
ضحايا الحب الرقمي: الزواج والخطوبة عبر الإنترنت بين الحلم والحيلة
في السنوات الأخيرة، تحوّل الزواج عبر الإنترنت إلى فخّ مؤلم وقع فيه كثير من الشبان والشابات، ليكتشفوا أن حلم الاستقرار العاطفي تحول إلى كابوس من النصب والابتزاز. قصص لا تُعد ولا تُحصى لضحايا سُلبت أموالهم، وعُرّضت كرامتهم للإهانة، وكل ذلك تحت غطاء الزواج أو الخطوبة "الافتراضية". هذه الظاهرة، التي بدأت كوسيلة لسدّ فجوة اللقاء المباشر في ظل اللجوء والتشتت الجغرافي، سرعان ما تحولت إلى سوق مفتوح للاستغلال، بغياب الرقابة القانونية والاجتماعية.
أصبح الزواج عبر الإنترنت خياراً متزايداً بين السوريين، خاصة في ظل ظروف اللجوء والتشظي الأسري. ومع غياب الروابط الاجتماعية التقليدية، يجد كثيرون أنفسهم مدفوعين إلى تطبيقات التواصل و"الخطّابات" الافتراضيات، آملين في بناء حياة زوجية مستقرة. إلا أن هذه المساعي تصطدم في كثير من الأحيان بواقع مؤلم: وعود كاذبة، علاقات وهمية، واحتيال منظم، أبطاله نساء ورجال يستخدمون الزواج وسيلة للنصب العاطفي والمالي.
من بين أبرز أسباب انتشار هذه الظاهرة يأتي البُعد الجغرافي كعامل أساسي، حيث يعيش ملايين السوريين في الشتات، ما يجعل فرص اللقاء المباشر والتعارف داخل المجتمع ضئيلة. الضغوط النفسية والاقتصادية كذلك تلعب دوراً محورياً، إذ يسعى كثير من الشباب للهروب من واقعهم القاسي عبر زواج سريع، حتى وإن كان افتراضياً. في ظل غياب أدوات التحقق القانونية والاجتماعية، تصبح وسائل التواصل الاجتماعي ساحة خصبة للاحتيال والاستغلال.
وورد في مادة نشرها موقع درج بعنوان:“زواج على الصورة”: فتيات سوريات ضحايا خطّابات في تركيا" قصة "سمر" الشابة من حلب والمقيمة في إسطنبول، تجسد هذا الواقع. تعرضت للاحتيال من قبل "خطّابة" سورية مقيمة في تركيا، زوّجتها لرجل سعودي يكبرها بـ35 عاماً عبر عقد قران بحضور شيخ وشاهدان. استلمت 2000 دولار كمهر، لكنه اختفى بعد يوم من الزواج. حين لجأت للمسؤولة عن الموضوع، جاء الرد الصادم: "لا تقلقي، بدبرلك عريس غيره".
وأيضاً سُردت قصة محمد، شاب من دير الزور، فقد دفع 8000 دولار كمهر ومصاريف زواج افتراضي من فتاة تعرف عليها عبر الإنترنت. بعد عقد قران عرفي غير موثق، هربت العروس بعد ساعة فقط، منتحلة ذريعة الذهاب إلى الحمام أثناء العشاء.وأغلقت رقم هاتفها، وكذلك الخطّابة الوسيطة.
بعض الناس صارت تعمل في ترتيب الزواج بين الأطراف وتنشئ حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتم إنشاء حساب يحمل لقب الخطابة ورقم الهاتف، ثم يتم التواصل عبر الرسائل أو الاتصال. يُسأل في البداية عن المطلوب (بنت، مطلقة، أرملة)، وتُعرض أسعار المهور حسب الحالة، ثم تُرسل صور الفتيات عبر واتساب وتُمسح فوراً، وأخيراً يتم إبداء القبول والتفاوض لتحديد موعد عقد القران.
شاب خسر 20 ألف دولار
وفي قصة أخرى بثها تلفزيون سوريا، دفع محمد السباعي، المقيم في السعودية، نحو 20 ألف دولار مجموع الأموال والمصوغات التي قدمها للفتاة التي كانت خطيبته. بعد ترتيب السفر، فوجئ برفض والد الفتاة إرسالها. لاحقاً، اكتشف عبر محامٍ أنه "زوج" بموجب عقد مزوّر، ومطلوب في قضية خلع دون علمه. نجا من تلك القضايا لكنه خسر المال الذي دفعه.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تُروى مآسٍ مشابهة بصيغ مختلفة. كتب شاب مجهول: "اتزوجت عن طريق النت، كتب كتاب شيخ على الكاميرا فيديو، ودفعت دهب وملبوس بدن حوالي 30 مليون (ليرة سورية)، ويلي اتزوجتها ما عاد عرفت عنها شي. ما معي غير المحادثات وصورة الهوية، شو فيني أعمل؟".
توصيات وتحذيرات
في مواجهة هذا الواقع، يوصي مختصون بعدة إجراءات وقائية، أبرزها توثيق الزواج رسمياً في محاكم أو مؤسسات قانونية معترف بها، وتشديد الرقابة على من يمارسون دور "الخطّابات" دون ترخيص. كما يدعون إلى إطلاق حملات توعية لحماية الشباب من الوقوع ضحايا لهذه الشبكات، وتوفير دعم قانوني مجاني لهم، إضافة إلى إنشاء منصات زواج موثوقة بإشراف منظمات المجتمع المدني.
تبقى الحقيقة الأهم أن الزواج، سواء تم في الواقع أو عبر الإنترنت، لا يصح أن يُبنى على وهم، بل على احترام متبادل، شفافية، ومرجعية قانونية تحمي الطرفين من الاستغلال.