ما الذي يريده السوريون..؟ نتائج أول استطلاع شامل بعد التحرير
ما الذي يريده السوريون..؟ نتائج أول استطلاع شامل بعد التحرير
● أخبار سورية ٦ ديسمبر ٢٠٢٥

"إسرائيل عدو"".... ما الذي يريده السوريون..؟ نتائج أول استطلاع شامل بعد التحرير

أظهر أول استطلاع وطني واسع النطاق يُجرى في سوريا منذ سقوط النظام البائد أن البلاد تقف أمام مفترق حاسم بين الأمل والمخاطر، إذ يكشف المسح الذي نفّذه "الباروميتر العربي" بالتعاون مع فريق محلي عن رغبة السوريين في بناء دولة ديمقراطية شاملة، مع دعم كبير للحكومة الحالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع، مقابل قلقٍ عميق من التحديات الاقتصادية والانقسام المجتمعي، في لحظة تُعدّ الأكثر حساسية منذ انتهاء الحكم السابق.

وبيّن الاستطلاع، الذي شمل 1229 مواطناً بين 29 تشرين الأول و17 تشرين الثاني، أن السوريين ينظرون بتفاؤل نسبي إلى مستقبل البلاد، إذ أعرب 81 بالمئة منهم عن ثقتهم بالرئيس الشرع، و71 بالمئة بثقتهم بالحكومة، و62 بالمئة بثقتهم بالقضاء، بينما يرى 71 بالمئة أن الجيش يحظى بأهمية مركزية في الاستقرار الوطني. 


وتستند هذه الثقة –بحسب معدّي الدراسة– إلى مقارنة مباشرة بين الواقع الراهن وبطش النظام السابق، إذ أفاد 78 بالمئة من السوريين أنهم مرّوا خلال سنوات 2011-2024 بتجارب قاسية كالنزوح، وفقدان الممتلكات، والاعتقالات، وفقدان أفرادٍ من أسرهم، مقابل 14 بالمئة فقط عانوا تجارب مشابهة خلال العام الأول بعد التحرير، ما عزّز شعوراً عاماً بأن الدولة الجديدة تسير في الاتجاه الصحيح.

ورغم هذا المزاج الإيجابي، تكشف نتائج الاستطلاع عن فجوة مقلقة بين الثقة السياسية من جهة، والوضع الاقتصادي والخدمات العامة من جهة أخرى، إذ قال 17 بالمئة فقط إنهم راضون عن الاقتصاد، بينما شكّل التضخم والبطالة والفقر أهم التحديات التي تواجه البلاد. 


وأشار 86 بالمئة إلى أن دخل الأسرة لا يغطي الاحتياجات، و65 بالمئة إلى أنهم نفد منهم الطعام خلال الثلاثين يوماً الماضية قبل توفر المال الكافي لشرائه، فيما عبّر أغلب المشاركين عن استياء واضح من خدمات الكهرباء والمياه والإسكان والصحة، ما يجعل الملف الاقتصادي الاختبار الأصعب أمام الحكومة الجديدة.

ويطرح الاستطلاع تحذيراً صريحاً من هشاشة الوضع الأمني رغم تحسّن الظروف العامة، إذ يرى 74 بالمئة من السوريين أن انتشار السلاح خارج إطار الدولة يمثّل تهديداً رئيسياً، فيما يعدّ 63 بالمئة الخطف تحدياً يثير قلقاً واسعاً، ما يعكس حاجة ملحة لفرض احتكار الدولة للقوة ضمن عملية أمنية انتقالية دقيقة.

غير أن أخطر ما كشفت عنه البيانات هو الانقسام الإقليمي المرتبط بالبعد الطائفي، إذ أظهرت محافظات اللاذقية وطرطوس والسويداء –التي تضم كتل علوية ودرزية كبيرة– معدلات ثقة متدنية جداً تجاه مؤسسات الدولة، لا تتجاوز 36 بالمئة للحكومة والرئيس، و22 بالمئة للجيش، و33 بالمئة للقضاء، إلى جانب شعور عام بانعدام الحريات الأساسية، ما يؤشر إلى فجوة ثقة تحتاج إلى معالجة عاجلة لمنع تحولها إلى توتر قابل للانفجار. 


وتربط الدراسة هذا التوتر بسلسلة الاعتداءات الانتقامية التي وقعت خلال العام الماضي ضد مجتمعات علوية ودرزية، والتي عززت مخاوف هذه المكونات من غياب ضمانات الحماية بعد سقوط النظام السابق.

ويظهر السوريون وعياً لخطورة الانقسام الأهلي، إذ اعتبر 78 بالمئة أن التعصّب يمثل مشكلة وطنية، ورأى 41 بالمئة أن أهم دروس المرحلة الممتدة بين 2011 و2024 هو قبول الاختلاف بين المكوّنات، بينما أعربت أغلبية واضحة عن ضرورة ضمان الأمن والمشاركة السياسية والتمثيل المتوازن لكل من الأغلبية والأقليات، رغم غياب إجماع حاسم حول الطرف الأجدر بالأولوية في جبر الضرر.

وتسلّط النتائج الضوء على الحاجة إلى مسار عدالة انتقالية شامل، إذ يرى 70 بالمئة أن لجنة العدالة الوطنية يجب أن توسّع ولايتها لتشمل الجرائم التي ارتكبتها مختلف الأطراف، وليس فقط نظام الأسد السابق، كما ترفض غالبية ساحقة أي شكل من أشكال العدالة خارج القضاء، ما يعكس توجهاً عاماً لبناء دولة القانون وإنهاء إرث الإفلات من العقاب.

وعلى الصعيد الدولي، يظهر السوريون انفتاحاً واسعاً على التعاون الخارجي، إذ عبّر نحو 80 بالمئة عن تأييدهم للمساعدات الاقتصادية والتنموية، مع تفضيل واضح للشراكات مع السعودية وقطر وتركيا، بينما احتفظ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بمكانة إيجابية لافتة، إذ أبدى ثلثا المشاركين رأياً إيجابياً تجاه الطرفين. 


وبصورة استثنائية إقليمياً، عبّر 61 بالمئة عن تقييم إيجابي لسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وذلك بفعل رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بعد التحرير، غير أن 14 بالمئة فقط أيدوا تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو ما يشير إلى فجوة كبيرة بين المزاج الشعبي وبعض المبادرات الدبلوماسية المطروحة.

وتخلص الدراسة إلى أن الحكومة السورية تقف أمام نافذة قصيرة لتحقيق تحوّل فعلي يضمن الاستقرار والعدالة والتنمية، إذ يحظى الرئيس الشرع حتى الآن بثقة شعبية كبيرة، لكنها ثقة مشروطة بالنتائج الاقتصادية وبقدرة الدولة على رأب الانقسام الأهلي وفرض سلطة القانون. وتحذّر الدراسة من أن استمرار التحديات الحالية دون حلول ملموسة قد يؤدي إلى تآكل هذه الثقة سريعاً، وعودة التوترات التي دفعت البلاد إلى سنوات الحرب.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