
باحث سوري: رؤية "وحدة الصف الكردي" دعوات انفصال تحت عباءة "الوحدة الوطنية"
قدّم الباحث السوري "مهند الكاطع" مجموعة من الملاحظات النقدية بشأن "الرؤية الكردية المشتركة" الصادرة عن مؤتمر "كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي في روجآفايي كردستان"، محذراً مما وصفه بـ"التناقض الصارخ بين الشعارات المرفوعة والمضامين الحقيقية للوثيقة".
ودعا الكاطع في بداية مداخلته إلى التأمل في عنوان المؤتمر ذاته، مشيراً إلى أن الحديث عن "وحدة وطنية سورية" يتناقض مع العنوان الفرعي "وحدة الصف الكردي في روجآفايي كردستان"، وهو مصطلح انفصالي يشير إلى ضم مناطق سورية إلى مشروع كردستان الكبرى، متجاهلاً الواقع الديموغرافي والتاريخي لهذه المناطق.
خطاب مزدوج وتزييف للهوية الديموغرافية
ورأى الكاطع أن الرؤية الكردية اعتمدت كالعادة على تغيير الأسماء التاريخية للمناطق السورية، عبر استخدام تسميات كردية دخيلة مثل "سري كاني" بدلاً من رأس العين و"كري سبي" بدلاً من تل أبيض، مع تجاهل كامل لمأساة تهجير عشرات الآلاف من السكان العرب في ناحيتي عين العرب والشيوخ منذ عقد من الزمن.
وحذر الباحث من أن هذه السياسات تتجاوز مجرد المطالبة بحقوق قومية، إذ تسعى إلى إعادة هندسة الجغرافيا السورية رمزياً ولغوياً، تمهيداً لفصل ثقافي وقومي عن الإطار الوطني الجامع.
مطالب تتجاوز "الشراكة الوطنية"
وأشار الباحث إلى أن نص الرؤية يبدأ بالحديث عن "الشراكة الوطنية"، لكنه سرعان ما يطالب بحزمة واسعة من الامتيازات الحصرية للكرد، تشمل "إعادة رسم الحدود السياسية والإدارية لصناعة "إقليم كردي" مستقل - اعتماد النظام الفيدرالي في سوريا - إقامة إدارة ذاتية منفصلة عن السلطة المركزية - اعتبار اللغة الكردية لغة رسمية في الدستور - إنشاء مؤسسات إعلامية وثقافية مستقلة - تخصيص الثروات الطبيعية للمناطق الكردية - فرض المحاصصة العرقية في القضاء والأمن والبرلمان"، وتساءل الكاطع: "إذا كان هذا هو مفهوم الوحدة الوطنية، فما هو الانفصال إذن؟"
تجاهل للحقائق الديموغرافية والتاريخية
وبيّن الكاطع أن الوثيقة تتجاهل أن المناطق التي تُسمى اليوم "كردية" مثل الحسكة والقامشلي ورأس العين وتل أبيض وعين العرب والرقة، كانت ولا تزال ذات أغلبية عربية، كما ذكّر أن الوجود الكردي في هذه المناطق تعزز نتيجة موجات لجوء قادمة من تركيا والعراق خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي بسبب الاضطرابات السياسية هناك، وتم منح اللاجئين الأكراد حقوقاً مدنية تدريجياً دون أن يُعاملوا كغرباء.
أما إحصاء عام 1962، الذي تصفه الوثيقة بإجراء "ظالم"، فكان - بحسب الكاطع - محاولة تنظيمية لمواجهة التسلل السكاني غير الشرعي الذي أدى إلى اختلال التوازن الديموغرافي في الجزيرة السورية.
إعادة إنتاج للسرديات الكردية
ولفت الكاطع إلى أن "الرؤية الكردية" تحاول استحضار قضايا مثل مشروع "الحزام العربي"، رغم أنه بقي حبراً على ورق، وتصوير عمليات إعادة إسكان بعض العشائر العربية - التي تضررت بسبب بناء سد الفرات - على أنها مؤامرة ضد الكرد، رغم أنها كانت سياسات تخص جميع مكونات المنطقة.
