صراع وفساد وراء أزمة "الذهب الأسود".. شام تفتح ملف "المحروقات" في سوريا
تعد المحروقات بشتى أنواعها من أبرز احتياجات المواطنين، كما أنها الوسيلة الضرورية لتأمين متطلبات عجلة الاقتصاد والإنتاج والخدمات وغيرها، ورغم الحاجة المُلّحة للمشتقات النفطية يتجاهل نظام الأسد تأمين هذه المواد، وصولاً إلى ابتزاز السكان في احتكارها وثم عرضها في الأسواق المحلية ويبرر النظام نقص المحروقات نتيجة العقوبات المفروضة عليه، وطالما كان ملف النفط أو ما يعرف باسم "الذهب الأسود" طي الكتمان لا سيّما حجم الإيرادات المالية المحققة من هذا القطاع.
أزمة خانقة على المحروقات في سوريا
اشتّدت خلال الفترة الماضية أزمة المحروقات في عموم المناطق السوريّة، وتزايدت بشكل كبير في مناطق سيطرة النظام في ظلّ قرارات صادرة عن الأخير تنص على خفض المخصصات ورفع الأسعار، الأمر الذي انعكس على تفاقم الأزمة بشكل واضح.
ويأتي ذلك ضمن سياسات ممنهجة تترافق مع مبررات غير منطقية يرّوجها إعلام النظام، ونستعرض في هذا التقرير مدى تأثير الأزمة على حياة السوريين، كما يفتح التقرير ملف واقع النفط السوري، ويكشف زيف ادعاءات النظام حول مزاعم سعيه لتأمين المشتقات النفطية.
كذبة التوريدات وحقيقة خصخصة القطاع
يزعم نظام الأسد بأنّ شح المشتقات النفطية بسبب قلة التوريدات ويعتبر ذلك إلى جانب خروج وقوع آبار النفط عن سيطرته العامل الأبرز للأزمة، إلّا أن وصول التوريدات المتكرر عبر الخط الائتماني الإيراني في سوريا، لا يحسن من الواقع شيء، علما أن "قسد" تزود النظام السوري بالنفط على حساب المناطق الشرقية.
وقبل أيام قليلة بدأت ناقة للنفط الخام محملة بمليون برميل، بتفريغ حمولتها في ميناء بانياس النفطي، فيما وصلت ناقلتي غاز حمولة كل منهما 2200 طن من الغاز المنزلي، إلى ميناء بانياس، حيث بدأ تفريغ إحداهما والثانية قيد التفريغ.
وحسب إعلام النظام الرسمي فإنّ هناك مزيد من النواقل في طريقها إلى الميناء وخلال الفترة الأخيرة تواترت الأنباء عن وصول عدة نواقل نفطية، فيما تقر حكومة النظام وجود أزمة في المشتقات النفطية، لا تزال تداعياتها مستمرة دون أي انفراجات رغم الوعود.
ويتجه النظام بعد سلسلة قرارات رفع أسعار المحروقات نحو خصخصة القطاع بشكل علني حيث أوكل إلى شركة B.S التابعة لمجموعة القاطرجي التجارية مهمة بيع المحروقات التي تستوردها للفعاليات الاقتصادية، كما يعتبر النظام الراعي الرسمي للسوق السوداء ويشرف عليها عبر شخصيات نافذة.
اكتشافات نفطية معلنة.. للروس حصة الأسد
يعلن إعلام النظام بين الحين والآخر عن اكتشافات نفطية لا سيّما في مناطق بدير الزور ودمشق وحمص، إلا أن مثل هذه الاستثمارات تذهب إلى شركات روسية، ويدعي النظام وضع آبار نفطية وغازية في الخدمة بشكل متكرر، فيما يبرر استثمار هذه الموارد من قبل شركات روسية لامتلاكها أجهزة تنقيب حديثة لا يمكن أن تكون متوفرة في سوريا، وفق تعبيره.
وأما حول تبريرات عدم وجود انعكاس إيجابي لهذه الاكتشافات يزعم نظام الأسد أن الغاز المنزلي يتألف من 70 بوتان 30 بروبان، أما الحقول المكتشفة حديثا فهي حقول ميتان ولا يشكل الغاز الذي يستخدم في المنازل منها سوى 2% أي لا توجد كميات كبيرة، بالتالي لا يوجد زيادة في الكميات.
