
دمشق تُعيد رسم علاقتها مع الفصائل الفلسطينية: قيادات فلسطينية موالية لإيران غادرت سوريا
كشفت وكالة "فرانس برس" اليوم الجمعة، عن مغادرة عدد من قادة الفصائل الفلسطينية المقربة من النظام البائد والمدعومة من إيران، الأراضي السورية، في تحول دراماتيكي يعكس تغيرًا جوهريًا في تعاطي الحكومة السورية الجديدة مع الفصائل الفلسطينية المسلحة التي كانت توالي نظام الأسد البائد، في مؤشر على إنهاء حقبة طويلة من العلاقة الاستثنائية التي جمعت هذه الفصائل بدمشق.
وأكد قيادي بارز في إحدى هذه الفصائل، فضل عدم الكشف عن هويته، أن معظم القادة المدعومين من طهران غادروا سوريا باتجاه دول مثل لبنان، وذلك بعد تسليم أسلحتهم للسلطات السورية عقب الإطاحة ببشار الأسد، ومن بين أبرز الأسماء المغادرة، خالد جبريل نجل مؤسس الجبهة الشعبية – القيادة العامة، وخالد عبد المجيد، وزياد الصغير.
وأوضح القيادي أن هؤلاء لم يتلقوا طلبًا رسميًا بالمغادرة، إلا أنهم واجهوا تضييقًا ممنهجًا، تضمن مصادرة ممتلكات الفصائل، واعتقال عدد من أعضائها، ما جعل استمرار عملهم "مستحيلًا بحكم الأمر الواقع"، على حد تعبيره.
اعتقالات وتبدّل في التعامل الرسمي
وأفادت تقارير متطابقة بأن السلطات السورية اعتقلت مؤخرًا طلال ناجي، الأمين العام للجبهة الشعبية – القيادة العامة، وعددًا من مسؤولي حركة الجهاد الإسلامي، أبرزهم خالد خالد وأبو علي ياسر الزفري، دون صدور توضيحات رسمية حتى الآن.
ويربط محللون هذه الاعتقالات بتوقيت حساس، إذ جاءت بعد زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى دمشق ولقائه الرئيس أحمد الشرع في أول زيارة منذ أكثر من 16 عامًا. ويرى مراقبون أن هذه الخطوات تحمل رسائل داخلية وخارجية، خصوصًا مع الضغوط الدولية المطالِبة بتفكيك العلاقة مع الفصائل المسلحة في سوريا، كجزء من شروط رفع العقوبات الغربية.
وفقًا لمصدر فلسطيني في دمشق، فإن العلاقة بين هذه الفصائل والسلطات الجديدة باتت فاترة، وتكاد تقتصر على اتصالات بروتوكولية، حيث يشعر القادة الفلسطينيون بأنهم "ضيوف غير مرحّب بهم".
وتُظهر وثيقة، نشرتها "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا"، مضمون الرد السوري الرسمي على المطالب الأمريكية، حيث أكدت تشكيل لجنة خاصة لمراقبة أنشطة الفصائل، والتشديد على عدم السماح باستخدام الأراضي السورية كمنصة لاستهداف إسرائيل.
يأتي هذا التبدل في العلاقة بعد سلسلة من الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مقرات الفصائل في دمشق وريفها، كان أبرزها استهداف منزل الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة في حي دمر، واغتيال القياديين عبد العزيز الميناوي ورسمي أبو عيسى في المزة وقدسيا خلال العام الماضي.
تُقرأ هذه التحولات ضمن مسار أوسع تتبعه الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، الذي يسعى لإعادة ضبط التوازنات الأمنية والسياسية داخل البلاد، بما يضمن سيادة الدولة وتفكيك البنى الموازية، خاصة في ظل الانفتاح الإقليمي والدولي الذي يشترط وضع حدٍّ للأنشطة العسكرية غير النظامية.
ويرى محللون أن سوريا الجديدة تعيد تعريف علاقتها بالفصائل الفلسطينية، ضمن معادلة دولة تقيم علاقات استراتيجية، لكنها لا تسمح بتحول أراضيها إلى ساحة صراع إقليمي أو إلى موطئ قدم لقوى غير خاضعة لسيادتها.
ويؤكد المراقبون أن هذه الخطوات قد تكون بداية مرحلة جديدة في العلاقة الفلسطينية – السورية، قوامها الشراكة السياسية والتنظيمية ضمن أطر الدولة، بعيدًا عن الاصطفافات العسكرية والولاءات العابرة للحدود.