
تقرير حقوقي يُحذر من تصاعد وتيرة عمليات العنف والقتل خارج نطاق القانون في مدينة حمص
قالت "الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان"، إنها وثَّقت تصاعداً في وتيرة عمليات العنف والقتل خارج نطاق القانون في مدينة حمص، بلغ ذروته خلال الفترة الممتدة من 23 حتى 28 نيسان/أبريل 2025، مطالبة الحكومة الانتقالية اتخاذ إجراءات عاجلة لمحاسبة المتورطين وضمان حماية المدنيين.
وسجَّلت الشَّبكة مقتل ما لا يقل عن 20 مدنياً، بينهم سيدة واحدة، وذلك في حوادث متفرقة ومتتالية داخل المدينة، عُثر على معظمهم مقتولين بالرصاص، في ظروف تُشير بوضوح إلى تورّط مجموعات مسلحة تعمل خارج إطار القانون.
وتُبيِّن التحقيقات الأولية أنَّ عمليات القتل تركَّزت في أحياء وادي الذهب، وكرم الزيتون، والنزهة، وكرم اللوز، وهي مناطق تقطنها غالبية من الطائفة العلوية. وتنوَّعت أنماط هذه العمليات بين استهداف أفراد كانوا ينتمون سابقاً إلى نظام بشار الأسد، بعضهم سبق له أن خضع لاتفاقيات تسوية، بالإضافة إلى حوادث قتل عشوائية يُشتبه في كونها بدوافع انتقامية وطائفية، الأمر الذي يعكس ارتفاعاً مقلقاً في حدة التوترات الاجتماعية وعدم الاستقرار في هذه المناطق من المدينة.
وتُشير المعطيات المتوافرة وتسلسل الأحداث الميدانية إلى أنَّ موجة التصعيد بدأت مباشرة بعد دخول دوريات تابعة لإدارة الأمن العام في وزارة الداخلية، يوم الأربعاء 23 نيسان/أبريل، إلى قرية "ريان" في ريف حمص الشرقي، بهدف إقامة مقرات ونقاط تمركز دائمة فيها. وقد قوبل هذا التحرك بمعارضة فورية من مجموعات مسلحة محلية تنتمي إلى قبيلة الفواعرة، ما أجبر القوات الحكومية على الانسحاب من المنطقة.
وفي أعقاب هذا الانسحاب، شهدت مدينة حمص تصاعداً ملحوظاً في أعمال العنف المسلح، والتي تجلَّت في هجمات استهدفت الأحياء المذكورة سابقاً. وتُشير شهادات من السكان المحليين وشهود العيان إلى أنَّ هذه الهجمات اتخذت طابعاً انتقامياً، وسعت لخلق حالة من الارتباك الأمني وزعزعة ثقة الأهالي بقدرة الأجهزة الأمنية على تحقيق الاستقرار، خصوصاً أنَّها وقعت بعد ساعات قليلة من التوتر الذي شهدته منطقة ريف حمص الشرقي.
وتزامنت هذه التطورات مع استمرار العمليات الأمنية التي تقودها القوات الحكومية لملاحقة مطلوبين متهمين بالانتماء للنظام السابق والتورط في انتهاكات حقوق الإنسان. وفي الوقت نفسه، لوحظ ظهور مجموعات مسلحة لم نتمكن حتى اللحظة من تحديد هويتها، تتحرك خارج نطاق الدولة، وتنفّذ عمليات قتل استهدفت على وجه الخصوص أفراداً من الطائفة العلوية، ما يُرجَّح أنَّه يدخل في إطار تصفية حسابات تتعلق بفترة حكم النظام السابق.
وتُثير هذه الظاهرة مخاوف جدية من توسع دائرة العنف الانتقامي، كما تشير طبيعة هذه الحوادث وتوقيتها إلى استمرار التوتر الأمني والاجتماعي في المدينة، في ظل وجود أطراف مسلحة متعددة، وغياب لسلطة أمنية مركزية قادرة على ضبط الوضع، ما يعكس حجم التحديات التي تواجهها مدينة حمص في المرحلة الانتقالية.
