القرداحة تُحيي ذكرى النصر والتحرير… مدينة تتحرّر من إرث عائلة هيمنت على اسمها لعقود
أحييت مدينة القرداحة في ريف اللاذقية، وبحضور شخصيات رسمية أبرزها محافظ اللاذقية، ذكرى النصر والتحرير للمرة الأولى منذ سقوط نظام الأسد، وسط أجواء احتفالية وتنظيمات شعبية واسعة تعكس رغبة الأهالي في استعادة هوية مدينتهم بعد عقود من الارتباط القسري باسم العائلة الحاكمة السابقة.
مدينة رُبط اسمها بعائلة واحدة لعقود
لطالما ارتبط اسم القرداحة، خلال نصف قرن، بعائلة الأسد التي حكمت سوريا بقبضة أمنية حديدية، وحوّلت المدينة إلى رمز للسلطة بدلاً من أن تكون مدينة سورية طبيعية كبقية المدن.
وبمرور السنوات، تراجعت صورة القرداحة الحقيقية خلف مشاهد النفوذ الأمني والامتيازات التي مُنحت لعائلة واحدة، فيما ظلّ سكان المدينة يعانون مشكلات الخدمات والفقر والتمييز، رغم الصورة الزائفة التي روّج لها النظام بأنها “مدينة النخبة”.
وبعد التحرير في ديسمبر 2024، بدأت تتكشف الصورة الحقيقية لحجم الهيمنة التي فرضها آل الأسد على المدينة وسكانها، إذ أظهرت التحقيقات والإفادات الشعبية أن القرداحة كانت من أكثر المناطق التي عانت من تداخل النفوذ العائلي مع المؤسسات العامة، ما أدى إلى إقصاء الكثير من أبنائها وإبقاء المدينة في حالة تراجع عمراني واقتصادي.
اليوم، تتغيّر المشهدية بالكامل. فبدلاً من حضور العائلة التي سيطرت على المدينة لعقود، يقود أهالي القرداحة – خصوصاً الشباب والفعاليات المدنية فعاليات ذكرى النصر، في خطوة يصفها ناشطون بأنها تحرير ثانٍ للمدينة بعد التحرير السياسي.
وتتضمن الفعاليات "عروضاً رمزية تجسّد صمود السكان بعيداً عن استغلال النظام السابق لهم، ومبادرات لإعادة ترميم مواقع تضررت خلال الحرب والإهمال، وتجمعات شعبية تؤكد أن القرداحة جزء من النسيج الوطني السوري، لا ملكية خاصة لعائلة حكمت البلاد".
استعادة الهوية… ومحو التشويه المتعمد
يؤكد أبناء القرداحة أن أهم ما يبحثون عنه في هذه المناسبة هو “استعادة اسم المدينة” من التشويه الذي أصابها لعقود، حين ارتبطت بصورة الظلم والسلطة، رغم أن أهلها كانوا من بين المتضررين اقتصادياً واجتماعياً مثل غيرهم من السوريين.
ويقول ناشطون من المدينة إن القرداحة “تعيد تقديم نفسها اليوم كما هي في الحقيقة: مدينة جبلية هادئة، يسكنها أناس بسطاء، بعيداً عن الصورة السياسية التي فُرضت عليهم قسراً”.
القرداحة في مرحلة جديدة
وترتفع آمال الأهالي بأن يشكل هذا الحدث خطوة إضافية نحو المصالحة المجتمعية، وكسر الصورة النمطية التي ألصقها النظام البائد بالمدينة وسكانها. كما يأملون أن يسهم حضور وفود رسمية ومدنية من مختلف المحافظات في دمج القرداحة مجدداً ضمن المسار الوطني العام، بعد سنوات من العزلة القسرية التي فرضتها هيمنة العائلة السابقة.
ويعتبر أبناء المدينة أن تحرير القرداحة من إرث آل الأسد لا يقل رمزية عن تحرير دمشق وبقية المناطق، فالمعركة التي تُخاض اليوم هي معركة استعادة السمعة، والهوية، والانتماء الوطني، وبذلك تستعد القرداحة لإحياء ذكرى النصر والتحرير بصورتها الحقيقية التي حُجبت طويلاً، وبصوت أهلها الذين يستعيدون مدينتهم ومستقبلهم بعيداً عن ظلال الماضي.