ورأى أن هذا الخطاب يسعى لإعادة كتابة التاريخ عبر الإيحاء بأن الوجود العربي طارئ، بينما الوجود الكردي أصيل، وهو أمر بعيد عن الواقع، ومحاولة فجة لطمس الحقيقة التاريخية والاجتماعية المتجذرة في المنطقة.
ازدواجية المعايير والمطالبة بامتيازات خاصة
وأشار الباحث إلى المفارقة الكبيرة بين مطالبة الوثيقة بإلغاء "الإجراءات الاستثنائية ضد الأكراد" وبين مطالبتها في الوقت ذاته بإجراءات استثنائية جديدة لصالحهم، مثل الإدارة الذاتية، والتقسيم العرقي للثروات، والمبادئ الفوق دستورية، مما يجعل مفهوم المساواة المطلوب من طرف واحد فقط، وكتب الكاطع ساخراً: "ما هو لنا فهو لنا وحدنا، وما هو لكم فهو لنا ولكم".
لا وطن بالخطابات الانفصالية
وختم الكاطع تحليله بالتأكيد أن بناء وطن لا يمكن أن يتم عبر تفكيك هويته إلى جزر قومية متنازعة، ولا عبر تجاهل حقائق التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا، وشدد على أن سوريا ليست تركة استعمارية لتُقسّم بالإرادات المنفردة، بل هي وطن عريق له هوية حضارية ضاربة في جذور التاريخ، أكبر من أن تختزلها خطابات المحاصصة القومية أو خرائط التقسيم السياسي، وأشار إلى أن السوريين، رغم كل تضحياتهم، لن يكونوا "كومبارس" في مسرحيات انفصالية تملى عليهم من الخارج.
كتل سياسية وعشائرية كردية تعلن رفضها لوثيقة مؤتمر القامشلي وتدعو إلى حوار وطني شامل
أعلنت الكتل السياسية والعشائرية ومنظمات المجتمع المدني الكردية المنتشرة في مختلف أنحاء سوريا، في بيان مشترك، عن رفضها للوثيقة الصادرة عن مؤتمر "وحدة الموقف والصف الكردي"، الذي عُقد مؤخراً في مدينة القامشلي، معتبرة أن الوثيقة تمثل خروجاً عن إرادة الكرد السوريين وتخدم أجندات خارجية لا تمثل طموحاتهم.
وأكد البيان أن الكتل الكردية ترفض ما وصفته بـ"مصادرة القرار السياسي الكردي السوري" من قبل أحزاب وكيانات كردية غير سورية، مشددة على ضرورة الحفاظ على استقلالية القرار الوطني الكردي ضمن الإطار السوري الجامع.
تحذير من الاستقطاب والتمييز العرقي
وحذرت الكتل من توظيف القضية الكردية لخدمة مشاريع الاستقطاب المجتمعي أو الأجندات الخارجية، مؤكدة أن الحقوق الكردية يجب أن تُطالب ضمن مفهوم المواطنة المتساوية وليس من خلال محاصصة عرقية تُكرس الانقسام.
وشددت على رفضها الكامل لأي محاولات لاستغلال القضية الكردية كأداة سياسية أو ورقة ضغط لصالح مشاريع انفصالية، مشيرة إلى أن الكفاح من أجل الحقوق لا يجب أن يتحول إلى وسيلة لزعزعة وحدة المجتمع السوري.
انتقاد لاحتكار التمثيل ورفض التدخلات الخارجية
وانتقد البيان احتكار قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لتمثيل الشعب الكردي، مطالباً بتمثيل حقيقي يعبر عن جميع أطياف المجتمع الكردي دون إقصاء. كما شددت الكتل السياسية على أن استقرار المناطق الكردية لا يمكن تحقيقه عبر ميليشيات موازية بل عبر بناء مؤسسات وطنية وتعزيز الأمن الوطني، مع رفض أي تدخلات أجنبية في الشأن الكردي السوري.
التأكيد على العدالة ووحدة البلاد
وأعربت الكتل عن تمسكها بإحقاق العدالة لجميع مكونات الشعب السوري، مع التركيز على ضرورة إنصاف الكرد الذين تعرضوا لانتهاكات ممنهجة في عهد النظام البائد.
