
ملف خاص لـ "شبكة شام".. "صورني و أنا أتبرع" .. المرض الذي يجتاح المؤسسات الإنسانية و يغتال "كرامة" المتبرع له
لاضرر من أن يعتمد المتبرع البعيد عن مكان التبرع على صور توثق وصول الأموال أو الأشياء التي يرغب التبرع بها للمحتاجين ، كي يطمئن قلبه كما يُقال ، أو كعُرف درج لمنع النصب و السرقة التي لحقت بعمليات مساعدات السوريين منذ بدأ رحلة اللجوء و النزوح ، بسبب آلة القتل التي انتهجها نظام الأسد منذ إندلاع الثورة.
و لكن أن تتحول عملية التبرع إلى حالة "صورني و أنا أتبرع" و نشرها على وسائل التواصل الإجتماعي ، و التفاخر بها هنا و هناك ، فهنا نكون قد دخلنا في إطار الذل ، و المفاخرة ، و الإساءة و المتاجرة بكرامة و ألم السوريين بشكل يضاهي ما يفعله الأسد ومواليه و مسانديه .
الدين الإسلامي واضح ..وصارم
حاولت أن أبدأ بحثي عن خلفيات الموضوع من عدة وجهات النظر ، و أول ما بدأت العمل به هو البحث عن السند الذي يعتمده هؤلاء في عملهم ، و لم أتعب كثيراً فالجواب كان واضحاً وضوح الشمس في الآية الكريمة ، القائلة بعد بسم الله الرحمن الرحيم
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }.
هوس الداعمين .. و "تشاوف" الناشطين
محمود الطويل أحد الناشطين في حملة "وجه المستفيد عورة" ، التي بدأ هجومها على المؤسسات و المنظمات التي تعتمد على هذا الإسلوب في عملها ، قال :"منذ بداية العمل الإغاثي جرّاء مشاكل المعيشة التي سببتها مواجهة النظام للثورة ومحاولة النظام لَـيْ ذراع بمعيشتهم وتضييقها ، كانت مجموعة كثيرة من الناشطين في هذا المجال ينادون بأن (وجه المستفيد عورة) وقد استجابت منظمات داعمة وهيئات داعمة لهذا النداء ولم تشترط هذا النوع من التوثيق."
و اضاف : ولكن هَوَساً ما لدى بعض الداعمين ولدى بعض الناشطين في العمل الإغاثي مازال يسيطر على عقولهم حيث لا يأمن الداعم إلا عندما يرى المستفيد من دعمه ولا يرتاح الناشط في هذا المجال إلا إذا "تشاوف "بنشاطه وأثره مبرراً ذلك بمحاولاته لاستقطاب مزيدٍ من الخير للناس ومتجاهلاً مقدار الأذى النفسي والشعوري والسلوكي الذي يسببه هذا التصرف وكمية الحَرَج الاجتماعي الذي سينشأ لاحقاً.
و اكد الطويل على أنه "لابد من حملةٍ إعلاميةٍ تفاعلية تنادي وتراسل جميع الداعمين أن يلجؤوا إلى أساليب في التوثيق أكثر رأفةً وحياءً وأكثر احتراماً وتقديراً لحاجات الناس، وأن توجّه هذه الحملات أيضاً نداءاتٍ ورسائل للناشطين بأن يكونوا من صف أهلهم وذويهم في الحفاظ على ما تبقّى من شعورهم وكرامتهم. هذا من جهة".
منوهاً بضرورة أن يكون المعنيين بهذا العمل في كل منطقة أن يُنسقوا شروطهم لقبول الدعم من المانحين ويضعوا معايير لأساليب التوثيق الذي يقدموه لهذه الجهات والهيئات المانحة، فتلتزم هذه الجهات والهيئات بشروطهم ـ على أن لا تكون مخلّةً لأُسس التوثيق ومضرةً في غاياته ، لافتاً إلى أن هذه التجربة نجحت بفترةٍ سابقة في ريف دمشق، فلا معنى أبداً بتصوير وجوه الناس بأساليب مخزية ومعيبة ثم نشرها على العلن، حيث إن المانحين تكفيهم بيانات المستفيدين وحتى صور التوزيع ـ مثلاً ـ ولا مبرر لنشرها على الملأ.
حب الشهرة و إثبات "أننا مشاركين في الثورة"
أما سوزان أحمد ، ناشطة اعلامية ، فقد أكدت أن هذه الظاهرة قد تفاقمت "بحجة التوثيق" ، لافتة إلى أن " بداية قد يكون التوثيق أحد أسبابها ولكن لا نستطيع أن ننفي حب الشهرة والأضواء وحب انتشار السمعة الحسنة بالكرم أو حتى إثبات نشاط معين في الثورة.".
