يطوي جرائم مرعبة.. "الجـ ـولاني" يُلحق "الأمن العام" بـ"الإنقاذ" دون كشف مصير المغيبين!!
أعلنت رئاسة مجلس الوزراء في "حكومة الإنقاذ السورية"، إحداث إدارة باسم (إدارة الأمن العام) تتبع لـ "وزارة الداخلية" وتعمل تحت إشرافها، في خطوة لإنهاء ملف "جهاز الأمن العام" التابع لـ "هيئة تحرير الشام" ضمن عملية التفاف على مطالب التظاهرات الاحتجاجية ضد الهيئة بعد تصاعد النقمة ضد الجهاز الذي يتمتع بسطوة كبيرة أمنياً، ويتحمل جرائم كبيرة بحق آلاف المعتقلين في سجونه.
واعتبرت "الإنقاذ" في بيانها، أن هذا القرار جاء بناء على مخرجات جلسة "قيادة المحرر مع النخب الثورية الفاعلة وفعاليات المجتمع المدني بتاريخ: ٢٠٢٤/٣/١٢م)، في حين اعتبره نشطاء ومحللون أنه محاولة من قيادة الهيئة للهروب للأمام وإنهاء النقمة على "جهاز الأمن العام" الذي يُشرف على السجون والاعتقال وجرائم التعذيب والقتل، من خلال اتباعه للحكومة.
ويعتبر "جهاز الأمن العام" المُشكل عام 2020، القبضة الأمنية الحديدية التي يضرب بها "الجولاني" معارضيه، ويتمتع بسلطة كبيرة ضمن الهيئة، وارتباطه مباشرة مع قيادتها العليا، يشرف الجهاز على سجون أمنية سرية في إدلب، ويعتقل فيها الشخصيات المعارضة للهيئة من فعاليات ونشطاء وكوادر ثورية، إضافة لشخصيات أجنية من جنسيات غير سورية، وقادة داعش، بينما تشرف حكومة الإنقاذ على السجون المدنية.
تورط الجهاز الأمني خلال أربع سنوات من تأسيسه، بمئات الانتهاكات والجرائم بحق آلاف المعتقلين الذين دخلوا سجونه السرية، وكشف من كتب لهم النجاة عن انتهاكات جمة تعرض لها المعتقلون من عمليات تعذيب وقتل وإعدام، جميعها نفذت في سجون سرية، ودون محاكم قضائية، أو تدخل أي جهة أخرى فيها، بعلم وإشراف قيادة الهيئة ممثلة بـ "الجولاني".
وتغص سجون "الأمن العام" بآلاف المعتقلين، منهم مضى على اعتقاله سنوات عديدة، ولايزال مصيره مجهول لعائلته، فيما يتم الكشف بين الحين والآخر عن تنفيذ أحكام إعدام ميدانية بحق عدد من المعتقلين بتهم الاحتطاب والعمالة، دون أن تسلم جثث أؤلئك لذويهم، في جرائم متتالية، تحاول قيادة الهيئة اليوم إنهائها من خلال تغير شكلي في الجهاز الأمني وإلحاقه بحكومة الإنقاذ المدنية.
وطرح نشطاء حقوقيون عدة تساؤلات حول قرار الإنقاذ، بإلحاق "جهاز الأمن العام" بوزارة الداخلية، وعن الآلية التي سيتم فيها التعامل مع مئات الجرائم من أحداث القتل والتعذيب خارج نطاق القانون وبدون محاكمات، وعن مصير المغيبين في السجون منذ سنوات، لاسيما أن قسم كبير منهم تم تصفيتهم ودفنهم في مقابر مجهولة، وكيف ستتحمل "الإنقاذ" مسؤولية هذه الجرائم.
ولفت النشطاء إلى أن العفو العام الأخيرة، وإعلان "جهاز الأمن العام" الإفراج عن المعتقلين لديه، كان مسرحية هزلية، إذ لم يفرج عن أي من المعتقلين المغيبين في سجون الجهاز منذ سنوات، ولم يكشف مصير المئات من المعتقلين مجهولي المصير من معتقلي الرأي وغيرهم، وهل ستتمكن داخلية الإنقاذ تقديم معلومات عن مصير هؤلاء، أم أنها ستطوي الملف وتعتبره شيئ من الماضي.