كما رافقت هذه الأحداث موجة نزوح جزئي من بعض الأحياء المتضررة، وتراجع ملحوظ في النشاط الاقتصادي والتجاري، إلى جانب تفاقم شعور السكان بالخوف وانعدام الأمن، وهو ما يُهدد مباشرةً مقومات الاستقرار المجتمعي والسلم الأهلي في المدينة.
ورأت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان في هذا التصعيد مؤشراً خطيراً على تدهور الأوضاع الأمنية، واستمرار أنماط من الجريمة المنظمة والانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين، وسط غياب شبه تام لآليات فعّالة للمحاسبة والعدالة، وضعف التنسيق بين الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية.
الاستنتاجات القانونية
القتل خارج نطاق القانون انتهاك جسيم للحق في الحياة:
يمثل القتل دون سند قانوني أو خارج إطار الإجراءات القضائية العادلة انتهاكاً صريحاً للمادة (6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي تُعدّ سوريا طرفاً ملزماً به. وتُشدّد هذه المادة على ضمان الحق في الحياة بوصفه حقاً أساسياً لا يجوز المساس به أو تعليقه تحت أي ظرف، بما في ذلك حالات الطوارئ العامة.
تتحمل الدولة مسؤولية حماية الأفراد ومنع الانتهاكات:
تتعاظم مسؤولية السلطات في مرحلة ما بعد النزاع في ترسيخ سيادة القانون، ومنع أي كيانات غير رسمية من ممارسة العنف أو التعدّي على الحقوق الأساسية للأفراد. إنَّ عدم الاستجابة الفعالة أو التباطؤ في التحقيق والمساءلة عن هذه الجرائم يشكّل إخلالاً بالتزامات الدولة، ويكرّس ثقافة الإفلات من العقاب، مما يُهدّد استقرار المرحلة الانتقالية ويعمّق من الانقسامات الاجتماعية، ويُعيق بشكل جوهري جهود المصالحة المجتمعية وبناء الثقة بين المواطنين والدولة.
غياب آليات المساءلة يعمّق الآثار السلبية للانتهاكات الحقوقية:
إنَّ استمرار جرائم القتل خارج نطاق القانون دون إجراء تحقيقات شفافة ومساءلة فعّالة لا يمس حقوق الأفراد المتضررين فحسب، بل يقوّض أيضاً ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، ويعرقل جهود العدالة الانتقالية القائمة على أسس كشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عنها وجبر الضرر.
السلوكيات الانتقامية أو الاستهداف الجماعي قد تشير إلى دوافع تمييزية:
إنَّ تكرار حوادث استهداف أفراد ينتمون إلى خلفيات معينة على أسس طائفية أو سياسية، يشير إلى وجود دوافع تمييزية من شأنها أن تؤجج التوتر والعنف المجتمعي، الأمر الذي يستدعي تدخلاً فورياً من السلطات المعنية لضمان المساواة وحماية الفئات المستضعفة أو المعرضة للخطر.
حماية الحق في الحياة شرطٌ رئيس لإعادة بناء الدولة بعد النزاع:
لا يمكن ضمان تحقيق العدالة وتعزيز السلم الأهلي دون توفير حماية حقيقية وفعّالة لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها الحق في الحياة. وإنّ اتخاذ خطوات عملية لمنع هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها يُعدّ ضرورة أولية لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وتأسيس نظام قانوني وقضائي يحظى بالشرعية والمصداقية لدى المواطنين.
ضرورة معالجة الانتهاكات تعزيزاً لمسار العدالة الانتقالية:
تُبرز الأحداث الراهنة حجم التحديات الكبيرة التي تواجه مسار العدالة الانتقالية في سوريا، خصوصاً فيما يتعلّق بالمحاسبة ومنع الإفلات من العقاب. إنَّ مواجهة هذه الانتهاكات بشكل فعّال من خلال تفعيل الآليات القضائية والإدارية المتاحة، تُشكّل خطوةً محورية لتعزيز مصداقية المؤسسات الحكومية، وترسيخ استقرار المرحلة الانتقالية، وتوفير البيئة الملائمة لتحقيق المصالحة المجتمعية واستعادة الثقة بين الدولة ومواطنيها.
