شبكة حقوقية ترحب بقرار القضاء الفرنسي إصدار مذكرة توقيف ضد بشار الأسد
رحبت "الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان"، بقرار القضاء الفرنسي، إصدار مذكرة توقيف ضد بشار الأسد بسبب مقتل المواطن الفرنسي - السوري "صلاح أبو نبوت"، مؤكدة أنها تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في سوريا.
وأعلنت الشَّبكة السورية، انها تدعم عائلة أبو نبوت في مسارها القضائي الذي يعد جزءاً من مسار العدالة الانتقالية في سوريا، عقب إصدار قضاة التحقيق في دائرة مكافحة الجرائم ضد الإنسانية في المحكمة الجنائية في باريس مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس المخلوع بشار الأسد في 21 كانون الثاني/يناير 2025.
وجاء هذا القرار بناءً على طلب النيابة العامة الوطنية لمكافحة الإرهاب، التي اتهمت الأسد بالتواطؤ في جريمة حرب، وذلك على خلفية مقتل المواطن الفرنسي-السوري صلاح أبو نبوت (63 عاماً) في 7 حزيران/يونيو 2017، إثر قصف منزله الذي كان يُستخدم كمدرسة تديرها منظمة إنسانية في حي طريق السد في مدينة درعا، وتم الهجوم عبر استخدام البراميل المتفجرة التي أسقطتها مروحيات تابعة لقوات الأسد.
تأتي هذه المذكرة بعد تحقيق قضائي بدأ إثر شكوى تقدم بها السيد عمر أبو نبوت، نجل الضحية صلاح أبو نبوت، والذي يقول: “إنَّ هذه القضية تتويج لطريق طويل نحو العدالة التي آمنت وعائلتي بها منذ البداية. نحن سعيدون بشكل خاص بأنَّ المدعي العام وقاضي التحقيق استجابا لمطالبنا ومطالب السوريين الضحايا، ونأمل أن تكون هناك محاكمة وأن يتم القبض على المسؤولين في نهاية المطاف ومحاكمتهم أينما كانوا. قضيتنا هي جزء من مسار العدالة الانتقالية في سوريا وجزء في منع مجرمي الحرب من الإفلات من العقاب. محاسبة بشار الأسد أمام القضاء ستبعث آمالاً كبيرة لدى جميع الضحايا السوريين”.
خلفية القضية:
بدأت القضية في عام 2017 عندما تقدم عمر أبو نبوت، نجل الضحية، بشكوى إلى القضاء الفرنسي نيابةً عن والده. عمل عمر على إعداد ملف القضية ومتابعته حتى فتح قضاة التحقيق في فرنسا تحقيقاً موسعاً بشأنها.
وفي 18 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أصدر قضاة التحقيق في وحدة جرائم الحرب بالمحكمة الجنائية الفرنسية أربع مذكرات توقيف دولية بحقِّ ضباط رفيعي المستوى في قوات الأسد. تركزت الاتهامات حول التواطؤ وارتكاب جرائم حرب، تضمنت تعمد استهداف السكان المدنيين ومواقع مدنية لا تشكل أهدافاً عسكرية باستخدام البراميل المتفجرة.
الضباط المشمولون بمذكرات التوقيف الدولية هم:
• العماد الركن فهد جاسم الفريج: وزير الدفاع ونائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة، بالإضافة إلى كونه نائب رئيس مجلس الوزراء وقت تنفيذ الهجوم.
• العماد الركن علي عبد الله أيوب: رئيس هيئة الأركان العامة وقت الهجوم والمسؤول عن غرفة العمليات العسكرية التي تصدر وتنسق الأوامر. في مطلع عام 2018، تم تعيينه وزيراً للدفاع، حيث استمر في منصبه حتى نيسان/أبريل 2022.
• اللواء الركن أحمد بلول: قائد القوى الجوية والدفاع الجوي في الجيش السوري وقت الهجوم.
• العميد الركن علي كامل صفتلي: قائد اللواء 64 للمروحيات في قاعدة بلي الجوية أثناء تنفيذ العملية.
