رسائل الرئيس في درعا: بين "حبحبة" العمة وتحدي الفلتان الأمني.. والعين لا تخطئ إسرائيل
رسائل الرئيس في درعا: بين "حبحبة" العمة وتحدي الفلتان الأمني.. والعين لا تخطئ إسرائيل
● أخبار سورية ٧ يونيو ٢٠٢٥

رسائل الرئيس في درعا: بين "حبحبة" العمة وتحدي الفلتان الأمني.. والعين لا تخطئ إسرائيل

 

زيارة محفوفة بالمخاطر.. كيف أدار الرئيس الشرع دخول درعا؟

رغم الوضع الأمني المتوتر في محافظة درعا، الذي يشهد بين الحين والآخر عمليات اغتيال وسرقات وفوضى في بعض المناطق، اختار الرئيس السوري أحمد الشرع أن يبدأ أول أيام عيد الأضحى بزيارة إلى هذه المحافظة، في خطوة اعتبرها كثيرون مخاطرة سياسية وأمنية محسوبة.

وانتشرت منذ صباح أول أيام العيد وحدات الجيش والأمن بشكل مكثف على الطريق الدولي بين دمشق ودرعا، وفي الشوارع الرئيسية داخل المدينة، لضمان حماية الوفد الرئاسي.

استهل الشرع زيارته بلقاء رسمي في دار المحافظة وسط المدينة، وهو موقع حكومي مغلق اقتصر الحضور فيه على عدد محدود من الوجهاء والمواطنين الذين جرى انتقاؤهم بعناية، بالإضافة إلى مجموعة من الأطفال.

لكن التجمع الجماهيري الأكبر كان في محيط الجامع العمري بدرعا البلد، حيث احتشد الآلاف من المدنيين منذ الصباح الباكر بانتظار وصول الرئيس.

مع مرور الساعات وعدم ظهور الشرع، ساد الإحباط والغضب بين الحشود، وبدأ كثيرون بمغادرة المكان، بعدما انتشرت أنباء تفيد بأن الزيارة ستقتصر على دار المحافظة.

لكن عند الساعة الرابعة والنصف عصرا، فاجأ الشرع من تبقى من المواطنين بظهوره المفاجئ عند الجامع العمري، حيث دخل وسط ترحيب من العشرات الذين صمدوا على أمل اللقاء.

ويرى نشطاء أن الفريق الأمني للرئيس اختار عمدًا هذا التوقيت لتجنّب الازدحام الكبير وتقليل احتمالات الخطر، في ظل الوضع الأمني الهش. ومع ذلك، فإن مجرد اتخاذ قرار زيارة درعا شخصيًا في هذا التوقيت، يُعد مخاطرة بحد ذاتها، ورسالة قوية بأن الدولة الجديدة لا تتهرب من مواجهة الواقع.

لماذا اختار الشرع زيارة درعا الآن؟

طرح توقيت زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى درعا تساؤلات عدة حول الرسائل والدوافع الكامنة وراءها. فمنذ تسلّمه الحكم، زار الرئيس إدلب والساحل السوري وحلب، فيما غابت درعا عن جولاته، رغم رمزيتها التاريخية كمهد للثورة السورية.

سكان درعا، الذين يطلق عليهم "الحوارنة أو الحورانيين نسبة لمنطقة حوارن"، عبّروا مرارًا عن شعورهم بالتهميش، معتبرين أن تجاهل درعا لم يكن مبررًا. ويبدو أن زيارة الشرع الأخيرة جاءت في جزء منها لامتصاص هذا العتب، وإعادة الاعتبار للمكان الذي انطلقت منه شرارة التغيير.

لكن أبعاد الزيارة تتجاوز الطابع الرمزي والشعبي. فدرعا تعاني من حالة فلتان أمني، والزيارة تعكس تصميم الرئيس على بسط هيبة الدولة حتى في أكثر المناطق توترًا. كما أن درعا، بحكم موقعها الحدودي الحساس، تحولت إلى ساحة صراع غير مباشر مع إسرائيل، التي كثفت من غاراتها الجوية وتوغلاتها في القنيطرة ومحيطها منذ سقوط نظام الأسد.

زيارة الشرع، في هذا السياق، تُقرأ كرسالة مزدوجة: طمأنة داخلية للحورانة، وتحدٍ خارجي لإسرائيل التي تسعى، وفق مراقبين، إلى إدامة الفوضى في الجنوب السوري ومنع استقراره.

