "ميديابارت" المتخصص بالتحقيقات الاستقصائية، تحقيقاً يثبت تورط المنظمة بجرائم حرب بسوريا.
وأُوكل التحقيق إلى المكتب المركزي لمكافحة الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الكراهية، واتُهمت المنظمة الفرنسية من قبل منظمات غير حكومية سورية، بالتورط بنهب القرى وقصف المدنيين وتدريب الأطفال على القتال.
وسبق أن كشف موقع ميديابارت Mediapart الفرنسي أن منظمة "أنقذوا مسيحيي الشرق" الفرنسية غير الحكومية ظلت تقدم الدعم للمليشيا التي تقاتل لصالح النظام السوري منذ 7 سنوات، بدلا مما تدعيه من مساعدة المسيحيين في سوريا دون التدخل في الصراع الذي يمزق البلاد.
وأظهر التحقيق المطول -الذي شارك فيه 3 من صحفيي الموقع هم أريان لافريو وإيلي غوكيرت وفرانك أندروز- أن وزارة القوات المسلحة الفرنسية، بعد سنوات من قطع العلاقات مع النظام السوري عام 2012، منحت هذه الجمعية وضع "مؤسسة شريكة في الدفاع الوطني" في فبراير/شباط 2017.
وانطلق الموقع في التحقيق من ظهور ستيني يقدم الشكر لجمعية "أنقذوا مسيحيي الشرق" وهو يقول "أود أن أشكر أنقذوا مسيحيي الشرق. لن ننسى أبدا دعمها" مما يعبر عن العلاقات الوثيقة بين الجمعية وهذه المليشيات.
ويظهر في التحقيق أن المتحدث لم يكن سوى رجل الأعمال السوري سيمون الوكيل زعيم ما يسمى "الدفاع الوطني" بمنطقة محردة، وهي مليشيا مسيحية شكلها النظام السوري متهمة بارتكاب جرائم حرب في البلاد، وتنشط في محافظة حماة وريفها منذ عام 2013.
ونقل الصحفيون الثلاثة في ميديابارت -عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان- أن مليشيا "الدفاع الوطني" في محردة شاركت في هجمات النظام السوري على حماة وإدلب عام 2019، ونهبت الأدوات المنزلية في تلك المناطق وباعتها في سوق مدينة السقيلبية المسيحية القريبة من محردة.
ومن الناحية الرسمية -حسب التحقيق- تؤكد هذه الجمعية التي تأسست عام 2013 أنها محايدة في الصراع السوري، بصفتها شريكا للدفاع الوطني الفرنسي منذ عام 2017، وتصف نفسها على موقعها الرسمي على الإنترنت بأنها "جمعية ذات مصلحة عامة غير سياسية، تعمل منذ عام 2013 بكل قانونية في قلب مناطق الكوارث في الشرق الأوسط، بالعراق وسوريا والأردن ولبنان، أيضا في مصر وإثيوبيا وباكستان وأرمينيا".
ويشير التحقيق إلى الارتباط بين مؤسسي هذه الجمعية شارل دو ماير وبنجامين بلانشار، مع النائب الفرنسي اليميني المتطرف جاك بومبار الرئيس الحالي لبلدية أورانج، ويظهر صورهما وهما يحملان بنادق الكلاشينكوف في سوريا.
ويقول المؤسسان إن مهمة المنظمة تتمثل في "إعادة نسج الروابط مع مسيحيي الشرق" إلا أن ميديابارت يرى أن هذه الطموحات الخيرية و"الحضارية" العظيمة لم تكن دائما بهذا الوضوح، حيث يظهر مقطع أحد أعضائها يقدم البطانيات والمساعدات الغذائية لميلشيا "الدفاع الوطني" في محردة.
وأشار التحقيق إلى أن الاشتباكات -التي اندلعت في بلدة معلولا المسيحية- شكلت فرصة مثالية للنظام لإحداث الانقسام، ولجمعية "أنقذوا مسيحيي الشرق" للانخراط في سوريا، وفي 17 سبتمبر 2013، قبل شهر من تقديم النظام الأساسي للجمعية، أطلق أوليفييه ديموك العضو المؤسس الذي انسحب بعد ذلك، نقاشا تحت عنوان "إذا كنا كاثوليكا، سنقاتل في سوريا للدفاع عن المسيحيين السوريين" وهو يصف الفكرة اليوم بأنها "سخيفة".
وقد قاد هذا الشخص -الذي كان السكرتير الأول للجمعية- عملية احتفالات "عيد الميلاد بسوريا" في ديسمبر/كانون الأول 2013، مع مؤسسيها، وذلك تحت إشراف النظام وبفضل أحد زبائنه القدامى فريديريك شاتيلون، وهو شخصية من اليمين المتطرف، وأحد المتعاملين مع وزارة السياحة السورية وحزب التجمع الوطني الفرنسي في نفس الوقت.
وبحسب ديموك، حاول عدد من المتهورين استغلال ليلة رأس السنة في دمشق للانضمام إلى الجيش السوري، و"من بين أولئك الذين يرافقونني، لم يسع أحد لأن يكون بابا نويل"، وقال إن المشاركين في العملية التقى بعضهم في المساء، بعد التقاط الصور بدور الأيتام وتوزيع الألعاب، بأحد عناصر جيش الأسد الإلكتروني، وهو جورج شاوي المدرج على قائمة العقوبات الأوروبية الذي قال لهم "إن السلطات السورية غير مهتمة إطلاقا بتعزيزات عسكرية".
