بين الحضانة والحرمان: معاناة الأمهات السوريات وأطفالهنّ
تعيش النساء المطلقات صراعاً مستمراً بين الاحتفاظ بحضانة أطفالهن أو التخلي عنها، إذ تواجه في كلتا الحالتين ظروفاً قاسية تختلف باختلاف وضع السيدة الاجتماعي والعائلي والمادي. بعضهنّ تضطر لتحمّل حياة زوجية صعبة من أجل البقاء إلى جانب أبنائهن، بينما تختار أخريات الطلاق، ويعشن ضغوطاً نفسية شديدة نتيجة فقدان أطفالهن.
ضغوط اقتصادية واجتماعية تدفع للتنازل عن الحضانة
تُضطرّ بعض النساء إلى التنازل عن حضانة أطفالهن لأسباب متعددة، أبرزها رفض العائلة السماح لهن بتربية الأطفال بعد الطلاق، أو رغبتها في تزويج المرأة من شخص آخر، أو لتجنب الدخول في نزاعات مع الطليق.
كما تلعب الظروف الاقتصادية دوراً كبيراً، إذ قد تعجز الأم عن تغطية نفقات المعيشة أو توفير احتياجات الأطفال، خصوصاً عند عدم التزام الأب بالنفقة أو غياب الدعم الأسري. كما قد تضطر بعض النساء للتنازل نتيجة فقدان المسكن أو عدم وجود مصدر دخل ثابت.
استغلال الأمهات نفسياً
في المقابل هناك نساءٌ يتعرّضن لنوعٍ من أنواع التعذيب النفسي من قِبل أزواجهن السابقين، وذلك بحرمانهنّ من رؤية أطفالهنّ أو منع الأطفال من التواصل مع أمهاتهم، في محاولةٍ للضغط عليهنّ وإجبارهنّ على العودة.
وفي هذا السياق، برزت قصة طفلة كانت تتعرّض للتعذيب على يد والدها في دمشق، حيث ورد أن الأب كان يقوم بتصوير مشاهد التعذيب وإرسالها إلى الأم بقصد إيذائها نفسياً وفرض الضغط عليها.
تداعيات الحرمان على الطفل والأم
تقول جنى مصطفى، وهو اسم مستعار لسيدة أربعينية من ريف إدلب الجنوبي: "عشت مع زوجي عشر سنوات، وطلبت الانفصال لأنه كان يعنفني. لم يسمح لي أهلي بأخذ الأطفال وتربيتهم، وبعد الطلاق لم يعد يرسلهم إليّ لأراهم، أشتاق لهم وأبكي لكن لا يوجد حل متاح".
يترك حرمان الأم من أطفالها أثراً نفسياً عميقاً بداخلها، يجعلها تشعر بالحزن الدائم، وقد يُعيقها أحياناً عن ممارسة أنشطتها اليومية أو أداء واجباتها الحياتية. ومع مرور الوقت، تميل بعض الأمهات إلى الانعزال والابتعاد عن المجتمع، نتيجة الإحباط وفقدان الدافع للحياة.
في الوقت نفسه، يعاني الأطفال من غياب أمهم فيفقدون الإحساس بالأمان والاستقرار، مما ينعكس سلباً على نموّهم العاطفي وسلوكهم الاجتماعي في المستقبل.
تحمل الأمهات الظروف القاسية للحفاظ على الأبناء
من ناحية أخرى، تُضطرّ بعض النساء إلى البقاء مع أزواجهنّ وعدم طلب الطلاق، مفضّلاتٍ الاستمرار في الحياة الزوجية من أجل البقاء إلى جانب أطفالهنّ، والاهتمام بشؤونهم وتربيتهم، رغم ما قد يتعرّضن له من عنفٍ أو إهمالٍ أو تقصيرٍ في الواجبات الأسرية.
وذلك ما حصل مع أم إبراهيم، سيدة تنحدر من ريف حماة، وتبلغ من العمر 45 عاماً، تزوج عليها زوجها مرتين، ولا ينفق على الأسرة ولا يهتم بالأبناء، ومع ذلك بقيت مع الأبناء خوفاً عليهم من قسوة والدهم ومن أن يتعرضوا لظروف قاسية.
تبقى الأمهات السوريات بين الحضانة والحرمان، يتحمّلن الألم والصبر على المعاناة من أجل أبنائهن، بينما يعيش الأطفال فراغ الغياب وفقدان الأمان، وسط صمت العالم على قصصهن المؤلمة.