ثم إن سطوة "هيئة تحرير الشام" ولاسيما أمنياً على حكومة الإنقاذ واضحة للعيان، وبالتالي فإن دخول الجهاز تحت عباءة الحكومة لن يغير في الواقع الأمني، بل على العكس، ستكون جميع الأعمال التي ينفذها الجهاز باسم الحكومة التي ستتحمل جرائم وانتهاكات جمة، قد لاتستطيع تداركها أو حلها عبر جهازها القضائي الهش.
إلى ذلك شكك متابعون بحقيقة وفعالية قرار حل "جهاز الأمن العام" بشكل جدي، ورجحت بقاء المتنفذون والأمنيين ممن يشكلون العماد الرئيسي له، وأما عن قرار التبعية للحكومة فإنّ "الجولاني" يستفيد مستقبلا من هذه الخطوة بتحميل "الإنقاذ" الذراع المدني التابع له بحال اكتشاف أي حالة تعذيب أو انتهاكات جديدة مسؤولية ذلك.
"نحو مجتمع آمن"، و"لا قضية ضد مجهول"، شعارات رنانة أطلقها الذراع الأمني التابع لـ"هيئة تحرير الشام"، خلال السنوات الماضية، ويضم عدة وحدات مخصصة لمتابعة ملفات منها 'العمالة، النظام، الخوارج، الجريمة المنظمة، قسم الأمن الداخلي، مكتب معلومات المنطقة، مراكز المراقبة اليومية، شعبة جمع المعلومات والاتصالات، مكتب الادعاء.
وترّوج معرفات إعلاميّة تتبع لـ"تحرير الشام"، لهذه الشعارات وتشيد بحالة "الأمن والاستقرار في إدلب" وكثيراً ما تُطلق مقارنات مع شمالي حلب رغم واقعيتها نسبيا تتجاهل هذه المعرفات التطرق إلى ملفات التعذيب، أو حتى وجود ملفات وقضايا فساد مالي وإداري تتعلق بعضها بالإفراج عن موقوفين مقابل "التعزير بالمال" ويكون ذلك عن طريق فرض مبالغ مالية يحددها الجهاز وطالما تكون بالدولار الأمريكي.
وفي خِضم الاحتجاجات الشعبية ضد قيادة "الهيئة"، والتي تفجرت بعد ما يعرف بقضية العملاء وما أفرزته من انقسامات و اصطفافات جديدة داخل تيارات الهيئة تسبب بها الجولاني، تداول ناشطون مقطعاً مصوراً يظهر الشيخ "أبو همام الحلبي"، قال فيه "منذ أيام عرضت عليه قضية لسيدة زوجها معتقل لدى الأمن العام منذ 6 سنوات ونصف، تسأل هل تستطيع الزواج بعد غياب زوجها هذه المدة دون أن يعرف مصيره.
وأضاف "الحلبي"، أنه كقاضٍ شهد قضايا طلاق عشرات النساء من أزواج معتقلين ومغيبين لدى الأمن العام، مشيرا إلى أنه لا يمكن للجولاني الاستجابة لمطالب "تبييض السجون" مع وجود الكثير من المعتقلين متوفين تحت التعذيب.
وأكد أن ظلم جهاز الأمن العام كبير جداً وإحدى القضايا كان قد وجهها للشرعي العام لدى تحرير الشام "عبد الرحيم عطون"، بحادثة قتل مدني خلال اقتحام للأمن العام ثم أنكر الأخير مسؤولياته قبل أن يعود منفذ القتل ويعترف بالجريمة، وعند إعادة القضية لـ"عطون" قرر دفع الدية لذوي القتيل.
