
تجميد المرسوم 66 يعيد فتح ملف “ماروتا” و“باسيليا”.. بين العدالة التشريعية واسترداد الحقوق
في خطوة اعتبرها حقوقيون “منعطفاً قانونياً وإنسانياً مهماً”، أثار قرار محافظ دمشق ماهر مروان إدلبي، بتجميد العمل بالمرسوم التشريعي رقم /66/ لعام 2012 نقاشاً واسعاً في الأوساط القانونية والمجتمعية، خاصة أنه يُعد أول إجراء رسمي يعيد النظر في واحد من أكثر المراسيم جدلاً التي صدرت في عهد نظام الأسد البائد.
إجماع قانوني على عدالة القرار
المحامي والحقوقي "عارف الشعال" وصف قرار المحافظ بأنه “قرار حصيف وإيجابي”، مؤكداً أنه أعاد التوازن لحقوق المالكين بعد سنوات من الإجحاف.
وأوضح الشعال أن المرسوم 66 مكّن محافظة دمشق من الاستيلاء على ثلث منطقة ماروتا سيتي تقريباً دون مقابل، واختيار المقاسم الأكثر حيوية واستراتيجية، ثم نقل ملكيتها إلى شركة دمشق الشام القابضة تمهيداً لبيعها للقطاع الخاص، وهو ما اعتبره “إثـراءً بلا سبب” واعتداءً صريحاً على حق الملكية وفق القانون المدني.
وبيّن أن النظام السابق استخدم المرسوم كأداة لنهب الأراضي وإفقار السكان، مؤكداً أن هذا النوع من التشريعات يمثل نموذجاً صارخاً على “تغوّل السلطة على حساب المواطن”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن المحافظ – رغم عدم امتلاكه صلاحية تعليق التشريعات – لجأ إلى هذا القرار انسجاماً مع مبدأ البقاء الحقوقي الذي يجيز للسلطة التنفيذية اتخاذ تدابير مؤقتة في غياب السلطة التشريعية، حفاظاً على المصلحة العامة.
محافظة دمشق: نحو مراجعة شاملة للمرسوم
وفي أول تصريح رسمي بعد القرار، أوضح المحافظ ماهر مروان إدلبي، أن المرسوم 66، الذي صدر في حقبة النظام البائد، خلّف “أضراراً اجتماعية واقتصادية جسيمة”، مؤكداً أن المحافظة اتخذت خلال الأشهر الأخيرة إجراءات احترازية لضمان عدم استمرار انتهاك حقوق المتضررين.
وأشار إلى أن لجاناً فنية وقانونية شكلت بالتعاون مع وزارة الإدارة المحلية والبيئة، وعدد من الجهات المعنية، درست آثار المرسوم من جميع جوانبه، ورفعت تقريراً شاملاً تضمّن تمثيلاً لأهالي حي المزة والمناطق المتضررة الأخرى، مع مقترحات حول ملفات الملكيات والسكن البديل وبدلات الإيجار.
جدل مجتمعي حول مستقبل “ماروتا”
وأوضح المحافظ أن الآراء المجتمعية انقسمت بين من يطالب باستكمال مشروع ماروتا سيتي ومن يدعو إلى إيقافه بشكل دائم، مؤكداً أن الأعمال الإنشائية الجديدة في المنطقة متوقفة حالياً إلى حين صدور توصيات اللجان الفنية والاجتماعية التي تضمن العدالة لكل الأطراف.
ولفت إلى أن المرسوم لن يُعاد تطبيقه في مناطق أخرى مثل باسيليا سيتي قبل عرضه مجدداً على مجلس الشعب وصدور تشريع جديد عبر رئاسة الجمهورية يضمن الشفافية والمساواة، موضحاً أن إلغاء المرسوم أو تعديله هو من صلاحيات السلطة التشريعية لا التنفيذية.
لجان جديدة ودراسة وطنية لملف الاستملاك
وكشف المحافظ عن تشكيل لجنة فنية موسعة تضم ممثلين عن وزارات الإدارة المحلية، والإسكان، والاقتصاد، والعدل، إلى جانب نقابتي المهندسين والمحامين وممثلين عن الأهالي، بهدف تقييم الأضرار الاجتماعية والاقتصادية التي نتجت عن تطبيق المرسوم ورفع التوصيات اللازمة.
كما تطرق إلى ملف الاستملاكات العقارية، موضحاً أن معظمها تم بمراسيم رئاسية سابقة لا يمكن إلغاؤها إدارياً، إلا أن المحافظة سترفع الملف إلى مجلس الشعب لإعادة مناقشة القوانين الناظمة له، باعتبار أن قضية الاستملاك “تمس شرائح واسعة وتشكل قضية وطنية ذات بعد اجتماعي وإنساني”.
نحو عدالة عمرانية وإنصاف للمتضررين
وختم المحافظ تصريحه بالتأكيد على أن المجتمع السوري بات أكثر وعياً وشراكة في صياغة مستقبل البلاد، وأن المحافظة تعمل اليوم “بصفتها جهة راعية لصوت المواطنين لا منفذة فقط”، متعهداً بأن تكون العدالة والشفافية أساس المرحلة الجديدة في إعادة بناء الدولة السورية.
ويُعد المرسوم 66، الذي أُنشئت بموجبه منطقتا **ماروتا سيتي وباسيليا سيتي** في دمشق، من أبرز الملفات الخلافية في تاريخ التنظيم العمراني في سوريا، إذ تسبب في **تهجير آلاف الأسر من مساكنها وتعويضات غير منصفة**، لتبدأ اليوم عملية مراجعة شاملة تهدف إلى **رد الحقوق لأصحابها، وتصحيح مسار التنمية العمرانية في العاصمة** بما ينسجم مع مبادئ العدالة الانتقالية في سوريا الجديدة.