لبنان يطالب سوريا بـ"تعويض" سجنائها عن مرحلة اعتقالهم المؤلمة لدى نظام الأسد
طالبت مندوبة لبنان لحقوق الإنسان في جامعة الدول العربية، رضى مراد، الحكومة السورية الجديدة، بتعويض كل مساجين لبنان الذين اعتقلوا في السجون السورية خلال فترة حكم نظام الأسد.، وذلك عقب زيارتها للمحرر من السجون السورية، سهيل حموي، الذي أمضى 32 عامًا في السجون السورية قبل أن يُفرج عنه، وذلك في منزل حموي في شكا، بحضور أفراد من العائلة.
مطالب بتعويضات للمعتقلين اللبنانيين
وأعربت مراد عن غبتها في أن تقوم الحكومة اللبنانية بتأمين راتب دائم للمحرر حموي من وزارة الشؤون الاجتماعية، مؤكدةً أن هذه الخطوة يجب أن تكون نموذجًا لمعاملة جميع المعتقلين اللبنانيين الذين مروا بتجربة الاعتقال في السجون السورية، ولفتت إلى أن الحكومة السورية يجب أن تتحمل مسؤولياتها في تقديم تعويضات لجميع المعتقلين اللبنانيين عن معاناتهم الطويلة.
أعداد المفقودين اللبنانيين في السجون السورية
تتفاوت التقديرات بشأن عدد اللبنانيين الذين ما زالوا مفقودين في السجون السورية، حيث تُقدّر جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية العدد بـ622 مفقودًا، كما قدم وزير العدل اللبناني في ديسمبر 2024 قائمة تضم أكثر من 6500 اسم لمفقودين لبنانيين في السجون السورية إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. من جانب آخر، قدّر النائب اللبناني السابق غسان مخيبر عدد المفقودين اللبنانيين في سوريا بين 700 و1500 شخص.
وتستمر هذه القضية في إثارة القلق بين الأسر اللبنانية، والتي تتطلع إلى إيجاد إجابات واضحة حول مصير أبنائها الذين فقدوا في السجون السورية، مع تأكيدها على ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات ومعاقبة من تسبب في معاناة الأسر اللبنانية.
المعتقلين السوريين في سجون لبنان
كشف المحامي محمد صبلوح، مدير مركز "سيدار" للدراسات القانونية، عن تفاصيل جديدة بشأن قضية المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية، خصوصًا أولئك الذين جرى توقيفهم بسبب مشاركتهم في الثورة السورية أو "المشاركة في تنظيمات إرهابية".
وأوضح الحقوقي اللبناني في حديث لموقع "المدن"، أن السّلطات السورية قد بدأت بإعداد قوائم بأسماء الموقوفين السوريين في لبنان، وإرسال طلبات رسمية إلى الحكومة اللبنانية لتسليمهم، بعد أن بات ملف تسليم المُعتقلين السّوريّين في السّجون قضيةً ملّحة.
أصل القضية وأعداد المعتقلينتعود جذور القضية إلى سنوات الحرب الأولى في سوريا، حيث وجدت العديد من العائلات السورية نفسها في لبنان، إما كلاجئين أو كمعتقلين على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات ضد نظام الأسد أو في الأنشطة المعارضة. يقدر عدد السجناء السوريين في لبنان بنحو 1700 إلى 1750 سجينًا، مع وجود حوالي 200 منهم معتقلين لأسباب تتعلق بالرأي السياسي.
التعامل مع الملف قانونيًا ودبلوماسيًا
منذ بداية الأزمة، اعتقلت السلطات اللبنانية عددًا من السوريين بدعوى دعم الثورة السورية، بينما رحبت في وقت لاحق بتعاونها مع الإدارة السورية الجديدة، ما يثير تساؤلات حول ازدواجية المعايير في التعامل مع هذا الملف.
ولفت صبلوح إلى أنه رغم الممارسات اللبنانية التي استمرت باعتقال هؤلاء تحت ذريعة "الإرهاب"، فإن لبنان قد اعتمد موقفًا جديدًا بعد تعاونها مع السلطات السورية، في وقت كان فيه العديد من الشخصيات اللبنانية قد تواصلوا مع قيادات سورية مثل "أبو محمد الجولاني".
خيارات لبنان في معالجة القضية
بحسب صبلوح، فإن أمام الحكومة اللبنانية خيارين للتعامل مع هذا الملف: إما التعاون مع الحكومة السورية لتسليم المعتقلين إلى السلطات السورية وفقًا للاتفاقيات القضائية الموقعة بين البلدين، أو إصدار عفو عام عن المعتقلين السوريين في لبنان إذا كانت فترة انتظارهم قد طال أمدها. هذا الخيار الثاني سيكون له تبعات قانونية وسياسية معقدة، حيث يتطلب إصدار عفو عام يشمل جميع السجناء.
تحديات دبلوماسية وقانونية
ومن الناحية السياسية، يبرز التأثير المحتمل لهذه القضية على العلاقات بين لبنان وسوريا، حيث أن إغلاق الحدود من قبل سوريا قد يكون أداة ضغط على لبنان لحل هذا الملف. كما أن التطورات السياسية المقبلة في لبنان، سواء بتغيير القيادة أو في ظل الإصلاحات القضائية، قد تساهم في إيجاد حل دائم لقضية المعتقلين السوريين في لبنان.
يأمل العديد من السوريين في لبنان أن يتخذ البلد خطوة إيجابية لحل قضية المعتقلين، لكن التسوية ستكون مشروطة بتوافق سياسي داخلي من شأنه أن يساهم في فتح صفحة جديدة من التعاون بين البلدين، في سياق حل القضية الإنسانية بشكل عادل، مع التزام احترام حقوق الإنسان.