
اكتشاف أثري يعيد معرة النعمان إلى خارطة الذاكرة التاريخية
أعلن مدير آثار محافظة إدلب، حسان إسماعيل، من خلال لقاء مصور، عن اكتشاف مقبرة أثرية في مدينة معرة النعمان تعود للعهد البيزنطي، ويُقدّر عمرها بأكثر من 1500 عام، تم العثور على المقبرة في الحارة الشمالية للمدينة أثناء عمليات حفر قام بها أحد المتعهدين، حيث بادر الأهالي بالتواصل مع إدارة الآثار، التي تحركت سريعاً إلى الموقع برفقة كامل طاقمها الفني.
المقبرة المكتشفة تضم مدفنين، ويحتوي كل مدفن على ستة معازب وهي أماكن مخصصة لوضع الجثامين، وتم تشييدها بطريقة معمارية فنية تدل على دقة وتطور العمارة البيزنطية. وأوضح إسماعيل أن وجود الصليب المحفور على أحد الجدران يؤكد الانتماء الزمني للمقبرة إلى القرن الرابع أو الخامس الميلادي، أي العهد البيزنطي. كما تظهر أقواس نصف دائرية وأعمدة وتيجان حجرية منحوتة بدقة، رغم تعرض بعض أجزاء المدفن للتخريب نتيجة الحفر العشوائي.
القيمة التاريخية لمعرة النعمان
هذا الاكتشاف ليس حدثاً عابراً، بل يعيد تسليط الضوء على الغنى الحضاري والتاريخي لمعرة النعمان، المدينة التي طالما كانت مفترق طرق للحضارات، ومسرحاً لتفاعل ثقافات متعددة عبر العصور. تقع المدينة في موقع استراتيجي بين دمشق وحلب، بالقرب من حماة، وشهدت مرور جيوش وتجار وشعراء وفلاسفة.
تُعرف معرة النعمان بكونها مسقط رأس الشاعر والفيلسوف الكبير أبو العلاء المعري، أحد أبرز أعلام الفكر في التاريخ الإسلامي. كما تعددت أسماؤها التاريخية؛ ففي العصر البيزنطي كانت تُعرف بـ"مار"، وفي العصر الروماني بـ"أرا"، وسُميت "العواصم" في العهد العباسي، ونُسبت لاحقاً إلى "النعمان"، الذي يُحتمل أن يكون إما النعمان بن بشير أو النعمان بن المنذر.
ردود فعل المتابعين: دهشة، فخر، ومطالبة بالحماية
أثار الخبر تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر الكثيرون من أبناء المدينة والمهتمين بالآثار عن دهشتهم وإعجابهم بهذا الكشف التاريخي، ورأوا فيه بارقة أمل في ظل الواقع الصعب الذي تعيشه المدينة. كما انتشرت مطالبات بضرورة حماية الموقع من أي تخريب إضافي، وتسليط مزيد من الضوء على آثار معرة النعمان، التي ظُلمت كثيراً نتيجة الحرب والإهمال.
واعتبر البعض أن هذا الاكتشاف هو رسالة رمزية قوية: فحتى تحت الركام، ما تزال المدينة تنبض بالحياة وتحمل في طياتها ملامح حضارات سادت وأثرت في مسار التاريخ الإنساني. معرة النعمان اليوم، كما في الأمس، تثبت أنها ليست مجرد مدينة، بل شاهدة على صراع الحياة والموت، وعلى قدرة الإنسان على الصمود واستعادة جذوره مهما بلغت التحديات.