وفي ختام البيان، جددت الكتل الكردية تمسكها بوحدة سوريا أرضاً وشعباً، مؤكدة أن مستقبل الكرد مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمستقبل سوريا الموحدة. ودعت إلى إطلاق حوار وطني شامل يكفل حقوق الجميع تحت مظلة الدستور السوري الجديد.
تجمع أبناء الجزيرة يرفض مخرجات مؤتمر "وحدة الصف الكردي" ويحذر من مشاريع التقسيم
أصدر تجمع أبناء الجزيرة (تاج) بياناً تعليقاً على مخرجات مؤتمر "وحدة الصف الكردي"، الذي عُقد في مدينة القامشلي بتاريخ 26 نيسان 2025، معتبراً أن المؤتمر يمثل امتداداً لمحاولات مشبوهة تهدف إلى تفتيت النسيج الوطني السوري وفصل بعض مكوناته عن المسار الوطني الجامع.
وأكد التجمع رفضه القاطع لأي مبادرة تتجاهل إرادة الشعب السوري وتسعى لفرض مشاريع فئوية وانفصالية بقوة السلاح والوصاية الأجنبية، مشدداً على أن هذه المشاريع لا تمثل تطلعات السوريين الأحرار ولا تعبّر عن التضحيات العظيمة التي قدموها من أجل وحدة وطنهم واستقلال قراره الوطني.
رفض المحاصصة والانتماءات الضيقة
وشدد البيان على أن القضية الوطنية السورية، بكل ما تحمله من تعقيدات سياسية واجتماعية، لا يمكن اختزالها إلى "بازار للمحاصصات القومية أو الطائفية"، مؤكداً أن سوريا الجديدة التي يناضل من أجلها التجمع، كانت وستبقى وطناً لجميع أبنائها، تُبنى الحقوق فيه على أساس المواطنة المتساوية، بعيداً عن الانتماءات الضيقة التي تسعى جهات مشبوهة لفرضها تحت شعارات زائفة.
وأضاف أن المشاريع الانفصالية التي تروج لها مجموعات مرتبطة بأجندات خارجية لا تهدف إلا إلى شرعنة التقسيم وخلق كيانات مصطنعة على الجغرافيا السورية الموحدة، مؤكداً أن هذا المخطط لن يحظى بقبول الأغلبية الوطنية، ولن يسمح به شعبٌ قدّم أنهاراً من الدماء دفاعاً عن وحدة سوريا وهويتها الوطنية.
تحذير من انتهاكات سلطات الأمر الواقع
وحذر التجمع من استمرار الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها سلطات الأمر الواقع (قسد) في مناطق شرق البلاد، داعياً جميع أبناء الجزيرة السورية إلى وقف أي نشاط ضمن هذه السلطات. كما شدد على ضرورة الوقوف صفاً واحداً في وجه كل مشروع مشبوه يستهدف وحدة سوريا أرضاً وشعباً وهويةً.
تأكيد على الثوابت الوطنية
وفي ختام بيانه، جدد تجمع أبناء الجزيرة (تاج) تمسكه بثوابت الثورة السورية: الحرية، الكرامة، وحدة الأرض والشعب، مؤكداً عزمه على مواصلة النضال مع جميع القوى الوطنية الأصيلة لبناء سوريا المستقبل، سوريا العادلة الحرة الواحدة التي لا مكان فيها لمشاريع التقسيم، ولا للامتيازات الطائفية أو القومية.
الرئاسة السورية تحذر "قسد" من محاولات الفيدرالية وتؤكد: وحدة سوريا خط أحمر
وكانت أصدرت رئاسة الجمهورية العربية السورية بياناً اليوم الأحد، علّقت فيه على الجدل المثار حول تطورات الاتفاق مع قيادة "قسد"، مؤكدة أن الاتفاق الأخير الذي جرى بين الرئيس أحمد الشرع وقيادات "قسد" شكّل "خطوة إيجابية نحو التهدئة والانفتاح على حل وطني شامل".
رفض قاطع لأي مشاريع تقسيمية
وبحسب نص البيان، شددت الرئاسة على أن التصريحات الأخيرة الصادرة عن قيادة "قسد" والداعية إلى إقامة نظام فيدرالي "تُكرس واقعاً منفصلاً على الأرض"، معتبرة أن هذا التوجه يتعارض بشكل صريح مع مضمون الاتفاق، ويهدد وحدة البلاد وسلامة أراضيها.
