اللاجئون السوريون في الأردن بين سندان تصاريح العمل ومطرقة تكاليف العودة
في ظل السياسات الأردنية الرامية إلى تنظيم سوق العمل، يواجه اللاجئون السوريون تحديات متزايدة تتعلق بتصاريح العمل والتكاليف المرتبطة بها، مما يضعهم أمام خيارات صعبة بين البقاء في ظروف معيشية معقدة أو العودة إلى وطنهم الذي لا يزال يفتقر إلى الاستقرار الكامل.
ومع استمرار الحكومة الأردنية في التأكيد على مبدأ “العودة الطوعية” للاجئين السوريين، يواجه اللاجئون واقعاً متناقضاً بين الدعوات للعودة وبين سياسات تضيق عليهم سبل العيش، ما يجعل العودة أقرب إلى الخيار القسري.
منذ عام 2016، ألزمت الحكومة الأردنية اللاجئين السوريين بالحصول على تصاريح عمل، وكانت رسوم الحصول على التصاريح رمزية، وذلك بالاتفاق مع الاتحاد الأوروبي الذي تكفل بدعم الحكومة الأردنية في سبيل السماح للسوريين في العمل بحرية، إلا أن الاتحاد الأوروبي توقف عن هذا الالتزام ما أجبر الأردن على معاملة السوريين أسوة ببقية العمال الوافدين في الأردن.
وفي يونيو 2024، أصبح اللاجئون مطالبين بدفع رسوم تصاريح العمل، والتي تتراوح بين 400 و1200 دينار أردني، حسب المهنة، وبات هذا العبء المالي يشكل تحديًا كبيرًا للعديد من اللاجئين الذين يعتمدون على أعمال ذات دخل محدود.
زيارة الشيباني ولقاءه الجالية السورية في الأردن
في ذات السياق، عند زيارة وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، الأردن ذهب إلى السفارة السورية في العاصمة عمان وتفقد العمل فيها والتقى مواطنين سوريين، حيث طالب أحدهم بعدة مطالب من بينها توفير نقل عفش مجاني للسوريين إلى مدن وقراهم في سوريا.
وطالب أيضا بالتواصل مع الحكومة الأردنية للسماح للسوريين بالذهاب إلى سوريا والعودة وذلك في سبيل تأمين سكن أو إصلاح منازلهم المدمرة، خاصة أن غالبيتهم عوائل ولديهم أطفال ولا يستطيعون العودة بدون تجهيز مكان مناسب للسكن لهم ولأطفالهم.
وطالب أيضا بدعم السوريين في الأردن ماليا من أجل مساعدتهم على العودة لسوريا، وطالب التواصل مع السلطات الأردنية للسماح للسوريين بالعمل في الأردن لمدة سنة فقط بدون تصريح العمل، حتى يتمكنوا من توفير بعض المال تساعدهم في العودة والعيش في سوريا.
مهن محظورة على السوريين.. وغرامات كبيرة على المخالفين
بالإضافة إلى ذلك، هناك قائمة من المهن المحظورة على العمالة غير الأردنية، مما يحد من فرص العمل المتاحة للاجئين السوريين، الذين يجدون أنفسهم مضطرين للعمل في أعمال خطيرة ومتعبة للغاية للحصول على ما يسد رمقهم ويكفي حاجاتهم الأساسية فقط.
وفي ظل رفض أصحاب العمل دفع تكاليف إصدار تصاريح العمل وإجبار العامل السوري الراغب بالعمل على دفعها من ماله، زادت الضغوطات على اللاجئين السوريين في الأردن، وباتت عودتهم إلى سوريا شبه إجبارية ولم تعد طوعية كما تروج السلطات الأردنية بشكل دائم.
وشنت السلطات الأردنية خلال الأيام الماضية وما تزال مستمرة حملة كبيرة على المحلات والمصانع والشركات للبحث عن العمال والموظفين الذين لا يحملون تصاريح عمل، حيث تم القبض على عشرات السوريين وتغريم أصحاب العمل مبالغ مالية طائلة جراء ذلك، قد تصل إلى 800 دينار أردني على الأقل عن كل عامل مخالف، وقد تصل إلى 4400 دينار في بعض الحالات. كما يُجبر صاحب العمل على فصل العامل المخالف لتجنب العقوبات.
وبالنسبة للاجئين الذين يفكرون في العودة إلى سوريا، فإن التكاليف المرتبطة بالعودة تشكل عائقًا كبيرًا، حيث تشمل هذه التكاليف مصاريف السفر، وإصلاح المنازل المتضررة، وتأثيثها من جديد، ونقل الممتلكات إلى سوريا، ومعظم اللاجئين لا يملكون المدخرات الكافية لتغطية هذه النفقات، خاصة في ظل الأجور المتدنية التي يتقاضونها في الأردن.
شبكة شام تكشف بعض الأسباب الحقيقية وراء صعوبة العودة
تواصلت شبكة شام مع العديد من اللاجئين الراغبين بالعودة إلى سوريا، وقال معظمهم إنهم لا يملكون ما يسد رمقهم في الأساس وأنهم يعملون بأجور زهيدة للغاية، ولا يملكون المال الكافي لعودتهم إلى سوريا، خاصة أن الكثير منهم تثقله الديون التي تراكمت خلال سنوات اللجوء الطويلة في الأردن.
وذكر بعضهم لشبكة شام، أن الأمم المتحدة تخلت عنهم وأن غالبيتهم لم يعودوا يحصلون على المساعدات المالية التي كانوا يشترون بها المواد الغذائية والتي كانت تساعدهم على العيش في الأردن، وقال غالبيتهم إن المساعدات قطعت عنهم منذ سنوات طويلة ولم يحصلوا على أي شيء من الأمم المتحدة.
يرغب غالبية السوريين الموجودين في الأردن بالعودة إلى بلادهم، إلا أن الكثير من العوائق تمنع ذلك، أهمها العائق المالي الذي يمنعهم من إمكانية نقل أثاث منازلهم إلى داخل سوريا إذ يطلب العديد من السائقين مبالغ كبيرة تتجاوز 500 دينار، وقد تصل لأكثر من ذلك بكثير، إذا كان التوصيل لمحافظات بعيدة مثل حلب وإدلب واللاذقية وغيرها.
والعائق الآخر، هو السكن ومكان الإقامة في سوريا، إذ لا يملك غالبيتهم القدرة على إصلاح منازلهم المدمرة أو استئجار شقة سكنية تؤويهم، خاصة أن البطالة في سوريا عالية جدًا، والرواتب منخفضة جدًا، حيث يطالب بعض اللاجئين بإعفائهم من إصدار تصريح عمل، لمدة سنة واحدة أو لعدة أشهر كي يتمكنوا من جمع مبلغ مالي يستطيعون فيه العودة وتأمين مكان للسكن في سوريا.
تتفاقم هذه التحديات مع الضغوط النفسية والاجتماعية التي يواجهها اللاجئون، حيث يشعرون بأن الخيارات المتاحة أمامهم محدودة، وأنهم عالقون بين ظروف معيشية صعبة في الأردن ومخاطر محتملة في حال العودة إلى سوريا.
في ظل هذه الظروف، تتزايد الدعوات للمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لتقديم الدعم اللازم للاجئين السوريين في الأردن، سواء من خلال تخفيف الأعباء المالية المرتبطة بتصاريح العمل، أو توفير المساعدات اللازمة لأولئك الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم، بما يضمن لهم حياة كريمة ومستقرة.