الجامع العمري.. منبع الثورة يستقبل رئيس الجمهورية

يحمل الجامع العمري في درعا رمزية كبرى في الذاكرة السورية، باعتباره نقطة انطلاق أولى المظاهرات السلمية ضد نظام بشار الأسد في 18 مارس/آذار 2011. وقد تحوّل حينها إلى مركز للاحتجاجات وخطابة الثورة، بقيادة الشيخ أحمد الصياصنة.

في 13 أبريل/نيسان 2013، استهدفت قوات النظام المئذنة التاريخية للجامع بقصف مباشر أدى إلى تدميرها، في خطوة فسّرها ناشطون على أنها محاولة لإسكات أحد أبرز رموز الثورة. وبعد سنوات من الإهمال، أعاد أهالي درعا بجهود محلية ترميم المئذنة، في مبادرة شعبية انتهت في فبراير 2024.

زيارة الرئيس الشرع للجامع العمري، في أول أيام عيد الأضحى، تعني الكثير رمزيًا. فهي لا تعبّر فقط عن احترام لتاريخ المدينة، بل توحي أيضًا بأن درعا، التي كانت شرارة الثورة، أصبحت جزءًا أصيلًا من المشروع الوطني الجديد.

عمة الرئيس تخطف الأضواء: “حبّحبني” تسرق المشهد

في اليوم الذي سبق زيارة الرئيس، انتشرت على مواقع التواصل صور نُسبت لأقارب أحمد الشرع، تظهر سيارات بنمر خاصة وقصورًا فارهة، ما أثار موجة تساؤلات وانتقادات، خاصة في بلد أنهكته الحرب والجوع.

لكن صباح اليوم التالي، ظهر صورة للرئيس وهو يزور عمّة والده في منزلها بدرعا، وهي سيدة مسنّة تتحدث بلهجة حورانية عفوية، استقبلته بحفاوة بالغة، وقالت في مقابلة مع أحد الإعلاميين بعد لقاءها للشرع بعفوية انه “حبّحبني”، في لحظة إنسانية لاقت تفاعلًا واسعًا على مواقع التواصل، وُصفت بأنها أكثر تأثيرًا من أي خطاب سياسي.

الصورة التي انتشرت للإعلام من لقاء الشرع وأخيه ماهر لعمة والدهم، بدا مقصودًا من حيث التوثيق، لكنه نجح بإيصال صورة مختلفة للرئيس، تُقابل الصور المترفة التي سادت اليوم السابق. واعتبره البعض ضربة إعلامية ذكية لفريق الشرع، تُعيد التوازن للصورة العامة، وتُظهر الرئيس كرجل قريب من الناس، لا كامتداد لطبقة محدثي النعمة التي جسدها نظام الأسد.

في العيد الإسلامي.. رسالة وطنية إلى المكوّن المسيحي في درعا

ضمن زيارته إلى درعا، التقى الرئيس أحمد الشرع وفدًا من رجال الدين المسيحيين من المحافظة، في لقاء اتسم بالاحترام المتبادل والدفء، رغم تزامنه مع عيد الأضحى، وهو ما اعتُبر رسالة رمزية بالغة الأهمية.

اختيار الشرع للقاء هذا الوفد في يوم إسلامي مقدّس، حمل إشارة واضحة إلى أن الدولة الجديدة لا تُقصي أحدًا، وأن وحدة السوريين لا تُبنى على الطوائف، بل على المواطنة. وقد أظهرت الصور الرسمية للقاء حضورًا لافتًا من رجال الدين المسيحيين، ما يعكس شراكة حقيقية تتجاوز الرمزية.

مشاريع تنموية من قلب درعا: خطة إعادة إعمار تبدأ من الجنوب

خلال زيارته، أعلن الرئيس أحمد الشرع عن سلسلة مشاريع تنموية تشمل إنشاء منطقة صناعية في درعا، ودعم قطاعات الزراعة والصناعة، وتوسعة المعابر الحدودية مع الأردن، بالإضافة إلى خطة شاملة لإعادة الإعمار.

هذه المشاريع تحمل دلالة سياسية واقتصادية واضحة، مفادها أن درعا لن تُهمّش بعد اليوم، وأن مرحلة “التجميد الإداري” انتهت. وبهذه الخطوة، يُراد لدرعا أن تتحوّل من مدينة منكوبة إلى مركز استثماري وتنموي، يشكّل نموذجًا لسوريا القادمة.

هكذا، بدت زيارة الشرع لدرعا أكثر من مجرد زيارة عيد، بل محطة مفصلية في التحوّل السوري نحو واقع جديد، تتداخل فيه الرمزية الثورية مع مشروعات الدولة، والرسائل السياسية مع اللمسات الإنسانية، في محاولة لبناء سردية جديدة لوطن ينهض من بين الركام.

 

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