وأكدت الرئاسة أن أي محاولة لفرض وقائع تقسيمية أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات مثل "الفيدرالية" أو "الإدارة الذاتية"، دون توافق وطني جامع، "مرفوضة بشكل كامل وتشكل خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه".
وحدة سوريا فوق كل اعتبار
وأوضحت الرئاسة أن وحدة سوريا أرضاً وشعباً "مسألة غير قابلة للتفاوض"، محذرة من أن أي مساس بهذه الوحدة يعد خروجاً عن الصف الوطني ويضرب في عمق الهوية الجامعة للسوريين.
كما حذرت من خطورة الممارسات الهادفة إلى "تغيير ديموغرافي" في بعض المناطق، معتبرة أن مثل هذه السياسات من شأنها إضعاف فرص التوصل إلى حل وطني شامل وتهديد النسيج الاجتماعي السوري.
تحذير من تقويض مؤسسات الدولة
وفي سياق متصل، أشار البيان إلى أن تعطيل عمل مؤسسات الدولة السورية في المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، واحتكار الموارد الوطنية بعيداً عن الإطار المؤسساتي الرسمي، من شأنه أن يعمّق الانقسامات الداخلية ويهدد السيادة الوطنية السورية.
وشددت الرئاسة على أنه "لا يحق لقيادة قسد الانفراد بالقرار في شمال شرق سوريا"، مؤكدة على ضرورة قيام التعايش بين جميع مكونات المنطقة، بما يحقق شراكة حقيقية وعدالة في التمثيل لكل من العرب والكرد والآشوريين والسريان والمسيحيين.
حقوق مكفولة ضمن الدولة السورية
وأعادت الرئاسة التأكيد على أن "حق الإخوة الأكراد محفوظ بشكل كامل ضمن إطار الدولة السورية الواحدة"، دون الحاجة إلى أي تدخل خارجي أو وصاية أجنبية، مشددة على أن الحل في سوريا "لا يمكن أن يكون إلا سورياً وطنياً شاملاً، يستند إلى إرادة الشعب ويحافظ على وحدة وسيادة البلاد".
دعوة للالتزام بالمصلحة الوطنية
وفي ختام البيان، دعت الرئاسة قيادة "قسد" وشركاء الاتفاق إلى الالتزام الصادق بما تم التوافق عليه، وتغليب المصلحة الوطنية العليا على أي اعتبارات ضيقة أو أجندات خارجية، وجددت التأكيد على أن سوريا "ترفض رفضاً قاطعاً جميع أشكال الوصاية والهيمنة الأجنبية"، وهي "ماضية بثبات نحو بناء دولة مواطنة حقيقية، تحقق العدالة والمساواة بين جميع أبنائها".
مؤتمر "وحدة الصف الكردي": بين الطموحات السياسية والتناقضات الواقعية
وكانت اختتمت القوى الكردية في سوريا مؤتمر "وحدة الصف والموقف الكردي" بالإعلان عن رؤية سياسية مفصلة لمستقبل القضية الكردية ضمن إطار الدولة السورية، وقد حمل البيان الختامي مجموعة من المبادئ والطروحات المهمة، إلا أن المتابعين والنشطاء السياسيين سجلوا عدداً من الملاحظات الجوهرية التي كشفت عن وجود تناقضات بنيوية في الرؤية المعلنة، ما يثير تساؤلات عن مدى قابليتها للتطبيق العملي.
تناقض بين حياد الدولة الديني والاعتراف الديني
أولى الإشكاليات ظهرت في التناقض بين بندين أساسيين: من جهة، يؤكد البيان على ضرورة "حيادية الدولة تجاه الأديان والمعتقدات وضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية"، ومن جهة أخرى، يطالب "بالاعتراف بالديانة الإيزيدية كديانة رسمية في الدولة".
هذا الطرح يثير إشكالية فلسفية وقانونية؛ إذ أن حيادية الدولة تقتضي عدم تبني أو تمييز أي ديانة رسمياً، بل معاملة جميع الأديان بشكل متساوٍ ودون اعتراف رسمي مخصص لأي دين. أما الاعتراف الرسمي بدين معين، فهو يتعارض مع مبدأ الحياد ويخلق امتيازاً لدين دون آخر، حتى لو كان من باب جبر الضرر أو دعم المكون الإيزيدي.