مؤكدة أن أي شخص ذو كرامة لن يقبل بهذا لأنه ببساطة يمكن أن يضع نفسه مكان المستفيد وينظر أيرضى بذلك لنفسه؟! فليتخيل أنه أثناء تصفحه للفيسبوك مرت صورة أحد أقربائه وهو ممسك بنقود أو بسلة غذائية بالقرب من شخص آخر يمد يده لمساعدته... فماذا يكون موقفه؟!
و اشارت الأحمد إلى أن الكثير من العائلات المحتاجة رفضت فعليا المساعدات المقدمة لها بسبب اشتراط التصوير... وبعض الأطفال بكوا أمام العدسات لشعورهم بالقهر والمهانة... وسرد الأحمد قصة الدعابة التي شاعت على وسائل التواصل الاجتماعي عن إيقاف عملية توزيع المساعدات في منطقة ما بسبب تعطل الكاميرة لم تأتي من فراغ ، مشيرة إلى إمكانية أن تكون حقيقية.
مشددة على أن لهذا الأسلوب تداعيات سلبية كثيرة على نفسية المستفيد بسب انتهاك كرامته واستغلال حاجته وبالتالي سينعكس هذا الشيء على المجتمع ككل
و اقترحت لحل المشكلة بأن "نبدأ من كل شخص قائم على عمليات التوزيع والإغاثة والمساعدات الإنسانية... يجب أن ينتشر فكر الحفاظ على كرامة المستفيد.. يجب أن نتعلم كيف نقول "لأ" وأن طلبات الداعم ليست أوامر... هناك طرق كثيرة مجدية بعملية التوثيق والتصوير لا يعتبر أفضلها حتى... فلو الغرض توثيقي لحفظ الحقوق والتأكد من الاستخدام الصحيح للمال، هناك طرق قانونية ومحاسباتية أفضل... ويمكن دائماً الاستعانة بأشخاص ثقات وجهات معروفة بعملها وسمعتها الطيبة ولا داعي لانتهاك كرامة وحرمات المحتاجين... ارحمو عزيز قوم ذل!
المشكلة مشتركة بين المؤسسة و شخص المتبرع
الحقيقة سرد أسماء المؤسسات التي تعتمد إسلوب "الذل" في منح المساعدات قد يحتاج إلى قائمة تطول و يصعب حصرها نظراً لكثرتها و انتشارها في داخل سوريا و خارجها ، وحتى باتت تعتمد من بعض الجهات ذات الصفة الرسمية ، وطبعاً ناهيك عن قيام تنظيم الدولة "داعش" بفعل ذات الأمر من خلال التقارير المرئية التي تنشرها كل فترة و التي كان آخرها توزيع ثياب العيد على "الأطفال الفقراء" .
حاولت أن أتواصل مع المؤسسة التي سببت تحريك الأمر مؤخراً ، والتي قيل أنها موجودة في مدينة التل بريف دمشق، و لكن لم أتمكن .
تواصلت مع مؤسسة "عدالة" التي تنشط في الغوطة الشرقية ، و تعنى برعاية الأيتام و تقدم خدمات أخرى عديدة ، واكد علاء أبوجعفر ، مسؤول الإعلام في مؤسسة "عدالة" ، أن مسألة نشر صور المتبرع لهم تعود إلى كل مؤسسة و سياستها بالدرجة الأولى ، و من ثم للمتبرع الذي يطلب كيفية التوثيق (محترمة أو غير محترمة) ، و يعود بعد ذلك القرار للمؤسسة بالقبول و أخذ المال المتبرع به أو الرفض و الحرمان من هذا المبلغ الذي سيجد حتماً من يقبل به .
ورأى أبوجعفر أن غالبية المؤسسات التي تعتمد هذا الإسلوب الغير محترم ، هي مؤسسات صغيرة سعياً وراء الشهرة و إثبات أنها نشيطة في هذا المجال لتجذب المتبرعين .
في حين ، و الكلام لأبوجعفر ، أن المؤسسات الإنسانية العالمية و المحترمة تعتمد على إسلوب تصوير الأشياء التي تم التبرع بها ، دون إظهار وجوه المتبرع لهم .
