فضل عبد الغني: إصلاح القضاء السوري يبدأ من دعم إقليمي ومساءلة حقيقية
فضل عبد الغني: إصلاح القضاء السوري يبدأ من دعم إقليمي ومساءلة حقيقية
● أخبار سورية ٢ أغسطس ٢٠٢٥

فضل عبد الغني: إصلاح القضاء السوري يبدأ من دعم إقليمي ومساءلة حقيقية

 رأى فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن إعلان تأسيس الشبكة العربية لاستقلال القضاء في 10 تموز/يوليو 2025 يمثّل تحولًا نوعيًا في مسار المبادرات الإقليمية، ويشكّل رافعة محتملة لدعم التحول السياسي في سوريا نحو نظام ديمقراطي يحترم مبدأ استقلال القضاء، بعد عقود من استغلال هذا القطاع من قبل نظام الأسد لترسيخ سلطته.

أزمة القضاء السوري وأهمية الإطار الإقليمي
أشار عبد الغني في مقال تحليلي نشره على موقع تلفزيون سوريا، إلى أن المؤسسات القضائية في سوريا تمر بأزمة عميقة تطال شرعيتها وفعاليتها، نتيجة للهيمنة المطلقة التي فرضها النظام السابق على مفاصل القضاء، وانطلاقًا من هذا التدهور البنيوي، تبرز أهمية تأسيس إطار قضائي إقليمي يشكل سندًا داعمًا لعملية إعادة بناء العدالة، ويمنح المبادرات الإصلاحية المحلية بعدًا مؤسسيًا قادرًا على مراكمة الأثر الإيجابي.

ومن هنا، تكتسب مشاركة الشبكة السورية لحقوق الإنسان في هذه المبادرة بعدًا خاصًا، نظرًا لامتلاكها قاعدة توثيقية واسعة تضم ملايين الحوادث وما يزيد عن 1800 تقرير منذ عام 2011، ما يجعلها مرجعًا موثوقًا يساعد في بلورة استجابات واقعية مبنية على الميدان، بما يكرّس تحول سوريا من مستهلك للمعرفة القضائية إلى مساهم في إنتاجها.

تحديات الاستقلال القضائي في ظل الإعلان الدستوري
شدّد عبد الغني على أن إخفاق الإعلان الدستوري الذي أُقر في المرحلة الانتقالية بعد سقوط نظام الأسد في ضمان استقلال القضاء يثير قلقًا بالغًا، إذ أبقى على سلطات واسعة للرئيس في تعيين القضاة وتشكيل المحكمة الدستورية العليا دون ضوابط، متجاهلًا تشكيل مجلس قضائي مستقل أو توفير ضمانات لحماية القضاة من الانتقام السياسي.

واعتبر أن هذا القصور في البنية الدستورية يعمّق أزمة الثقة العامة بالمؤسسة القضائية، ويؤدي إلى تهميش القضاء وتحويله إلى أداة للسلطة التنفيذية، مما يفاقم ظاهرة أخذ الحق باليد، ويُفشل أي إمكانية لبناء دولة القانون.

رأس المال البشري: فجوة في التأهيل والتكوين
تناول المقال أزمة الكوادر القضائية في سوريا بوصفها عائقًا جوهريًا أمام بناء نظام عدالة فاعل، مشيرًا إلى أن غالبية القضاة المؤهلين إما غادروا البلاد أو تعرضوا للتطهير خلال حكم الأسد، فيما تعاني المؤسسات التعليمية من تراجع حاد في المناهج والمصادر التدريبية.

ودعا عبد الغني إلى تبني استراتيجيات مستدامة لبناء القدرات من خلال الشراكات الإقليمية، وبرامج التبادل، والإرشاد المهني مع قضاة عرب ذوي خبرة. وأكد على ضرورة تطوير قنوات مؤسسية تتيح إعادة إدماج القضاة المنشقين، مع الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد النفسية والاجتماعية لهذه العودة الحساسة.

نقل المعرفة: الحاجة لتجارب محلية قابلة للتكيّف
ركّز المقال على أهمية أن يكون نقل المعرفة القضائية متكاملًا وشاملًا، يشمل ليس فقط الإجراءات الشكلية بل أيضًا مبادئ التصميم المؤسسي والثقافة القضائية، محذرًا من استنساخ نماذج جاهزة لا تلائم خصوصية السياق السوري، لا سيما في ظل الديناميكيات الطائفية والانقسامات المجتمعية.

وأوضح أن الشبكة العربية لاستقلال القضاء، بما تمثله من منصة جامعة للتجارب العربية، تستطيع تسهيل هذا التكييف الواعي، من خلال دراسة حالات كالعدالة الانتقالية في تونس والمغرب ولبنان، دون السقوط في فخ الحلول المعلبة.

دور الشبكة السورية لحقوق الإنسان
أشاد عبد الغني بدور الشبكة السورية بوصفها عضوًا مؤسسًا في الشبكة العربية، موضحًا أنها تملك القدرة على الربط بين التوثيق الميداني وصناعة السياسات القضائية، كما تمتلك مخزونًا معرفيًا يضع الضحايا في مركز الإصلاحات المطلوبة، وهو ما يفتقده العديد من المسارات الرسمية التي تتجاهل البعد المجتمعي.

بين الدعم الفني والتحول السياسي
في خاتمة تحليله، أكد عبد الغني أن الشبكة العربية لاستقلال القضاء يمكن أن تكون عاملًا مساندًا قويًا، لكن نجاحها يتوقف على مدى استعداد السلطات السورية الجديدة للتخلي عن الممارسات المركزية، والقبول بالمراقبة الإقليمية، والانخراط الجاد في التوصيات الإصلاحية.

واعتبر أن بناء قدرة مؤسسات العدالة في سوريا على الصمود لا يقتصر على تحسين المهارات الفنية، بل يستلزم إرساء آليات مساءلة عابرة للحدود، وشبكات دعم مهني تكرّس مناعة ضد عودة الاستبداد، وتحوّل سوريا تدريجيًا من متلقٍ للمساعدة إلى شريك إقليمي فاعل في إصلاح أنظمة العدالة.

خاتمة: العدالة كمدخل لبناء الثقة
خلص عبد الغني إلى أن بناء قضاء مستقل في سوريا لن يُقاس فقط بعدد المؤسسات أو القوانين المُستحدثة، بل بمدى شعور المواطن بأن القاضي قادر على حمايته من الدولة نفسها، وبأن العدالة باتت الوسيلة لحل النزاعات، لا العنف أو الإقصاء.

وأكد أن استقلال القضاء هو شرط لازم لأي ديمقراطية مستدامة، وأن الشبكة العربية لاستقلال القضاء تشكل هيكلًا داعمًا لهذا المسار، لكن الطريق ما يزال يتطلب تغييرات ثقافية، وانخراطًا مجتمعيًا حقيقيًا يؤمن بالعدالة لا كأداة قانونية فحسب، بل كقيمة وطنية جامعة.

 

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