وكان صرح وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة نظام الأسد "بسام طعمة"، بأن الأرض السورية لم يُستكمل استكشافها بعد، وذكر أن هناك مناطق مبشّرة بوجود النفط والغاز مثل المنطقة الواقعة غرب نهر الفرات.
دوريات التموين لجمع الأموال وتغطية الفساد
تلازم محطات الوقود قضايا الفساد وكان أخرها حالة الجدل المتصاعد حول محطة محروقات في حلب، وقالت وسائل إعلام تابعة للنظام إن محطة وقود مخالفة تخلصت من 300 ألف ليتر مازوت في الأراضي الزراعية قبل وصول الجمارك حلب، وسط تضارب وتشكيك من مصادر حول صحة هذه الرواية.
وتشن دوريات التموين لدى نظام الأسد حملات واسعة طالت العديد من محطات الوقود، ما أدى إلى غرامات مالية كبيرة وصلت حصيلتها إلى مئات الملايين، بحجة مخالفات والتعامل مع السوق السوداء التي باتت واقعاً وتنتشر حتى في شوارع دمشق بشكل علني، وسط إغلاق عدة محطات للوقود وتأخر وصول رسائل البنزين المدعوم والحر.
وتنعكس أزمة المحروقات على كافة الفعاليات الاقتصادية ونتج عنها إغلاق عدة منشآت في مجالات متنوعة، ويتخطى سعر ليتر المازوت 10 آلاف ليرة سورية، واسطوانة الغاز المنزلي 280 ألف ليرة وحسب بيانات رسمية يصل سعر ليتر البنزين "أوكتان 95" إلى 5,750 ليرة بينما بلغ سعر مبيع بنزين اوكتان 90 الحر 4900 ليرة للتر الواحد، ويباع بالسوق السوداء ما بين 15 – 18 ألف ليرة.
وقدر مصدر اقتصادي مقرب من نظام الأسد بأن حكومة النظام تحقق ما يصل 1,313 مليار ليرة سورية هي الإيرادات المالية المحققة من رفع أسعار المحروقات، دون الكشف عن الجدوى الاقتصادية من هذه الإيرادات لا سيّما وأن انعكاسات القرارات سلبية بحتة ولن ينعكس تحقيق الحكومة هذه الأرباح على الوضع الاقتصادي المتردي.
وتشير التقديرات بأن يمكن لحكومة نظام الأسد أن تسد بهذا المبلغ المحقق سنويا من قرار رفع أسعار البنزين والمازوت ما نسبته 27% من عجز الموازنة لعام 2023 أو أن تؤمن منذ الآن نحو 11% من إجمالي الإيرادات المالية المتوقعة في موازنة العام القادم.
المحروقات تؤجج صراع المعابر شمالي سوريا
تعاني مناطق شمال غربي سوريا من أزمة محروقات عنوانها الأبرز فشل في الإدارة إلى جانب حالة الاحتكار التي تنفذها السلطات الحاكمة في المنطقة، وخلفت هذه السياسات أزمات متلاحقة في قطاع حوامل الطاقة انعكست سلباً على الحياة المعيشية والاقتصادية للسكان في الشمال السوري.
ورفعت المديرية العامة للمشتقات النفطية التابعة لحكومة الإنقاذ في إدلب، سعر بيع اسطوانة الغاز المنزلي إلى 12 دولار و 84 سنتاً، أو ما يعادله بالعملة التركية، كما تحدد ليتر البنزين "مستورد" 1.285 دولار وليتر المازوت "الأول" 1.078 دولار فيما قالت إن سعر ليتر المازوت المخصص للتدفئة سجل 0.532 دولار.
وحاولت "الإنقاذ" خلال إعلان ترخيص عدة شركات خاصة للعمل في مجال المحروقات إلى تمييع حقيقة احتكارها للقطاع بشكل كامل، دون أن تقدم هذه الإجراءات الإعلامية أي نتائج ملموسة من حيث توفر المحروقات الجيدة بأسعار مناسبة.
وتفرض "الإنقاذ" ضرائب على المحروقات التي تدخل من مناطق ريف حلب الشمالي، فيما تعيش مناطق شمال وشرق حلب موجة غلاء المحروقات وتداعياتها التي تشهدها كامل مناطق الشمال السوري، في حين أن انتشار النوعيات الرديئة للمحروقات يشكل هاجساً للسكان مع وجود أضرار كبيرة في استعمالها لا سيّما في المجال الصناعة كما تنعكس على البيئة بشكل كبير.