وبعد أشهر قليلة من عيد الميلاد السوري هذا، أوضح ديموك أنه يريد "مساعدة سوريا بغير السلاح" لكن الشخصيات الأخرى بالمنظمة لا يزالون مفتونين بأسلحة الحرب، حيث ظهر بلانشار يحمل بنادق آلية وكلاشينكوف ومنجلا في منزل سوري، ويعود إنشاء قوات "الدفاع الوطني" -حسب التحقيق- إلى بداية الصراع فجر الثورة عام 2011، بعد أن تم تقويض الجيش بسبب الانشقاقات المتتالية، فقام النظام بإنشاء المليشيات وتدريبها.
وفي محردة، قاد هذه القوة سيمون الوكيل -الذي تعتبره جمعية "أنقذوا مسيحيي الشرق" رجل أعمال مسيحي وضع ثروته في خدمة الدفاع عن مجتمعه، وقد شارك مع رجاله في الحرب مع الجيش السوري، وقال إنه فقد حوالي 50 عنصرا منذ بداية الصراع، بالإضافة إلى 100 مدني قتلوا في ضربات للمتمردين.
ونقل التحقيق قول سارة كيالي، هي باحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش "قوات الدفاع الوطني ارتكبت انتهاكات متكررة لحقوق الإنسان، معروفة لدى الجميع. أي منظمة غير حكومية عاملة في سوريا يجب أن تعرف ذلك".
وأشار التحقيق إلى أن الجنديين اللذين لا ينفصلان، نبيل العبد الله وسيمون الوكيل، متهمان -وإن كانا ينفيان ذلك- بارتكاب 7 جرائم حرب أو المشاركة فيها، قتل فيها عدة مئات من المدنيين في منطقة حماة وحلفايا.
ويبدو أن المقاتلين الذين وصفتهم الجمعية في بيانها الصحفي بأنهم "مسيحيون يدافعون عن أنفسهم ضد الهمجية الإسلامية" لا يتمتعون بالقبول داخل المجتمع الذي يفترض أنهم يحمونه، حيث طالب السكان برحيلهم خلال هجوم الثوار عام 2017.
وبحسب التحقيق فإنه -ورغم أن هذه المليشيات يتم تسليحها ودفع تكاليفها من قبل النظام، فإن جمعية "أنقذوا مسيحيي الشرق" لا تزال حريصة على المساهمة في المجهود الحربي، حيث تم جمع 15 ألف يورو لتقديم المساعدة المادية لمنطقة محردة.
وهذه المساعدة موجهة جزئيا -حسب التحقيق- إلى المليشيات والمقربين منها، حيث أفاد موقع "علمودون" الإخباري المقرب من المعارضة السورية أن وفداً من منظمة "أنقذوا مسيحيي الشرق" وإدارة دير القديس يعقوب المقطع "زار المنطقة وسلم معدات ومساعدات مختلفة لقائد المليشيا".
ولا يبدو أن العاملين في المجال الإنساني الناشئين حريصون على المحاسبة أو الشفافية -كما يقول التحقيق- حيث تم إنفاق أكثر من 800 ألف يورو عامي 2016 و2017، به التحقيق إلى أن هذا المبلغ -على سبيل المقارنة- يتوافق مع ما أنفقته منظمة "أنقذوا مسيحيي الشرق" على مشاريعها في سوريا عام 2016 وحده، بحسب تقديرات ميديابارت بناء على الوثيقة الداخلية التي حصل عليها.
وقد ردت الجمعية بأن هذه الظاهرة "شائعة لدى المنظمات غير الحكومية الناشئة التي لم يكتمل تنظيم خدماتها المحاسبية" وألقت باللوم على اللغة العربية، حيث إن المحاسبين الفرنسيين "لا يقرؤون اللغة العربية".
واستغرب معدو التحقيق من أن الروابط الوثيقة لجمعية "أنقذوا مسيحيي الشرق" مع مليشيات بشار الأسد لم تمنع فرنسا -التي قطعت جميع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق منذ عام 2012- من اعتبار المنظمة "شريكا في الدفاع الوطني" من قبل وزارة القوات المسلحة.
ففي عام 2016 -وفقا لتقرير نشاط الجمعية- أرسل الجيش الفرنسي نيابة عنها عدة أطنان من المعدات الطبية مجانا تتضمن الكمادات والأسرة والملابس الطبية إلى سوريا، ورغم أن ميديابارت اتصل بوزارة القوات المسلحة في مناسبات متعددة فإنها لم ترد على أسئلته.
وإذا كانت هذه التسمية لا تعطي أي حق معين، فإنها مع ذلك تسمح للمنظمات غير الحكومية بالحصول على شهادة احترام، خاصة أنه -حسب التحقيق- يمكن لأي منظمة فرنسية تضم بين أعضائها جنود احتياط بالجيش الفرنسي أن تحصل على لقب "الدفاع الوطني".
وتضم "أنقذوا مسيحيي الشرق" على سبيل المثال فرانسوا غزافيي جيكيل، وهو مدير عملياتها، وقد أُجبر على الاستقالة من الجبهة الوطنية بعد أن ألقى التحية النازية لإحياء ذكرى وفاة بينيتو موسوليني عام 2012، وهناك العديد من المتطوعين السابقين الذين اتصل بهم ميديابارت أو تم التعرف عليهم هم أنفسهم جنود سابقون أو احتياط.