
انعدام الأوراق الثبوتية في سوريا يؤثر على الأهالي والأبناء ويحرمهم من حقوقهم
تُعدُّ ظاهرةُ عدم تمكُّن بعض العائلات السورية من امتلاك الأوراق الثبوتية واحدةً من أبرز التحديات التي تفاقمت خلال سنوات الحرب التي تجاوزت 14 عاماً. حيث حالت الظروف الاستثنائية دون قدرة الكثير من الأهالي على تسجيل الولادات والزيجات، مما أثر سلباً على حياتهم، وتركهم بلا حقوقٍ أساسية تتطلب وجود وثائق رسمية.
تختلف الأسباب التي حالت دون تسجيل العديد من العائلات لأولادهم، فبعضها يعود إلى النزوح المفاجئ من القرى والمدن دون اصطحاب الوثائق الشخصية، خاصةً لدى العائلات التي فرت من القصف أو خشيت الوقوع تحت سيطرة قوات النظام البائد مع اقترابها من مناطقهم. كما تُعزى المشكلة في حالات أخرى إلى نقص الوعي بأهمية هذه الأوراق الثبوتية، مما دفع بعض الأهالي إلى التعامل مع الأمر بإهمال.
تحدثت سيدات سوريات التقينا بهن، عن معاناتهن المزدوجة جراء انعدام الأوراق الثبوتية، حيث واجهن صعوبات مضاعفة في حالات الزواج غير الموثقة التي انتهت بالانفصال أو هجرة الزوج أو وفاته. فبالإضافة إلى المحنة النفسية، واجهت هؤلاء النساء عائقاً قانونياً حقيقياً في تسجيل أطفالهن، حيث تحوّل غياب وثائق الزواج الرسمية إلى حاجز يحول دون حصول أطفالهن على هوية قانونية.
وقد زاد من تعقيد الأوضاع عدم قدرة العديد منهن على إثبات النسب أو الهوية الأبوية لأطفالهن، مما جعل هذه المشكلة سلسلة متشابكة من المعاناة الإنسانية والقانونية، وواجهن عدة عقبات خلال عملية التسجيل التي تطلبت إجراءات البعض منها لا يُمكن القيام به في ظلّ غياب الزوج أو عدم اهتمامه بالموضوع أساساً.
في المقابل، تُعاني أسرٌ أخرى من ضعف الوعي بأهمية حيازة الأوراق الثبوتية، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي فرضتها سنوات الحرب في سوريا. حيث أدت عمليات النزوح المتكررة - بين القرى والمدن هرباً من العنف - إلى تفاقم هذه المشكلة. كما أن الأسر التي اضطرت للجوء خارج البلاد وجدت نفسها أمام عوائق قانونية كبيرة بسبب افتقارها لهذه الوثائق الأساسية.
أكد عمال إغاثة ميدانيون يعملون مع منظمات إنسانية في مخيمات شمال غرب سوريا لشبكة "شام" أنهم كثيراً ما يصادفون حالات عائلات تعاني من انعدام الأوراق الثبوتية. حيث تتكرر مشاهداتهم لزيجات غير مثبتة، وأسر لديها أطفال غير مسجلين، إضافة إلى أطفال تحت وصاية الأقارب أو الجد دون وجود أوراق رسمية. كما يواجهون حالات أطفال يتامى أو منفصلي النسب بسبب وفاة أحد الوالدين أو كليهما، وأطفالاً "مكتومين" بالكامل لأن أهاليهم يعانون نفس المشكلة.
حرم انعدام الأوراق الثبوتية العائلات من حرية التنقل بين المناطق، كما منع الأطفال من التمتع بحقوقهم المدنية كاملة. وأصبح استخراج جوازات السفر أمراً مستحيلاً في هذه الظروف. كما تأثر الأطفال بشكل خاص، حيث حُرموا من الحصول على وثائق تؤهلهم دخول المدارس ومتابعة تعليمهم.
من جهة أخرى، واجهت العائلات في المخيمات صعوبات كبيرة في الحصول على المساعدات الإنسانية الأساسية مثل الغذاء والإغاثة بسبب عدم امتلاكهم للأوراق الثبوتية. كما حُرِمت العديد من النساء من الاستفادة من مشاريع كفالة الأيتام، رغم حاجة أطفالهن الماسة لهذه المساعدات.
يرى حقوقيون أن معالجة هذه الأزمة تتطلب خطة متكاملة تبدأ بتكثيف التوعية المجتمعية بأهمية استكمال الأوراق الثبوتية وأهمية الحصول عليها سواء على المدى القريب أو البعيد، مع تشجيع الأهالي على مراجعة المؤسسات الحكومية والمحاكم العاملة في مناطقهم.
ويؤكدون أن اللجوء إلى المساعدة القانونية عبر توكيل محامين قد أثبت نجاعته في حل العديد من الحالات المعقدة، رغم التحديات المالية التي قد تواجه بعض العائلات. و من جانبهم، يشدّد الاستشاريون القانونيون على ضرورة تسجيل الزيجات والأطفال فوراً دون تأخير، مع أهمية توفير دعم مالي وقانوني للأسر غير القادرة.
تشكل مشكلة انعدام الأوراق الثبوتية في سوريا تحدياً كبيراً تفاقم خلال الحرب، حيث واجه الأهالي صعوبات جمة في تثبيت حقوق أطفالهم التعليمية والصحية. هذه الأزمة تستدعي حلولاً عاجلة تعتمد على التوعية ومساعدة العائلات في استكمال أوراقهم الثبوتية.