
حين تصبح المقابر محرمة على السورييين.. وما تدري نفس بأي أرض تموت
لم تتوقف معاناة اللاجئين السوريين في لبنان التي هجرتهم الحرب عند إيجاد مأوى يعيشون به وأولادهم ،، بل تخطى الامر لعدم التمكن من الحصول حتى على المقابر لدفن موتاهم.
فبعد أن تخطت لوعة اللاجئ السوري أحمد يوسف المصطفى لدى فقدانه ثلاثة من أطفاله الرضع خلال ثلاث سنوات متتالية، إلى معاناة من نوع آخر جراء عدم إيجاده مقبرة لدفنهم، شأنه شأن كثير من العائلات السورية التي تفقد أحد أفرادها في لبنان.
حيث روى أحمد لصحيفة "الشرق الأوسط" ، وهو عامل بناء نزح قبل خمس سنوات من مدينته "حلب" إلى مخيم عشوائي للاجئين السوريين في بلدة بر الياس في منطقة البقاع شرق لبنان، معاناته بعدما رزق وزوجته بثلاثة أطفال توفوا الواحد تلو الآخر لأسباب صحية.
ويقول أحمد بحسرة وهو يقف أمام خيمته التي باتت منزله لوكالة الصحافة الفرنسية : "في كل سنة كلما يولد طفل يتوفى، والمشكلة تكمن في عدم إيجاد مكان لدفنه"، موضًحا أنه بعد وفاة طفله الأول عن عمر ناهز الثلاثة أشهر، لجأ إلى أحد معارفه في بلدة مجاورة، فقدم له هذا الأخير المساعدة وسمح له بدفن الطفل في مدفن العائلة.
ومع وفاة الطفل الثاني وهو بعمر خمسة أيام، "اضطررنا إلى فتح القبر القديم لدفنهما معا».
ولم يجد أحمد خيارًا عند وفاة طفله الثالث عن عمر ساعتين إلا دفنه في بلدة الفاعور المجاورة بعد وساطة من رجل دين.
أحمد دعا الدولة والجهات الإسلامية "إلى أن تخصص للسوريين قطعة أرض غير صالحة للزراعة لدفن موتاهم فيها
ويقيم أحمد وزوجته مع ولديه البكر في خيمة متواضعة في بر الياس التي يقول مسؤولون محليون فيها إن عدد سكانها البالغ أساسًا خمسين ألفا تضاعف منذ بدء تدفق اللاجئين السوريين بعد بدء الثورة السورية في أذار 2011.
ويوضح مسؤولون محليون أن مدافن البلدة كانت ممتلئة حتى قبل بدء موجة اللجوء إلى لبنان الذي بات يستضيف أكثر من مليون لاجئ سوري، أي ربع سكانه، وهي أعلى نسبة لاجئين في العالم بالمقارنة مع عدد السكان.
رئيس البلدية السابق سعد ميتا قال : "لم يعد للمدفن القديم قدرة استيعاب لا لللبنانيين ولا للسوريين".
وتقع مقبرة البلدة على تلة صغيرة وتضيق بالمدافن المتراصة التي تحيط بها الأعشاب البرية والزهور من كل ناحية وصوب، حتى إنه بات على زائري المقبرة السير بحذر داخلها لعدم الدوس بالخطأ على أي مدفن.
وبحسب ميتا، يوجد نحو 70 ألف لاجئ سوري في البلدة وهم يشكلون ضغًطا كبيًرا على البنى التحتية كشبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء، وكذلك الأمر بالنسبة إلى دفن الموتى.
ويسجل معدل الوفاة لدى اللاجئين السوريين نسبة أعلى مما هو عليه لدى اللبنانيين باعتبارهم أكثر عرضة للخطر، "بحسب السلطات والمنظمات الدولية".
وفي غياب أي إحصاءات رسمية، يوضح ميتا أن سوريًا واحًدا على الأقل يتوفى كل أسبوع في البلدة، ويرى أن " الحل هو بأن يعود السوريون إلى بلادهم"، مضيفًا: "البلد لم يعد يتحمل ونحن اللبنانيين لم نعد أصلا قادرين على التحمل".
قد يتمكن بعض السوريين من إيجاد مكان لدفن موتاهم بتكلفة قد تصل أحيانا إلى 250 دولارا أو أكثر، وهو مبلغ لا تملكه غالبية اللاجئين السوريين.
ويتمنى أحمد لو أنه لم يضطر للمجيء إلى لبنان أصلا، حيث يقف بين الخيام التي باتت منازلاً لللاجئين السوريين في سهل البقاع، ويقول: "في سوريا لدينا أراض ومنازل ورزق، لكننا أجبرنا على الخروج فارغي الأيدي".
بيضيف بحسرة وباللهجة المحكية: "انهزمنا نطلع بروحنا.. بخلانين علينا بشقفة قبر ؟".