ومن بين القضايا شخص موقوف علماً بأن وضعه الصحي خطير و بـ"رئة واحدة"، لا يسمح باعتقاله، وتم اعتقاله بحجة التحقيق لأيام فقط ثم توفي داخل السجن، في حين بث الناشط "توقير شريف" المعروف بـ"أبو حسام البريطاني"، مقطعا مصورا يؤكد على تعرضه للتعذيب والسجن لمرتين إحداهما بسبب تصويره أحد الجلادين في مسالخ الجولاني وسبق أن نفى الأخير وجود التعذيب في سجونه في مقابلة مع الصحفي "مارتن سميث".
وكثيرة هي الشهادات التي تؤكد وجود التعذيب وانتهاكات مرعبة وفظيعة في سجون الهيئة، منها الناجية "علاء الشريف"، زوجة المحامي "عصام الخطيب" الذي تم اختطافه من حلب وزجه رفقة الشيخ أبو شعيب المصري في سجون تحرير الشام، وطالما تقابل الهيئة كل هذه الاتهامات والشهادات وحتى التوثيق الحقوقي بالإنكار، حتى وقت قريب خرج الجولاني واعترف بوجود التعذيب ضد قادة لديه على خلفية "الخلية الجاسوسية"، فكيف بحال المعتقلين والموقوفين بتهم باطلة وغالبيتهم من أبناء الثورة السورية.
وكانت ألقت الحملة الأمنية التي شنتها قيادة "هيئة تحرير الشام"، خلال الأشهر الماضية، عبر "جهاز الأمن العام" ضد من أسمتهم "العملاء" من قياداتها وكوادرها، بثقلها على قائد الهيئة "أبو محمد الجولاني" ومشروعه، وفضحت جانباً من جرائم التعذيب التي يُمارسها أمنيوا الجهاز بحق المعتقلين حتى قيادات الهيئة في السجون السرية المظلمة.
ولاتزال تحتجز "هيئة تحرير الشام" الآلاف من أبناء الحراك الثوري السوري، في عشرات السجون الأمنية المنتشرة في مناطق ريف إدلب، في غالبيتها سجون تتمتع بالسرية ضمن الجبال، ويشرف عليها الذراع الأمني المقرب من قيادة الهيئة، ترفض الهيئة كل الدعوات لتبييض السجون من المعتقلين على خلفية الحراك الثوري وآرائهم ومواقفهم لاسيما المعارضين لتوجهات وسياسات الهيئة، علاوة عن احتجاز المئات من المهاجرين بينهم نساء وأطفال، دون أن يكون لهؤلاء الحق في الخضوع لقضاء مستقل أو حتى معرفة مصيرهم.
وفي تقرير سابق، أكدت مصادر لشبكة "شام" أن "الجولاني" بات في موقع حرج، يفرض عليه إعادة التوازن في الهيئة، من خلال إرضاء المفرج عنهم، ولن يتم ذلك إلا بمحاسبة المتورطين باعتقالهم، وتحميلهم مسؤولية الاعتقال والخروج هو بمظهر الحاكم العادل، في سياق المحافظة على هيبته التي تزعزعت بعد فضح حقيقة المخطط لتفكيك امبراطورية "القحطاني" واستغلال الحدث والتهم لهدم تيارات قوية ضمن الهيئة لصالح أخرى، لم يكن الأمر في صالح "الجولاني" الذي أجبر على لملمة القضية وإنهائها قبل الدخول في صراع وتفكك داخلي قد يُنهي مشروعه.
وتعول قيادة الهيئة على امتصاص حالة الغصب في الشارع الثوري، وتقديم الوعود بالإصلاحات، لكسب وقت إضافي وعدم توسع المشهد الاحتجاجي في عموم المناطق المحررة، في وقت بدا واضحاً أن الإجراءات التي بات يتخذها شكلية، تتمثل في تخفيف بعض القيود وإعطاء مجال للتظاهرات المضادة، مع قرارات عن حكومة الإنقاذ لتهدئة الشارع وإظهارها على أنها إصلاحات لتلبية مطلب الشارع، وإلزامه تقبلها وإنهاء حراكه.