بعد ثماني سنوات من انقطاعها .. المياه تصل مدينة الباب لتروي ظمأ سنوات من الحرمان
أكد نشطاء في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، بدء ضخ المياه لأول مرة إلى مدينة الباب، بعد قرابة ثمانية سنوات من انقطاعها بسبب سيطرة النظام البائد على مضخات المياه، ومعاقبة الأهالي بمنع وصولها في سياق الحرب الشاملة التي انتهجها نظام الأسد ضد المدنيين في المناطق التي خرجت عن سيطرته.
وعاشت مدينة الباب، لسنوات طويلة على وقع تفاقم أزمة المياه المستعصية على الحلول، في ظل تزايد تداعيات هذه المشكلة المتجذرة، والتي انعكست على حياة السكان المقدر عددهم بحوالي 300 ألف نسمة يعيشون في ظروف صعبة مع شح المياه ويكابد الكثيرون في المدينة للحصول على المياه الصالحة للاستهلاك البشري وتيسير أمورهم اليومية.
ويُشكل تأمين المياه من الإنجازات ونجاحا كبيرا للسكان في حال تحقق، حيث تحول الماء الضروري للعيش والاستخدامات اليومية والذي من المفترض أن يكون "أرخص موجود إلى أغلى مفقود"، ويسلط هذا التقرير الضوء على هذه الخدمة المفقودة في استجابة لنداءات الأهالي وبدورها نقلت شبكة "شام" الإخبارية عن عدد من النشطاء والسكان والمسؤولين المحليين في المدينة تصريحات ومعلومات توضح تفاصيل الأزمة.
وفي تقرير سابق لشبكة "شام" عزا الأستاذ "مصطفى عثمان"، رئيس بلدية الباب شرقي حلب، سبب نقص وشح المياه في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، إلى خروج عدة آبار جوفية عن الخدمة وقدر عددها بـ 15 بئراً خرجت عن الخدمة في بلدة سوسيان من أصل 18 بئراً، وفي مدينة الراعي خرجت ثلاثة آبار عن الخدمة من أصل 5 وفي قرية صندي يوجد فيها بئر واحد لا يزال يعمل بنصف الكمية.
وأكد عثمان، أن الآبار التي خرجت من الخدمة لم تعد صالحة لاستجرار أي كمية من المياه "تعرضت لجفاف كامل"، مشيراً إلى أن الآبار التي لا تزال تعمل في المنطقة، فهي على قلتها تعمل بنصف القدرة الإنتاجية وسط تناقص وقلة غزارة المياه المتوفرة بهذه الآبار، ما ينذر بكارثة كبيرة في المدينة وأريافها.
وكان دعا رئيس بلدية الباب، المنظمات الإنسانية والدولية للتدخل وناشد من أجل إيجاد حلول جذرية سريعة ووضع حد لهذه المعاناة، وأضاف أن مع حلول فصل الصيف تتضاعف الاحتياجات للمياه، لافتا إلى أن ظاهرة خروج الآبار عن الخدمة يؤرق المعنيين بشؤون المدينة ولم يجد تفسير لها بهذا التوقيت، مشددا على ضرورة إيجاد حل عاجل لهذه المأساة.
المشكلة منذ البداية.. 8 سنوات على قطع النظام المياه عن المدينة
قاربت مدة قطع المياه عن المدينة حوالي 8 سنوات، وبدأت الأزمة مع بداية عام 2017 بعد أن أوقف نظام الأسد ضخ المياه من محطة عين البيضا التي تبعد عن الباب 7 كيلومتر علما بأن المياه مستجرة من الفرات عبر الخط الذي يصل محافظة حلب، وكانت المحطة تضخ 25 ألف متر مكعب يوميا للمنازل و 100 ألف متر لري الأراضي الزراعية، حتى باتت المدينة تقف على مأساة هي الأخطر نتيجة استمرار قطع المياه عن المدينة.
وقال الناشط الإعلامي "بدر طالب" في حديثه سابق لشبكة "شام" إن مدينة الباب تعيش أزمة مائية حادة للسنة الثامنة على التوالي، بدأت بعد سيطرة النظام على محطة ضخّ المياه الرئيسية في ريف حلب الشرقي، وهي محطة "الخفسة" في أواخر عام 2016، التي تعتبر المحطة الرئيسية، والسيطرة أيضاً على المحطة الثانية عين البيضا القريبة من مدينة الباب، ثم قطع المياه المغذية للمدينة التي تضخ من المحطة، لتصبح الآبار هي المصدر الرئيسي للمياه.
وذلك بعد أن كانت مصدراً ثانوياً مسانداً للمياه الواصلة إلى المدينة من نهر الفرات سابقا، وبعد تحرير المدينة وفي ظل قطع شريان المياه ورفض النظام تزويد المدينة بالماء، فعمل المجلس المحلي في المدينة على حفر الآبار الجوفية، إلا أن هذا الحل لم يكن ناجعاً ولم يسفر عن حل المشكلة حيث تعرضت هذه الآبار للجفاف على مدار السنوات الماضية، ما دفع المجلس لتوجيه نداء للمنظمات للتدخل وتمويل المشاريع التي تجلب المياه من نهر الفرات.
