
"دولة فارماكون": مشروع فني ومجتمعي في جرمانا لتفكيك علاقة المخدرات بالحرب في سوريا
في حدث فني وثقافي مميز، شهد فرع مكافحة المخدرات في مدينة جرمانا بريف دمشق الشرقي، يوم الجمعة الماضي، انطلاق فعاليات مشروع "دولة فارماكون"، برعاية وزارة الثقافة السورية ودعم عدد من المنظمات والمؤسسات المحلية، بمشاركة فنانين ومثقفين وخبراء، بهدف تسليط الضوء على العلاقة المركبة بين تجارة المخدرات والحرب في سوريا.
مشروع يفتح ملفات مسكوتاً عنها
أوضح الفنان خالد بركة، صاحب فكرة المشروع وأحد منظميه، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، أن "دولة فارماكون" يسعى لتفكيك العلاقة بين الحروب وتجارة المخدرات من جوانب اجتماعية وبصرية، وكشف كيف استُخدم الإدمان أداة للقمع من قبل النظام السوري السابق. وأضاف بركة أن المشروع يتناول أيضاً قضايا حقوقية تتعلق بضرورة تحديث قانون المخدرات، ليصبح أكثر ملاءمة للواقع السوري الحالي، الذي يعاني من تفشي ظاهرة الإدمان.
وأكد بركة أن سوريا، تحت حكم النظام السابق، تحولت إلى واحدة من أكبر إمبراطوريات المخدرات عالمياً، حيث جرى استخدام "الكبتاغون" كعملة حرب لتمويل الميليشيات، وفي الوقت ذاته جرى تجريم المدمنين في الداخل وتعذيبهم، رغم أن الدولة ذاتها كانت تروج المواد المخدرة عبر الحدود.
المعارض الفنية.. توثيق الألم وفتح نوافذ الأمل
افتتح المشروع بمعرض فني ضم عشرات اللوحات والمنحوتات، أعدّها فنانو تجمع "تراكم"، وتناولت موضوعات الإدمان وتجارب السجناء في فرع مكافحة المخدرات. أوضحت الفنانة رؤى بريك الهنيدي أن عنوان المعرض "فارماكون"، المستوحى من الكلمة اليونانية التي تحمل معنيين متناقضين (الدواء والسم)، يعبر عن هدف الفعالية: تجاوز مرحلة التدمير نحو العلاج والتعافي.
وأشارت الهنيدي إلى أهمية تغيير النظرة المجتمعية تجاه المدمنين، معتبرة أنهم ضحايا بحاجة إلى العلاج والرعاية، لا إلى العقاب.
وفي السياق ذاته، عرض الفنان سليمان عبيد منحوتات مصنوعة من مادة "الأبوكسي"، جسدت حالات الألم والانهيار النفسي التي عاشها السجناء المدمنون. وقال عبيد: "العرض هنا هو تأكيد على قدرة الفن على المساهمة في التعافي الجماعي من إرث القمع".
أما الفنانة دنيا أيوب، فقدمت لوحة بعنوان "الفراشة"، عبرت فيها عن الإغراء الزائف الذي تمثله المخدرات لشباب المجتمع، داعية لتحويل مفهوم مكافحة المخدرات إلى مفهوم علاجي يعيد دمج المدمنين في المجتمع كأفراد فاعلين.
الفن في مواجهة قمع المخدرات السياسي
شدّد الفنان بسام الحجلي على أن المخدرات في عهد النظام السابق لم تكن فقط أداة للدمار الاجتماعي، بل أيضاً وسيلة لتدمير الإنسان الحر وتغييبه عن قضاياه الوطنية. واعتبر الحجلي أن المعرض يسلط الضوء على ضرورة استعادة قيم المجتمع عبر مواجهة آفة المخدرات التي تفشت خلال سنوات الحرب.
حضور رسمي ومجتمعي
شهد المعرض اهتماماً رسمياً تمثل بزيارة وفد من محافظة ريف دمشق برئاسة الدكتور محمد علي عامر، إلى جانب عدد من مشايخ الطائفة الدرزية ووجهاء مدينة جرمانا. ورأى عامر أن المشروع يمثل خطوة متقدمة لاقتراح حلول مجتمعية متكاملة لظاهرة الإدمان، التي فاقمها النظام السابق.
وأكد على أهمية دعم المبادرات المحلية التي تدمج الفن بالمجتمع وتسعى لتغيير النظرة تجاه المدمنين، واعتبارهم أفراداً بحاجة إلى العلاج وإعادة التأهيل.
مشروع ممتد وطموح
بدوره، أوضح خالد بركة أن مشروع "دولة فارماكون" يمتد على مدى 15 يوماً، ويتضمن فعاليات متعددة تهدف إلى تحويل الفن إلى أداة مجتمعية وسياسية تمنح الفنانين صوتاً مؤثراً. كما شدد على أن المشروع يمثل رداً مدنياً وأخلاقياً على إرث المخدرات الذي زرعه النظام المخلوع.
يُذكر أن "دولة فارماكون" يعد أول مشروع فني ومجتمعي بهذا الحجم ينطلق في سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، ويأتي استجابةً لحاجة ملحة لمعالجة ظاهرة الإدمان التي تفاقمت تحت حكم النظام، الذي حوّل سوريا إلى ما وصفته تقارير دولية بأنها "إمبراطورية مخدرات" تهدد السلم الاجتماعي والإقليمي.