
البروبوزال الباذخ.. يؤثر على تفكير الفتيات ولا يتناسب مع واقع وتقاليد السوريين
في السنوات الأخيرة، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي ظاهرة عرض الزواج أو الخطوبة، المعروفة بـ"البروبوزال"، حيث أصبح شباب عرب، من بينهم سوريون، يتبنون هذا الأسلوب. وبدلاً من أن تكون الخطوبة حدثًا خاصًا يتم بين الأهل بطابع رسمي، تحولت إلى عرض علني يهدف إلى جذب آلاف المشاهدات.
أصبح السوريون يشاهدون مشاهد غير مألوفة، كانت في السابق حكراً على الأفلام الأجنبية، حيث يحجز الشاب أفخم القاعات أو الفنادق، ويتقدم للفتاة مباشرةً راكعاً على إحدى ركبتيه، حاملاً خاتماً باهظ الثمن، وسط أجواء فخمة تعكس مبالغ طائلة أنفقت.
هذا المشهد، المنفصل عن الواقع، يتجاهل الأزمات التي عانى منها ملايين السوريين خلال سنوات الحرب، ويفتقر إلى مراعاة مشاعر الشباب المتأثرين بالظروف القاسية، الذين يعجزون عن اتخاذ مثل هذه الخطوة بسبب الفقر وتداعياته.
إضافة إلى ذلك، يرى كثير من الأهالي في سوريا أن هذه الموضة تتعارض مع العادات والتقاليد المتجذرة في المجتمع السوري. فالمعتاد أن يتم الزواج وفق الطريقة التقليدية، حيث يختار الشاب زوجته بنفسه أو بمساعدة أهله في اختيارها، بعيداً عن التصوير والإعلام والمفاخرة على منصات التواصل الاجتماعي.
حتى الزواج القائم على الحب والمعرفة المسبقة بين الشاب والفتاة لا يشبه الطرق التي يتبعها بعض مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أصبحوا يعرضون تفاصيل حياتهم الخاصة ويكشفون أسرارهم الشخصية سعياً لزيادة المشاهدات وجذب الأضواء، إلى درجة أنهم حولوا الحب إلى سلعة لتحقيق الشهرة.
ورغم أن هذه الفيديوهات تلقى رواجاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي وتحصد مئات الآلاف من المشاهدات، يؤكد كثيرون أنها تفتقر إلى العفوية بشكل واضح. فالعروس في هذه الفيديوهات غالباً ما تستقبل الموقف بدهشة مصطنعة وابتسامة مصحوبة بدموع الفرح، تتشابه بشكل لافت مع ردود فعل فتيات أخريات مررن بالتجربة ذاتها.
أكد مراقبون أن أهداف موضة "البروبوسال" بعيدة كل البعد عن مشاعر الحب الحقيقية، بل تركز على السعي وراء الشهرة والمفاخرة والتنافس مع المشاهير الآخرين. ويرون أن هذا النمط من إعلان الارتباط أصبح يؤثر بشكل كبير على تفكير الفتيات، خاصة المراهقات واليافعات اللواتي يخضعن لتأثير الإنترنت بدرجة كبيرة، حيث يعتبرن بعض اليوتيوبرز قدوة لهن.
أصبحت الشابات يتطلعن إلى أن يُطلبن للزواج بذات الطريقة الفخمة، أو يطالبن الشبان المتقدمين لهن بتلبية طلبات تفوق قدراتهم المادية، خاصة في ظل الظروف القاسية التي عاشوها خلال الحرب والغربة. تتجلى هذه الطلبات في اقتناء المجوهرات الثمينة، وإقامة حفلات خطوبة وزفاف في أجواء باذخة وفارهة، وتقديم الهدايا النفيسة وغيرها من الشروط الخارجة عن إمكانيات الشباب في الأوضاع الراهنة.
لا يقتصر الأمر على هذا الحد، إذ يؤكد ناشطون أن هذه الموضة تروّج لعلاقات الحب بشكل مبالغ فيه، حيث أصبحت الفتاة تعتقد أنه من الطبيعي والمقبول أن تعيش علاقة حب مع شاب وتخرج معه دون زواج أو عقد قران، ثم تنفصل عنه لترتبط بآخر، وتكرر التجربة علنًا أمام الأهل والإعلام. هذا السلوك يتعارض بشكل واضح مع عادات وتقاليد المجتمع السوري.
ويرى ناشطون أن الشباب بحاجة إلى توعية حول الأثر السلبي لمنصات التواصل الاجتماعي، مثل تيك توك، التي تروّج لموضة "البروبوسال" وعلاقات الحب المبالغ فيها، والتي تتعارض مع تقاليد المجتمع السوري. هذه الظاهرة تزيد الضغوط على الشباب وسط تحديات الحرب والفقر، وتدعو لتعزيز الوعي بالقيم الأصيلة واتخاذ قرارات الزواج بناءً على الحب الحقيقي بعيداً عن الشهرة الزائفة.