
"الاتحاد الأوروبي" يغيّر مقاربته في سوريا: انخراط سياسي مباشر مع الحكومة الانتقالية
أكد رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، ميخائيل أونماخت، أن الاتحاد غيّر جذرياً من طبيعة حضوره في سوريا عقب سقوط نظام الأسد، متحولاً من دور إنساني بحت إلى شراكة سياسية فعلية مع الحكومة الانتقالية الجديدة.
وأوضح أونماخت، في مقابلة مع "تلفزيون سوريا"، أن الاتحاد أعاد افتتاح بعثته الدبلوماسية في دمشق بعد سنوات من الغياب، لافتاً إلى أن "العلاقات مع النظام السابق كانت محصورة في الإطار الإنساني، دون أي تواصل سياسي، أما اليوم فنحن نجري لقاءات دورية مع الوزراء ونتعاون رسمياً مع الحكومة الانتقالية".
وأضاف أن من بين الوزراء الذين اجتمع بهم كان وزير الخارجية أسعد الشيباني، إلى جانب مسؤولين آخرين من الفريق الحكومي، مؤكداً وجود نية لتوسيع التواصل ليشمل أعضاء الحكومة الجدد.
وشدد أونماخت على أن الاتحاد الأوروبي يرى في الحكومة الحالية خطوة أولى نحو بناء سوريا حديثة، داعياً إلى تمثيل حقيقي لجميع مكونات المجتمع في الهيئات السياسية والإدارية على حد سواء.
العقوبات الأوروبية: استثناءات إنسانية واستمرار للمساءلة الفردية
وفي ما يخص العقوبات المفروضة على سوريا، أكد أونماخت أن الاتحاد الأوروبي لا يستهدف الشعب السوري بالعقوبات، مشيراً إلى التمييز بين الإجراءات الفردية التي طالت شخصيات من النظام المخلوع وبين القيود العامة التي يجري تعليقها تدريجياً.
وأوضح أن العقوبات الفردية المرتبطة بجرائم وانتهاكات "لن تُرفع"، في حين يتم توسيع الاستثناءات لتشمل قطاعات حيوية كالنقل والطاقة والمصرف المركزي. لكنه أقرّ بوجود حاجة إلى مزيد من التوضيح القانوني، بسبب تصوّر البعض بأن العقوبات لا تزال مفروضة بالكامل، وهو ما يعيق بعض التعاملات.
اللاجئون والعودة الطوعية: "نضمن الكرامة أو لا عودة
وحول ملف اللاجئين، شدد أونماخت على أن الاتحاد الأوروبي يتمسك بمبدأ "العودة الآمنة والطوعية"، موضحاً أن دعم الاتحاد للاجئين مستمر سواء داخل سوريا أو في بلدان اللجوء، وذلك بالتنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأشار إلى أن شروط العودة يجب أن تراعي ضمانات السلامة والكرامة، ورفض العودة القسرية بأي شكل من الأشكال.
دعم المجتمع المدني ورؤية جديدة للعلاقة مع دمشق
أثنى أونماخت على الدور الفاعل لمنظمات المجتمع المدني السورية، مؤكداً أنها تمتلك رصيداً كبيراً من الخبرة في مجالات التعليم والصحة والإغاثة، داعياً الحكومة للاستفادة من هذه الخبرات في عملية إعادة بناء الدولة.
وأكد أن الاتحاد الأوروبي مستعد لتبادل الآراء مع الحكومة الانتقالية وتقديم الدعم لمساعدتها في مواجهة التحديات الكبرى التي خلّفها النظام المخلوع، مشيراً إلى أن الحكومة الجديدة استلمت بلداً مُدمّراً يواجه أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة بعد أكثر من عقد من الحرب.
ولفت إلى مشاركة الحكومة السورية في مؤتمر بروكسل الأخير على مستوى وزاري للمرة الأولى، حيث ناقشت مع المانحين آليات تنسيق الدعم، معتبراً أن "هذه الخطوة تعكس تغيراً إيجابياً في المشهد السوري".
مستقبل سوريا من منظور الاتحاد الأوروبي: شراكة لا وصاية
اختتم أونماخت حديثه بالتأكيد على أن الاتحاد الأوروبي يرى مستقبلاً واعداً لسوريا رغم التحديات المتراكمة، مشدداً على التزام أوروبا بوحدة وسيادة سوريا، ورفضها لأي تدخل خارجي يؤثر على مستقبل البلاد.
وكشف أن مؤتمر بروكسل الأخير شهد تعهدات مالية أوروبية بقيمة 8.8 مليارات يورو تُخصّص للسنوات القادمة في مجالات الصحة والتعليم والإغاثة، إلى جانب دراسة إنشاء صندوق خاص للتعافي المبكر بالشراكة مع الأمم المتحدة.
وأكد أن تعزيز سجل حقوق الإنسان في سوريا هو شرط أساسي لتحقيق الاستقرار والسلام، داعياً إلى تعاون فعّال مع منظمات حقوق الإنسان في ملفات شائكة كالمفقودين والمغيبين قسرياً، وختم بالقول: "نحن ملتزمون بدعم سوريا الجديدة، ونشجع الحكومة على مواصلة العمل مع المجتمع الدولي لتكريس العدالة والكرامة والشفافية".