مسؤولية بشار الأسد عن الجريمة:
بصفته الرئيس والقائد العام للقوات المسلحة السورية وقت ارتكاب الجريمة في 7 حزيران/يونيو 2017، يتحمل بشار الأسد المسؤولية المباشرة عن سلسلة الجرائم التي ارتكبتها قواته. وفقاً للقانون الدولي الإنساني، يُعتبر القائد مسؤولاً عن الجرائم التي تُرتكب تحت قيادته إذا كان على علم بها ولم يتخذ أي خطوات لمنعها أو لمحاسبة مرتكبيها.
الهجوم الذي أودى بحياة صلاح أبو نبوت عبر استخدام البراميل المتفجرة كان جزءاً من سياسة منهجية اتبعها نظام الأسد لاستهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية. هذا الاستهداف المتعمد يندرج تحت تصنيف الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، فقد الأخير الحصانة الرئاسية أو الشخصية التي كانت تمنحه حماية من الملاحقة القضائية. ووفقاً للتحقيقات التي أجرتها دائرة مكافحة الجرائم ضد الإنسانية في المحكمة الجنائية بباريس، ثبت تورط الأسد المباشر في الجريمة، مما مهّد الطريق لإصدار مذكرة توقيف دولية بحقه.
وأوضحت الشبكة أن مبدأ الولاية القضائية العالمية يتيح للمحاكم الوطنية محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم خطيرة مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بغض النظر عن مكان ارتكابها أو جنسية المتهم.
وكذلك سقوط حصانة الأسد بعد هروبه من منصبه يفتح المجال أمام ملاحقته قضائياً في المحاكم الأجنبية، مع مراعاة القانون الدولي الذي يحترم السيادة، ولكنَّه لا يمنح الحصانة لمرتكبي الانتهاكات الجسيمة.
دور الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان في دعم التحقيق في قضية أبو نبوت:
لعبت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان دوراً محورياً في دعم التحقيق القضائي الفرنسي في قضية مقتل صلاح أبو نبوت. فمنذ وقوع الحادثة، كانت الشَّبكة على تنسيق مع عمر أبو نبوت، نجل الضحية، وساهمت في تقديم معلومات وتفاصيل حيوية دعمت القضية من خلال:
توثيق الحادثة وتقديم الأدلة والشهود:
• وثقت الشَّبكة حادثة القصف بالبراميل المتفجرة بتاريخ 7 حزيران/يونيو 2017 فور وقوعها، ونشرت تقريراً مفصلاً عنها في 9 تموز/يوليو 2017، وقدمت الشَّبكة معلومات دقيقة حول الحادثة، بالإضافة إلى شهادات شهود عيان وناجين.
كذلك سياق استخدام البراميل المتفجرة من قبل نظام الأسد، حيث عملت على مدى سنوات على توثيق حوادث استخدام البراميل المتفجرة وأصدرت عشرات التقارير الشهرية الدورية عنها ممّا شكَّل قاعدة بيانات واسعة تتضمن مئات حوادث استخدام البراميل المتفجرة والتي بلغ عددها قرابة 82 ألف برميل ألقاها نظام الأسد على سوريا.
الإدلاء بالشهادات:
بناءً على طلب قاضية التحقيق، أدلى فضل عبد الغني، المدير التنفيذي للشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، بشهادته كخبير في ملف البراميل المتفجرة. استغرقت شهادته أكثر من ساعتين في كانون الثاني/يناير 2020، حيث شرح بالتفصيل آثار هذه الأسلحة المدمرة على المدنيين.
خاتمة:
قالت الشبكة إن سقوط نظام الأسد وما تلاه من فقدانه للحصانة يفتح المجال لملاحقته قانونياً في الدول التي تطبق مبدأ الولاية القضائية العالمية، وأشارت إلى أن إصدار مذكرة توقيف دولية بحقه يعني أنَّ بشار الأسد بات مطلوباً لدى القضاء الفرنسي، ما يضع ضغوطاً على الدول الموقّعة على الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك الإنتربول، لتنفيذ المذكرة. هذا القرار من شأنه تقييد حركة الأسد الدولية وعزله سياسياً، مما يقلل من فرص إفلاته من العدالة.