مواقع "صفراء" .. تصطاد في "الماء العكر"
في المقابل رأت بعض المؤسسات التي لحقت بها الهجمة ، نظراً لنشر صور التبرع على مواقع التواصل الإجتماعي ، أنها تتعرض لهجمة غير برئية نتيجة خطأ قام به بعض الأعضاء مخالفين بذلك سياسية المؤسسة ، و هذا ما جنحت إليه مؤسسة "ملتقى البيت الحلبي" في بيان صدر قبل أيام (مرفق بالتقرير) .
و قال "ملتقى البيت الحلبي" الذي اكد أن ما تم نشره على صفحتهم على موقع التواصل الإجتماعي كان نتيجة خطأ الناشطين في الداخل ، بغير علم الإدارة ، إذا قام "الشباب العامل في الداخل السوري ، بوضع (توثيق توزيع المعونات) على الصفحة قبل إيصاله للمعنيين في الأمر ، ظناً منهم أن في ذلك سرعة في نشر التوثيق" معترفاً بأن هذا خطأ.
و لكن الملتقى هاجم من وصفهم بـ "المواقع الصفراء" بالإصطياد بالماء العكر و استغلال الحادثة لتشويه عملهم ، و تعمدت (أي المواقع) على تضخيم الخطأ و نشره بطريقة مسيئة للعاملين .
وختم الملتقى البيان بالقول "بهذه المناسبة نذكر الجميع بضرورة تحمل مسؤوليتهم إتجاه الشعب الجريح ، فلا بد من بذل مزيد من البذل و العطاء لتخفيف معاناة المواطنيين هناك ، ونؤكد لكم أننا على استعداد لاستقبال مساعداتكم المادية و العينية عبر حساباتنا المنشورة أو بالتواصل معنا مباشرة" ، نقطة إنتهى البيان .
دكاكين المساعدات ..
الحقيقة إنتشار ظاهرة "دكاكين" المساعدات و العمل وفق اسلوب السوق و المنافسة و المضاربة ، حوّل سوق الخدمات الإنسانية للسورين إلى سوق فعال في المضاربات ، رفع الرصيد المالي لدى البعض ، الأمر الذي دفع بالكثيرين الإحجام عن التبرع ، و بالتالي إنعكس ذلك على المحتاجين الذين باتوا في حرمان مضاعف ، من غياب المعونة ، و ظن المتبرعين أنهم أدوا واجبهم ، فدخلوا في غياهب النسيان .
و تحولت معاناة السوريين إلى سلعة لتعرض هنا و هناك ...
نتحدث عن الإستثناء .. وليس حديث عام ..
قد يؤخذ من الكلام أعلاه أن الأمر هو حالة عامة ، موجودة في كل مفاصل الدعم الإنساني ، و لكن هي حالة شاذة ، و إنتشارها محدود نسبة للمؤسسات التي أثبتت عراقتها و نجاحها في الوصول إلى المحتاجين الحقيقيين بصمت ، ودن ضجيج ، الأمر الذي أكسبها ثقة منقطعة النظير ، وباتت لوابة حقيقة لمد يد العون المساندة ، و لن نستطيع ذكرها جميعها أو ذكر بعضها ، فهي موجود على الأرض و تنشط في كل مكان ، و لها من المصداقية ما يجعلها في مصاف أفضل من المنظمات الدولية أو الهيئات المعروفة على مستوى العالم.
المؤسسات الدولية ليست بأحسن حال ..
وليست وحدها تلك المؤسسات الصغير الناشئة من يسهم ، في التجارة بمعاناة السوريين ، فهناك منظمات دولية ، تضيّع مبالغ ضخمة من تلك التي تحسب على أنها للسوريين ، في مؤتمرات "الدول المانحة" وحملات التبرع ، وتذهب أجزاء كثيرة منها كرواتب و مصاريف إدارية ، لكتلة الموظفين الضخمة التي تعمل على أساسها تلك المنظمات و على رأسها المنظمات التابعة للأمم المتحدة .
إضافة لمصاريف الحملات الضخمة التي تصرف هنا و هناك ، ومنها الحملة التي أطلقت بمناسبة مرور أربعة أعوام على إنطلاق الثورة السورية ، والتي اجتمع لإجلها رؤساء المنظمات الإنسانية في أحد الفنادق الأردنية ، لكي يلتقطوا صور حملة "أوقفوا الحرب" ، حينها فاقت قيمة الحجوزات في الفندق الـ100 ألف دولار ، ماعدا المصاريف الأخرى من طائرات و تنقلات ..... ، في عموماً هذا فصل من عمل المنظمات الدولية يحتاج لبحث منفصل سنعمل بعون الله على إنجازه .