وطالبت الشبكة "الحكومة السورية الانتقالية" بمواصلة التحقيقات المحايدة والشفافة في حوادث القتل خارج نطاق القانون في مدينة حمص، والإعلان بشكل دوري عن نتائج هذه التحقيقات للرأي العام، لتعزيز الشفافية وبناء الثقة المجتمعية.
وشددت على ضرورة تكثيف الجهود لضبط المجموعات المسلحة غير المنضبطة، واتخاذ تدابير وقائية فعّالة للحد من تكرار مثل هذه الحوادث، ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات، وذلك ضمن إطار احترام القانون وحقوق الإنسان، وتعزيز برامج إصلاح القطاع الأمني والعسكري وفقاً لمعايير الحكم الرشيد، من خلال رفع قدرات الأجهزة الأمنية، وتفعيل أنظمة رقابة داخلية صارمة لضمان الانضباط والمساءلة.
وأكدت على ضرورة تعزيز الوجود الأمني المنضبط في الأحياء الأكثر تضرّراً، بشكل يضمن أمن المدنيين، ويخفّض مستويات التوتر الاجتماعي، مع ضمان حيادية ومهنية الأجهزة الأمنية، وتمكين النيابة العامة المدنية من الإشراف على جميع العمليات الأمنية في المناطق السكنية، لضمان قانونية هذه الإجراءات واحترام حقوق الإنسان الأساسية للمواطنين.
وطالبت بإنشاء قنوات آمنة ومحمية تُمكّن المواطنين من الإبلاغ عن الانتهاكات دون خوف، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والاقتصادي للمتضررين، كجزء من استراتيجية شاملة لجبر الضرر وتحقيق العدالة، ودعم مبادرات الحوار المحلي والمجتمعي لتعزيز التماسك الاجتماعي ورأب الصدع في المناطق التي عانت من النزاعات أو التي شهدت توترات طائفية.
في السياق، وجهت الشبكة خطابها إلى المجتمع الدولي والبعثات واللجان الأممية المعنية، مطالبة بدعم وتعزيز الجهود الوطنية في مجالات المساءلة وحماية حقوق الإنسان، من خلال تقديم المساعدة التقنية والخبرات اللازمة لتعزيز قدرات المؤسسات الوطنية في مجالات التحقيق وتوثيق الانتهاكات والاستجابة لحوادث العنف.
كذلك تقوية التعاون مع المؤسسات الانتقالية في سوريا لدعم جهود العدالة الانتقالية، وضمان تكامل العمل على كشف الحقائق وإنصاف الضحايا، بما يراعي السيادة الوطنية ويتوافق مع تطلعات المجتمع السوري نحو تحقيق العدالة والاستقرار، ومساندة المبادرات المحلية الرامية لتعزيز السلم الأهلي والاستقرار، خصوصاً في المناطق التي شهدت توترات أمنية ملحوظة، بما يسهم في الحد من دوائر الانتقام والعنف.
وشددت على أهمية الاستثمار في برامج بناء السلام المجتمعي وحماية المدنيين، وتوفير الدعم للمنظمات المدنية التي تعمل في مجال الرصد والتوثيق، وتوسيع وعي المجتمعات المحلية حول مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.
وإلى منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، طالبتها بمواصلة التوثيق الدقيق والمستقل للانتهاكات، بما يشمل جمع الشهادات والأدلة، بهدف المساهمة في بناء ملفات قضائية مستقبلية، مع التركيز على السياقات المحلية الخاصة بكل حالة.
كذلك تنظيم حملات توعية مجتمعية للتصدي لخطاب الكراهية، والتأكيد على مبادئ عدم التمييز، وتعزيز قيم العدالة والمواطنة والتعايش السلمي بين مختلف الفئات الاجتماعية، وإنشاء منصات لتقديم الدعم النفسي والقانوني والمجتمعي للضحايا وذويهم، وضمان وصولهم الفعّال إلى آليات العدالة الانتقالية، وتعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية المختصة بالعدالة الانتقالية بهدف بناء قدرات الكوادر المحلية في مجالات الرصد والتوثيق والدفاع القانوني.