وتعددت القوى المسيطرة على محطة عين البيضا، ابتداءً بفصائل الثوار عام 2012 إلى تنظيم داعش 2014 واستمرت بضخ المياه نحو مدينة الباب، أحد معاقل التنظيم آنذاك، حتى نهاية عام 2016، ثم خضعت لسيطرة النظام الذي قطع المياه عن المدينة عام 2017.
وفي الخمسينات كانت المدينة تعتمد على نهر يمر منها يسمى بـ"نهر الذهب"، لكنه تعرض للجفاف التام، وكانت تشتهر المدينة بالزراعة وصناعة الأدوات الزراعية، وخلال العامين 2004-2005 تم تنفيذ مشروع مشترك يقوم على ري الأراضي الزراعية.
وكان يهدف مشروع ري سهول تادف والباب بريف محافظة حلب إلى استصلاح 6700 هكتار من أراضي المنطقة وذلك من خلال شبكات الري والصرف ضمن سرير نهر الذهب في منطقة الباب بغية تطوير المنطقة زراعياً واقتصاديا واجتماعياً وبيئياً.
ومع بداية العام 2011 توقف المشروع مؤقتا قبل التوقف النهائي مع إيقاف تدفق المياه بشكل كامل في العام 2017، ومنذ تحرير مدينة الباب من قبضة تنظيم داعش ضمن عملية مشتركة بين الجيشان الوطني والتركي في إطار معركة "درع الفرات" انعدمت مياه الشرب والري بشكل تام عن المدينة.
أفاد الناشط الإعلامي بدر طالب، بأنّ من بين المشاريع التي سعت إلى الحد من أزمة المياه في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، قيام المجلس المحلي بالتعاون مع منظمة محلية بحفر 3 أبار في منطقتي الراعي وصندي شرقي حلب، وتم استجرار المياه عبر شبكة مخصصة لهذا الشأن.
وكانت تصب هذه الآبار في خزان الجبل في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، ليصار إلى ضخ المياه إلى أحياء المدينة، وبشكل وسطي مع بداية المشروع تم تزويد الأهالي بالمياه يومين أسبوعياً، قبل أن تتعرض هذه الآبار لنقص كبير في كميات المياه حتى وصلت ساعات وصل المياه في الأسبوع لمدة ساعة واحدة فقط.
وعن بعض مبادرات المنظمات المحلية بهذا الخصوص، كشفت مصادر محلية عن مشاريع محدودة جدا لتوزيع المياه مجانا، في وقت يحذر نشطاء في المدينة من استخدام بعض العوائل للمياه الغير نظيفة وبسبب غلاء المياه يلجأ البعض لهذه البدائل غير الصحية التي تؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة بشكل كبير.
إلى ذلك يقدر سعر البرميل الواحد من هذه المياه بقيمة 15 ليرة تركية، وكل 1000 ليتر بسعر يصل بين 75 إلى 90 ليرة سورية، فيما يبلغ سعر المياه النقية الصالحة للشرب كل 20 ليتر بقيمة 10 ليرات تركية، حسب مصادر محلية في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، علما بأن العائلة تستخدم هذه "المياه المفلترة" للشرب فقط وتحتاج إلى كالون سعة 20 ليتر كل يومين.
وبين العامين 2018 و2019، كان يتم العثور على الماء في الآبار الجوفية على عمق يتراوح بين 60 إلى 100م. بدأت تلك الآبار بالجفاف بعد عام 2019، فأخذ الأهالي بزيادة عمق الحفر إلى ما بين 250 إلى 400 م غير أن آبار المدينة لم تجف فحسب، بل فشلت بتغطية حجم الاحتياج المتزايد، ويذكر أن مياه الآبار خلفت عدد كبير من الأمراض.
وتشير تقديرات إلى أن الآبار التي كانت تعمل مدة 6 ساعات يوميا، باتت تعمل بصعوبة مدة من 5 إلى 10 دقائق فقط ما يقدر بحوالي 1000 ليتر وهي كمية تكفي لتعبئة خزان منزلي واحد بسعة 5 برميل فقط، "البرميل يساوي 200 ليتر".
شح المياه ليس مجرد أزمة.. محلي الباب يكشف انخفاض منسوب المياه الجوفية
وكان كشف المجلس المحلي في مدينة الباب بريف حلب، في عن انخفاض منسوب المياه الجوفية في آبار تغذي الباب إلى مستويات متدنية أخرج بعضها عن الخدمة، ما دفع إلى تقنين المياه لساعة تشغيل واحدة كل أسبوعين لضخ المياه، بالإضافة إلى ضرورة ترشيد استهلاك المياه وعدم هدرها.
وقال في بيانه: "بعد الكشف عن محطات المياه في منطقة "سوسيان والراعي وصندي" نحيطكم علماً أن كمية المياه في آبار محطات ضخ المياه أصبحت منخفضة جداً عمّا كانت عليه سابقاً، إذ يوجد في محطة الراعي خمس آبار، ثلاث منها أصبحت خارج الخدمة".
