دفتر الدين في الدكاكين: سجل يعكس المعاناة الاقتصادية والضغوط النفسية للأسر السورية
دفتر الدين في الدكاكين: سجل يعكس المعاناة الاقتصادية والضغوط النفسية للأسر السورية
● أخبار سورية ٢ سبتمبر ٢٠٢٥

دفتر الدين في الدكاكين: سجل يعكس المعاناة الاقتصادية والضغوط النفسية للأسر السورية

يضطر آلاف الأهالي في مختلف مناطق سوريا إلى شراء مستلزماتهم اليومية بالدين نتيجة صعوبة تغطية احتياجاتهم الأساسية. ففي أغلب دكاكين الخضروات والمواد الغذائية، وأحياناً حتى في الصيدليات الصغيرة، يوجد سجل يُعرف بـ "دفتر المديونية" أو "دفتر الدين"، يدون فيه صاحب الدكان أسماء الأشخاص الذين يشترون دون دفع فوري.

يشمل هذا الدفتر المبالغ المستحقة وتواريخ السداد، وغالباً ما يكون البائع على معرفة شخصية بالزبائن، ما يمنحه فهماً لظروفهم المالية ويقدّر صعوبة وضعهم الاقتصادي. ويظل الدفتر بمثابة شاهد على الحياة اليومية للأهالي ومعاناتهم المعيشية.

ومن الصعب العثور على دفتر الدين في المحلات التجارية الكبرى، أو المولات، أو الصيدليات الكبيرة في المدن الرئيسية، حيث يزداد عدد الزبائن بشكل كبير، ويصبح تسجيل الديون لكل شخص أمراً غير عملي. لذلك، يظل وجوده مرتبطاً بالأماكن الصغيرة والمجتمعية، حيث يعرف البائع معظم زبائنه شخصياً.

تعاني أغلب الأسر التي تضطر للشراء بالدين من أوضاع اقتصادية متدهورة تفاقمت خلال السنوات الماضية، كما انخفضت قدرتها الشرائية نتيجة ارتفاع الأسعار مقارنة بالرواتب المحدودة. إلى جانب ذلك، تواجه آلاف العائلات مشكلة البطالة ونقص فرص العمل الثابتة، مما يضطرها إلى اللجوء للشراء بالدين لتلبية الاحتياجات الأساسية مثل الخضروات والخبز والأدوية.

أكّد عدد من الباعة الذين يقبلون البيع بالدين أن الأسباب وراء ذلك تكمن في العلاقات المجتمعية والثقة المتبادلة مع الزبائن، إلى جانب رغبتهم في الحفاظ على زبائنهم الدائمين. كما يوفر لهم دفتر الدين وسيلة لتسجيل المبالغ المستحقة بشكل منظم، مما يقلل المخاطر المالية ويضمن حقوقهم.

من جهة أخرى، يتعاطف الباعة مع الأهالي ويقدّرون معاناتهم، فيحاولون مساعدتهم لتلبية احتياجاتهم الأساسية، شرط أن يتم سداد المبالغ في فترات لاحقة. بعض الباعة يشعرون بالحرج إذا رفضوا البيع بالدين، ويضطرون إلى التحلي بالصبر حتى يتمكن السكان من إعادة المبالغ المستحقة، ما يعكس البعد الإنساني العميق في تعاملهم مع المجتمع المحلي.

تؤدي المبالغ المتراكمة التي يتوجب سدادها في أقرب وقت إلى ضغط نفسي كبير على الأهالي، مع شعورهم بالخوف من عدم القدرة على الدفع. كما يشعرون بالضعف أو القيد نتيجة الحاجة المستمرة للشراء بالدين، ويفقدون السيطرة على إدارة الموارد المالية للعائلة. 

في الحالات التي تكون فيها المبالغ المستحقة كبيرة، قد يشعر بعض أفراد الأسرة بالخجل أمام الآخرين، ويضطرون ببعض الأحيان إلى الانعزال عن المجتمع المحلي، ما يعكس الأثر النفسي والاجتماعي العميق لهذه الظاهرة.

أحياناً تقع خلافات وتتوتر العلاقة بين البائعين والأهالي عند تأخر السداد لفترة طويلة. فالبائع يحتاج إلى المال لشراء بضائع جديدة وضمان استمرار تجارته، بينما يواجه بعض الأهالي ظروفاً صعبة تمنعهم من السداد في الوقت المناسب، هذه التوازنات الدقيقة قد تؤدي إلى مشاكل وخلافات بين الطرفين.

يتدخل أحياناً أشخاص من ميسوري الحال لمساعدة الأهالي غير القادرين على سداد ديونهم، بالتجول بين الدكاكين والصيدليات لتسديد المبالغ المستحقة لهم. وقد انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات توثق هذه المبادرات، ما يعكس محاولة المجتمع التخفيف من المعاناة الاقتصادية، رغم محدودية تأثيرها.

ورغم هذه المبادرات الإنسانية، تظل بسيطة مقارنة بالظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها آلاف الأسر في سوريا، فقد تفاقمت هذه الظروف خلال السنوات الماضية نتيجة غياب سياسات فعالة لتحسين الأوضاع الاقتصادية، ما يجعل الحاجة إلى دعم أوسع وأكثر استدامة أمراً ملحّاً.

يعكس دفتر الدين في دكاكين الحي والصيدليات الصغيرة واقعاً صعباً يعيشه آلاف الأسر، حيث يضطرون للشراء بالدين لتلبية احتياجاتهم الأساسية. كما يبرز الدفتر طبيعة العلاقات القائمة على الثقة بين البائعين والأهالي، ويشير إلى ضرورة البحث عن حلول اقتصادية واجتماعية أكثر استدامة لتحسين حياة الأسر اليومية.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