صحيفة أمريكية تكشف تفاصيل يوم الهروب الجماعي لمسؤولي نظام الأسد بمساعدة روسية
صحيفة أمريكية تكشف تفاصيل يوم الهروب الجماعي لمسؤولي نظام الأسد بمساعدة روسية
● أخبار سورية ١٨ أكتوبر ٢٠٢٥

صحيفة أمريكية تكشف تفاصيل يوم الهروب الجماعي لمسؤولي نظام الأسد بمساعدة روسية

كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، في تحقيق موسّع نُشر في 16 تشرين الأول/أكتوبر 2025، تفاصيل غير مسبوقة عن عملية فرار جماعي نفذها عشرات من كبار مسؤولي نظام بشار الأسد، عقب سقوطه المفاجئ في كانون الأول/ديسمبر 2024، بمساعدة مباشرة من القوات الروسية.

وأوضحت الصحيفة أن الهروب المنظّم بدأ في الساعات الأولى من يوم 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، بعد أن غادر الرئيس السابق بشار الأسد العاصمة دمشق سراً باتجاه قاعدة حميميم الروسية، تاركاً خلفه كبار ضباطه ومستشاريه في حالة صدمة وارتباك.

تفاصيل الليلة التي انهار فيها النظام

بحسب الشهادات التي جمعتها الصحيفة من مسؤولين سابقين وشهود عيان، فإن الأسد كان داخل قصره الرئاسي حتى مساء 7 كانون الأول/ديسمبر، حيث كان يُعتقد أنه يجتمع مع مستشارين روس وإيرانيين لوضع خطة لمواجهة التقدّم السريع لفصائل المعارضة نحو العاصمة. لكن بعد منتصف الليل، اختفى الأسد دون إنذار، لتبدأ موجة هروب متسارعة بين الدائرة الضيقة المحيطة به.

تقول الصحيفة إن قوات روسية خاصة نقلت الأسد برفقة ابنه ومستشاريه الماليين في موكب من ثلاث سيارات رباعية الدفع إلى قاعدة حميميم الساحلية، ومنها بطائرة روسية إلى موسكو، حيث يقيم حالياً تحت حماية أمنية مشددة.

رحلات الهروب من مطار دمشق

بعد ساعات قليلة من تأكد الخبر، بدأ كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين في التوجّه إلى القطاع العسكري في مطار دمشق الدولي. هناك، أقلّت طائرة من طراز «ياك-40» مجموعة من أبرز أركان النظام، من بينهم:
 • قحطان خليل، مدير استخبارات سلاح الجو، المتهم بالإشراف على مجازر واسعة ضد المدنيين.
 • علي عباس وعلي أيوب، وزيرا الدفاع السابقان الخاضعان لعقوبات أوروبية بسبب جرائم حرب.
 • عبد الكريم إبراهيم، رئيس أركان الجيش، المتهم بتسهيل عمليات تعذيب واعتداءات جنسية في السجون.

وتشير صور الأقمار الصناعية إلى اختفاء الطائرة من مدرج المطار في تلك الليلة، وظهورها لاحقاً في قاعدة حميميم، ما يؤكد رواية الشهود.

فوضى في العاصمة وعمليات نهب في المقرات الأمنية

بينما كانت الطائرة تقلع من دمشق، سادت الفوضى في مقرات الأجهزة الأمنية. في مبنى إدارة المخابرات العامة جنوب العاصمة، تبيّن للضباط أن مديرهم حسام لوقا، أحد أبرز المتهمين بعمليات التعذيب، قد غادر مكتبه بعد أن أمر بفتح خزنة الأموال وسرقة محتوياتها التي قُدّرت بأكثر من 1.3 مليون دولار.

وفي الإدارة العسكرية، فرّ كمال الحسن، رئيس شعبة المخابرات العسكرية، بعد اشتباك مع قوات المعارضة في منطقة «قرى الأسد» (التي أُعيدت تسميتها إلى قرى الشام). نُقل مصاباً إلى السفارة الروسية التي تولّت تأمين خروجه لاحقاً إلى روسيا.