وتزود مناطق الشمال السوري من المحروقات عبر استيرادها من تركيا إضافة إلى توريدات عبر معابر مع مناطق سيطرة قوات "قسد"، وتشعل المحروقات صراع محتدم على هذه المعابر بين الجهات العسكرية التي تتقاسم السيطرة في المنطقة، وينعكس ذلك بطبيعة الحال على استمرار ارتفاع أسعار المواد النفطية ناهيك عن قلة توفر النوعيات الجيدة من المحروقات.
فساد مستشري .. مناطق مصدر النفط تعاني!
قالت مصادر مطلعة طلبت عدم الكشف عن هويتها خلال حديثها لشبكة شام الإخبارية، إن تفاقم احتكار وفساد لجنة المحروقات التابعة لـ "الإدارة الذاتية"، الذراع المدنية لـ"قسد"، ألقى بظلاله على واقع المحروقات التي تعاني من انتشار النوعيات الرديئة في الأسواق المحلية.
وحسب المصادر فإن المازوت متوفر عبر المحطات وعلى بسطات للبيع، وذكرت أن المازوت المخصص للمولدات والمحطات الزراعية يبلغ سعر البرميل 19 ألف ليرة سورية أفادت بأن أبرز مصادر النفط هي آبار ضمن بادية دير الزور مثل حقل كونيكو والعمر.
ولفتت إلى أن المازوت النوع الجيد للسيارات يبلغ سعر البرميل 370 ألف ليرة سورية، مع وجود صنف أفضل "مازوت سيارات كهرباء" يصل سعر البرميل 440 ألف أي يبلغ سعر اللتر 2,000 ليرة سورية.
وأضافت أن لجنة المحروقات تقوم بتوزيع اسطوانات الغاز المنزلي للأهالي بواقع جرة غاز واحدة كل مدة 4 أشهر لمرة واحدة بسعر 8,000 ليرة سورية، أما في الأسواق المحلية سعر الاسطوانة 75 ألف ليرة سورية، فيما يتراوح سعر البنزين بين 2,000 إلى 2,500 ليرة سورية.
الحاجة تتزايد والأسعار مشتعلة.. أزمة المحروقات إلى أين؟
وسط غياب تام لأي بوادر انفراجات مرتقبة رغم تكرار النظام لهذه الكذبة عبر التصريحات الرسمية، يبدو أن واقع المحروقات يتجه نحو الانحدار لمستويات قياسية جديدة، مع قلة وشح المشتقات النفطية، وتزايد الطوابير والحاجة للمحروقات فيما يزعم نظام الأسد تحقيق نسب مرضية لتوزيع المحروقات وطالما يدعي أنه قام بتوزيع مازوت التدفئة بنسبة تفوق 50 بالمئة.
ومن بين أبرز المؤشرات على استمرار أزمة الوقود، موجة غلاء المحروقات وتداعياتها على انعدام الخدمات الأساسية، حيث يحلق المازوت والغاز عاليا، فيما تصل صحيفة البنزين الذي يقال أنه مهرب من لبنان إلى 200 ألف ليرة سورية، في تراجع واضح بعد ضخ كميات كبيرة في الشوارع، بعد أن وصلت إلى 250 ألف ليرة سورية.
وتقول وزارة النفط لدى نظام الأسد في إحصاءات رسمية صادرة عنها، إن إنتاج البلاد من النفط كان يصل يومياً، في العام 2010، إلى نحو 380 ألف برميل من النفط الخام، فيما بأن يقدر إنتاج الإدارة الذاتية من النفط وصل إلى 100 ألف برميل يومياً، مع غياب الإحصاءات الدقيقة عن إنتاج النفط هناك.
وتقارب حاجة سوريا من الغاز المنزلي شهرياً 37 ألف طن، بينما الإنتاج المحلي يقارب 10 آلاف طن، أي أن النقص الحاصل هو 27 ألف طن، كما تحتاج ما لا يقل عن 7000 طن من الفيول، بالإضافة إلى 6 ملايين ليتر من المازوت و4.5 ملايين ليتر من البنزين.