ولفت المجلس إلى أن كمية المياه في المحطة سابقا كانت تُقدر بنحو 300 متر مكعب، وفي الوقت الحالي انخفضت إلى 88 متراً مكعباً" وأشار إلى وجود أزمة مياه حقيقية وشح غير مسبوق فيها، الأمر الذي يعتبر تحدياً في الوقت الحالي حيث يجب التظافر للتصدي له قبل أن تجف الآبار، وذكر في منشور منفصل أن شح المياه ليس مجرد أزمة، بل تحدي يتطلب تظافر الجهود والتصدي له بحزم قبل أن تجف آبار الأمل.
وخلال العام الماضي أكد المجلس أن مدينة الباب تواجه أزمة مياه حادة منذ عدة سنوات وتحتاج إلى حل عاجل، وناشد المنظمات المحلية والدولية للمساعدة في إيجاد حل سريع لأكثر من 300 ألف نسمة يعيشون في المنطقة، وتكرار مطالب فتح مضخة عين البيضا الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري أو استجرار مياه نهر الفرات من مدينة جرابلس.
وقدر أن خمسة آبار من أصل 13 بئراً استخرجت المياه منها خارج الخدمة، و 8 آبار فقط تعمل بمعدل تدفق 40 متراً مكعباً في الساعة، لذلك فإن الوضع المائي في المدينة غير منتظم ويتطلب تدخلاً عاجلاً لحماية المدينة من الجفاف ونقص المياه والتصحر الأراضي الزراعية والتي تبلغ مساحتها 4500 هكتار، وذلك لتلافي كارثة إنسانية تهدد حياة مئات الآلاف.
وكانت تتغذى بمياه الري قادمة من نهر الفرات والتي كانت تغطي 7000 هكتار بقدرة ضخ تقدر بمئة ألف متر مكعب يومياً، وبعد عودة المعارضة السورية السيطرة على المنطقة تبقى 4500 هكتار، مساحة محرومة من المياه ليصعب على الأهالي الاستمرار في الزراعة وازياد بقعة التصحر وعجز الأمن الغذائي وانتشار البطالة.
ولفتت إلى أن وحدة إعادة الاستقرار أصدرت في العام الفائت دراسة مفصلة لمشروع نقل المياه من نهر الفرات إلى الباب مروراً بالغندورة بخط يصل لسبعين كيلو متر وثلاث محطات تحلية تروي خمسة مدن رئيسية وعشرات القرى ولكن لم يتلق المشروع تمويلاً رغم كثرة المناشدات وتفاقم الأزمة ولكن رغم تفاقم الأزمة لم تلقى مناشدات الأهالي والتحذيرات الأخيرة بتحرك لتنفيذ المشروع مع شح المياه، يصيب التلوث معظم الآبار.
مناشدات واقتراحات ونداءات بقيت دون استجابة
وكان أطلق ناشطون وجهات محلية رسمية مناشدات بقيت دون استجابة للمنظمات الإنسانية بضرورة النظر إلى هذه المشكلة المتجذرة وتمويل المشاريع اللازمة التي تضمن استجرار المياه من نهر الفرات ببنية جديدة ضمن دراسة إسعافية طرحت سابقا يكلف المشروع 18 مليون دولار بخط 70 كيلو متر من جرابلس.
وفي العام 2022 أكد عضو الائتلاف الوطني السوري "هيثم الشهابي"، أن نظام الأسد يمارس جريمة حرب بحق سكان مدينة الباب، التي يسكن فيها أكثر من 350 ألف مواطن، وذلك من خلال قطع المياه عنهم، وأكد أن النظام يعمل على تعطيش السكان وتصحر الأراضي، وذلك بإيقاف ضخ المياه من محطتي عين البيضة وشربع، واللتين كانتا شريان الماء الوحيد المغذّي للمنطقة.
وكان حذر فريق "منسقو استجابة سوريا"، من استمرار أزمة المياه الصالحة للشرب في مناطق بريف حلب وتحديداً في منطقة الباب وجرابلس وتادف والقرى المحيطة بها، مطالباً المنظمات العاملة في المنطقة بالعمل على توحيد الجهود بشكل كامل والعمل على الحل الجذري لتلك القضية، ويلفت نشطاء إلى أن النظام السوري يستخدم قطع المياه كعقاب جماعي وسلاح لتحصيل مكاسب سياسية وتكرر ذلك في مناطق عدة في دمشق وحمص وغيرها.
ويذكر أن أهالي منطقة الباب وريفها والمهجرين إليها وفعالياتها المدنية طالبوا خلال العام الماضي، الجانب التركي بإيجاد حل دائم لمشكلة تأمين وصول مياه الشرب والري إلى المنطقة بأي طريقة، بعدما أثبتت الحلول الإسعافية فشلها على مدار سنوات حيث أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وسم للتداول الإعلامي تحت مسمى "الباب عطشى".