لذلك، يرى المراقبون أن المؤتمر كان يحتاج إلى حسم الموقف: إما الدعوة لدولة علمانية محايدة بالكامل أمام جميع الأديان، أو الإقرار بأن هناك ديانات تحتاج إلى وضع خاص مع ضمان المساواة للجميع.
ازدواجية الطرح بين توحيد المناطق الكردية وإعادة التقسيم الإداري
من جهة أخرى، دعا البيان إلى "توحيد المناطق الكردية كوحدة سياسية إدارية متكاملة"، في حين تحدث في بند آخر عن ضرورة "إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية بما يراعي الكثافة السكانية والمساحة الجغرافية".
وهنا يُطرح سؤال منطقي: ماذا لو أن المناطق الكردية الموحدة المقترحة لا تتطابق مع معايير الكثافة السكانية أو التوزيع الجغرافي العادل؟ هل سيتم التمسك بالتوحيد القومي أم احترام معايير إدارية وطنية موحدة؟
هذا التناقض يعكس ازدواجية في المنهج: المطالبة بتوحيد قومي خاص، وفي ذات الوقت الدعوة إلى تقسيمات إدارية تراعي التوزيع الوطني العام، ما يجعل تحقيق "هوية وطنية جامعة" أمراً أكثر تعقيداً مع إصرار كل مكون على كيانية إدارية خاصة به.
غموض بين الفيدرالية واللامركزية
من التناقضات الأخرى اللافتة، الدعوة إلى "توحيد المناطق الكردية كوحدة سياسية إدارية في إطار سوريا اتحادية"، مع التأكيد في الوقت ذاته على أن "سوريا دولة لا مركزية تضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة".
والفرق بين الفيدرالية واللامركزية جوهري كما هو معروف قانونياً ودستورياً، فالفيدرالية تعني أن الدولة تتكون من أقاليم تتمتع بحكومات محلية ودساتير خاصة ضمن دولة واحدة، كما هو الحال في الولايات المتحدة وألمانيا.
أما اللامركزية الإدارية، فتعني تفويض بعض الصلاحيات للسلطات المحلية مع بقاء الدولة موحدة بدستور وحكومة مركزية واحدة، كما هو الحال في فرنسا، وبالتالي فإن المزج بين هذين المفهومين بدون تحديد واضح قد يفتح الباب أمام إشكالات دستورية لاحقة، لاسيما مع المخاوف التاريخية لدى أطراف وطنية من أن الفيدرالية قد تؤدي إلى تفكك الدولة السورية.
المفارقة حول حقوق الأطفال والانتهاكات الميدانية
البيان شدد أيضاً على "حماية حقوق الأطفال" وفق الاتفاقيات الدولية، غير أن واقع الممارسات الميدانية يناقض هذه الدعوة. فقد وثقت تقارير حقوقية محلية ودولية استمرار ظاهرة تجنيد الأطفال ضمن معسكرات "الشبيبة الثورية" في مناطق شمال شرقي سوريا، وهي ظاهرة تتناقض جذرياً مع مبادئ حماية حقوق الطفل التي تضمنها الرؤية السياسية المعلنة، وهذا التناقض بين الطرح النظري والممارسة الواقعية يطرح تساؤلات جدية حول مصداقية الالتزام بهذه المبادئ على الأرض.
ويبدو أنه في زمن التحولات الكبرى، لا يكفي إعلان المبادئ، بل المطلوب تأسيس مشروع وطني متماسك يقوم على الواقعية السياسية والالتزام الصادق بثقافة المواطنة والدولة الجامعة، فين الطموح المشروع بوضع إطار عادل للقضية الكردية، وبين التناقضات العميقة التي شابت مضامين البيان، تبرز الحاجة الملحة لمراجعة شاملة ودقيقة لهذه الرؤية، بما يتجاوز الشعارات الفضفاضة إلى بلورة حلول عملية وقابلة للتطبيق، قادرة على بناء دولة سورية موحدة ديمقراطية تعددية، تحفظ حقوق جميع مكوناتها من دون تمييز أو تهميش.