
لأول مرة منذ ستة عقود.. السوريون أمام انتخابات حرة لإعادة تأسيس السلطة التشريعية
لأول مرة منذ ستين عاماً، يملك الشعب السوري حق اختيار ممثليه في مجلس الشعب من خلال الانتخابات المقررة خلال الشهر الجاري، في خطوة تاريخية يُنظر إليها على أنها بداية إعادة تأسيس السلطة التشريعية وإقرار الإرادة الشعبية في صياغة المستقبل السياسي للبلاد، بما يسهم في إصلاح القوانين وإرساء مؤسسات حرة وشفافة.
الرقابة الدولية والانفتاح على المشاركة
وأعلنت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب أنها فتحت الباب أمام الرقابة الدولية ومشاركة المنظمات المحلية والأجنبية، مؤكدة أن هذا الإجراء يعزز مبادئ الشفافية والنزاهة ويعكس التزام الدولة السورية بإجراء انتخابات حرة وموضوعية.،واعتبرت أن إشراك الرقابة يضمن تمثيل جميع المناطق السورية ويؤسس لمجلس شعب قادر على قيادة المرحلة الانتقالية نحو دستور دائم ومستقبل ديمقراطي مستقر.
تصريحات عضو اللجنة العليا
في لقاء مع موقع الجزيرة نت، أوضح محمد ولي، عضو اللجنة العليا للانتخابات، أن السوريين يعيشون اليوم فترة مهمة وحاسمة، حيث تعمل اللجان الفرعية على تشكيل هيئات ناخبة تمثل المجتمع السوري بكافة مكوناته وشرائحه.
وأشار إلى أن المرسوم الرئاسي الذي نظم العملية الانتخابية نص على أن تتكون الهيئات الناخبة بنسبة 70% من الكفاءات وأصحاب التخصصات، و30% من الأعيان والوجهاء الذين يعكسون تمثيلاً اجتماعياً واسعاً.
تفاصيل المرسوم الرئاسي 66 لعام 2025
وأصدر الرئيس أحمد الشرع في 13 يونيو/حزيران الماضي المرسوم رقم 66 لعام 2025 القاضي بتشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، استناداً إلى المادة (24) من الإعلان الدستوري، والتي تنص على أن يتولى المجلس السلطة التشريعية حتى اعتماد دستور دائم، وإجراء انتخابات جديدة. وقد حدد المرسوم مدة ولاية المجلس بـ30 شهراً قابلة للتجديد.
صلاحيات المجلس التشريعي الجديد
وفق المادة (30) من الإعلان الدستوري، يتولى المجلس المنتخب مجموعة من المهام أبرزها اقتراح القوانين وإقرارها، وتعديل أو إلغاء التشريعات السابقة، والمصادقة على المعاهدات الدولية، وإقرار الموازنة العامة للدولة، إضافة إلى إصدار قرارات العفو العام.
«ثورة تشريعية» مرتقبة
قال محمد ولي إن سوريا تمر حالياً بمرحلة انتقالية تحاول فيها الدولة استعادة التوازن بين السلطات الثلاث، مشيراً إلى أن السلطتين التنفيذية والقضائية قائمتان، بينما ظلت السلطة التشريعية غائبة لسنوات طويلة نتيجة غياب مجلس الشعب.
وأضاف أن المجلس المقبل يُعوّل عليه في قيادة «ثورة تشريعية» تنهي القوانين التي فرضها نظام الأسد البائد لخدمة مصالحه الخاصة، وتفتح الباب أمام تشريعات جديدة تلبي تطلعات السوريين وتعيد لهم حقوقهم.
مراحل تشكيل المجلس
يتألف المجلس من 210 أعضاء، يُنتخب منهم 140 عبر لجان فرعية وهيئات ناخبة في المرحلة الأولى. وتتطلب عملية الاختيار استيفاء 17 شرطاً أساسياً من أبرزها الاطلاع على كفاءات وأعيان البلدات، وعدم وجود عداوات ظاهرة مع المجتمع المحلي، وإجراء ما يُعرف بـ«الفرز المجتمعي» بالتشاور مع الفعاليات الرسمية والرموز الوطنية.
وفي المرحلة الثانية، يُفتح المجال أمام أعضاء الهيئات الناخبة للترشح، وتُجرى انتخابات داخل كل دائرة بالاقتراع الحر والمباشر والسري، ليفوز بالمقاعد من يحصل على أعلى الأصوات.
إشراف ورقابة متعددة المستويات
تتولى اللجنة العليا الإشراف المباشر على العملية الانتخابية من خلال لجانها الفرعية في مختلف المناطق، كما تشارك نقابة المحامين السوريين بدور رقابي واسع، وتُفسح المساحة أمام الوفود الدولية والدبلوماسية والإعلامية لمتابعة العملية بشكل حر ومباشر.
التحديات القائمة والظروف الخاصة
أوضح ولي أن النظام الانتخابي المعتمد حالياً يُعد نموذجاً فريداً يناسب المرحلة الانتقالية، لأنه يعتمد انتخاباً غير مباشراً عبر الهيئات الناخبة، وذلك استجابة للظروف المعقدة، من وجود أكثر من 8 ملايين لاجئ ونازح، ومشكلات متعلقة بالوثائق الرسمية والسجلات المدنية، إضافة إلى غياب قاعدة بيانات انتخابية شاملة.
وبيّن أن بعض المناطق مثل السويداء والحسكة والرقة أُرجئ فيها إجراء الانتخابات، بسبب الظروف الخاصة، على أن تُستكمل العملية فيها عند توافر الشروط اللازمة، خصوصاً مع عودة أجزاء من الحسكة والرقة إلى سيطرة الدولة وبدء تشكيل لجان فرعية فيها.
استقلالية المجلس وضمان إرادة الشعب
أكد عضو اللجنة العليا أن المجلس المقبل سيكون تجسيداً لسيادة الشعب السوري، حيث لا توجد أي سلطة أخرى يمكن أن تتدخل في صلاحياته، حتى بالنسبة للثلث الذي يعينه رئيس الجمهورية، إذ يصبح جميع الأعضاء تحت سلطة المجلس وحده بعد التشكيل. وأوضح أن الإعلان الدستوري المؤقت يحظر عزل أي عضو إلا بموافقة ثلثي الأعضاء، بما يضمن استقلالية المجلس ويمكّنه من أداء دوره بعيداً عن الضغوط.
دور تأسيسي وصياغة دستور دائم
من مهام المجلس المنتظر تشكيل لجنة لإعداد دستور دائم يُعرض على استفتاء عام فور توفر الظروف الأمنية المناسبة. وبعد إقرار الدستور الجديد، ستُجرى انتخابات برلمانية ومحلية ورئاسية حرة ومباشرة بمشاركة السوريين داخل البلاد وخارجها، الأمر الذي يفتح الطريق أمام مرحلة سياسية جديدة مستقرة.
المرحلة الانتقالية ومدتها
حدد الإعلان الدستوري مدة ولاية المجلس بـ30 شهراً قابلة للتجديد، على أن تأتي هذه الفترة ضمن مرحلة انتقالية تمتد إلى أربع سنوات، مع إمكانية تمديدها سنة إضافية. وأكد ولي أن الآمال معلقة على أن يضع المجلس القادم الأساس لمرحلة دائمة ومستقرة، قوامها دستور جديد ومؤسسات منتخبة ديمقراطياً.