أما علي مملوك، مدير مكتب الأمن القومي السابق وأحد أقدم رجالات النظام، فقد نجا من محاولة اغتيال أثناء توجهه إلى المطار، قبل أن يلجأ بدوره إلى السفارة الروسية التي نقلته لاحقاً إلى قاعدة حميميم ومنها إلى موسكو.

ماهر الأسد وأركان “الفرقة الرابعة” في موسكو

تشير التحقيقات إلى أن ماهر الأسد، شقيق الرئيس السابق وقائد الفرقة الرابعة، نجح في الفرار بطائرة خاصة بالتنسيق مع ضباط روس. ويقيم حالياً في موسكو مع عدد من كبار ضباطه، أبرزهم جمال يونس، حيث يعيشون حياة مترفة في أحياء راقية، وفق مصادر سورية وروسية متقاطعة.

إلى جانبهم، يتواجد في روسيا ضباط آخرون مثل سهيل الحسن وغياث دلا، الذين يتهمهم معارضون سوريون بمحاولة تنظيم عمليات تخريب داخل الأراضي السورية عبر شبكات محلية في الساحل اللبناني والسوري.

هويات مزوّرة وجوازات بأسماء جديدة

وأكد التحقيق أن كثيراً من المسؤولين الفارين استخدموا جوازات سفر سورية بأسماء مزورة، مستفيدين من نفوذهم السابق داخل وزارة الداخلية، بينما حصل آخرون على جنسيات من دول في البحر الكاريبي عبر شراء عقارات أو استثمارات مالية.

وقال مازن درويش، رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، إن بعضهم “اشترى هويات جديدة وجوازات رسمية مقابل مبالغ ضخمة”، مضيفاً أن امتلاكهم لثروات طائلة مكنهم من “الاختفاء الكامل عن الملاحقة القانونية”.

عمليات بحث دولية ومعوقات العدالة

منذ سقوط النظام، تعمل السلطات السورية الجديدة بالتعاون مع وحدات تحقيق أوروبية وأميركية على تتبّع أكثر من 55 شخصية أمنية وعسكرية من النظام السابق. وتشارك في الجهود منظمات حقوقية سورية ودولية، إلى جانب فرق تابعة للأمم المتحدة لجمع الأدلة والشهادات حول جرائم الحرب.

لكن التحديات لا تزال كبيرة، إذ ما زالت روسيا ترفض تسليم أي من المطلوبين، بينما يعيش عدد منهم في لبنان وإيران تحت حماية غير معلنة. وتشير بعض التقارير إلى أن ضباطاً سابقين أبرموا “تفاهمات” مع الحكومة السورية الحالية للبقاء داخل البلاد مقابل التعاون الأمني.

مصير بشار الأسد

أكدت الصحيفة أن بشار الأسد يقيم حالياً في روسيا، وقد قطع اتصالاته مع معظم أفراد دائرته السابقة. ويُعتقد أنه يخضع لرقابة مشددة من المخابرات الروسية، فيما تتابع موسكو ملفه السياسي والأمني بعيداً عن العلن.

يرى مراقبون أن استمرار روسيا في إيواء مسؤولي النظام السابق يضعها في مواجهة مباشرة مع الجهود الدولية الرامية لمحاسبتهم، كما يعقّد العلاقات بين موسكو والحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، التي تطالب بتسليم المطلوبين لمحاكمتهم داخل البلاد.

ويرى خبراء حقوقيون أن غياب الإرادة الدولية الجادة لإنشاء محكمة خاصة بسوريا يشجع المتورطين في الجرائم على الإفلات من العقاب. ويقول أحد الناشطين الحقوقيين إن “رجال الأسد يعيشون اليوم في موسكو وبيروت ودول أخرى، بينما يعيش الضحايا في الخيام”.

بعد عشرة أشهر على انهيار النظام السابق، ما تزال سوريا تواجه معركة طويلة من أجل العدالة، إذ تتقاطع فيها السياسة بالمسؤولية الجنائية، وتتعقد فيها ملفات الملاحقة بين العواصم. وبينما تباشر الدولة السورية الجديدة إعادة بناء مؤسساتها، يظلّ ملف محاسبة مجرمي الحرب واحداً من أكثر التحديات حساسية في مرحلة ما بعد الأسد.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