سخط واستياء شعبي بسبب تكرار حوادث إطلاق النار احتفالاً بخروج المتهمين بـ "العمالة" في إدلب
أثارت حوادث إطلاق النار المتكررة بمختلف العيارات الخفيفة والرشاشات المتوسطة، من قبل مقاتلي "هيئة تحرير الشام"، احتفالاً بخروج قادتهم من سجون الهيئة بعد أشهر من احتجازهم بتهمة العمالة لجهات خارجية، موجة سخط واستياء شعبية وفي أوساط الفعاليات الثورية بشكل واسع بإدلب.
وبعيداً عن مؤشرات عديدة تدل على أن كثافة إطلاق النار جاءت في سياق تحدي وتبادل رسائل داخلية بين تيارات الهيئة، أحدثت حوادث إطلاق الرصاص سخطا شديداً لا سيّما مع تكرارها في كل حالة إفراج من سجون الهيئة.
إطلاق النار يُثير غضب الأهالي ويهدد حياتهم!
وسط مناطق محيطة بعشرات المخيمات التي تأوي مئات الآلاف من النازحين والمهجرين، كرر العديد من مقاتلي "هيئة تحرير الشام"، إطلاق النار بشكل عشوائي في الهواء، ما أدى إلى ترهيب الأطفال والنساء وبث الخوف في صفوفهم.
وحذر ناشطون من آثار إطلاق الرصاص بالطريقة التي احتفل بها مقاتلي وأنصار هيئة تحرير الشام، والتي سببت سخط واستياء شعبي كبير، علاوة على تهديد حياة السكان بالمقذوفات المتساقطة، وعادةً ما تتسبب هذه الحوادث إلى أضرار مادية وبشرية، ناهيك عن حالة الرعب التي تنتاب الأهالي.
انتقادات غاضبة.. إطلاق النار على الجبهات أولية وتدفئة المهجرين أهم
كتب العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، منشورات عبر صفحتهم الشخصية، وكان أبرزهم منشور النقيب "محمود المحمود"، أحد مقاتلي فصيل جيش العزة شمال غربي سوريا، الذي قال: "صدعوا رؤوسنا بالحوكمة والضبط وسيادة القانون في ظل حكومة الإنقاذ الرشيدة".
وأضاف، النقيب أن أحد عناصر الفصيل أطلق طلقتين فقط لا غير في ظرف يراه مبرر في وقتها، ما دفع المحكمة العسكرية بطلب العنصر ودفع غرامة 100 دولار، وتبين أن الهيئة تزعم أن لا أحد فوق القانون وهذا القانون على الجميع وحتى على مقاتلي الجماعة.
وقدر الناشط الإعلامي "أحمد رحال"، أن ثمن 3 مخازن رصاص كفيلات بتدفئة عائلة فقيرة نازحة في المخيمات، وأضاف: "لكم أن تتخيلوا منذ عدة أيام وحتى الآن لو تم ذلك كم عائلة كانت ستحصل على التدفئة؟ إنّ الله لا يحب المسرفين".
منع إطلاق النار وغرامات بالدولار.. تعميم لا يشمل مقاتلي الهيئة؟
بتاريخ 12 نيسان 2020، عممت وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ السورية، بمنع إطلاق النار في كافة المناسبات وتحت أي ظرف أو ذريعة كانت، وفي حال المخالفة بتعرض مطلق النار للتوقيف لمدة 3 أيام ومصادرة السلاح المستخدم ودفع غرامة مالية وقدرها 100 دولار أمريكي.
وذكر التعميم أنه "يشمل المدنيين والعسكريين"، وفي الحالات التي لا تتم التعرف فيها على مطلق النار يكون صاحب المناسبة هو المسؤول عن المخالفة، وفي حال أدى إطلاق النار إلى إصابة أو ضرر يتم إحالة مطلق النار إلى الجهات القضائية أصولا.
تبريرات غير منطقية
حاولت معرفات إعلامية تتبع لـ"هيئة تحرير الشام"، امتصاص حالة الاحتقان ضد الهيئة بسبب حوادث إطلاق النار، وذلك بقولها إن عدد من المدنيين والأهالي هم من يطلقون النار فرحاً بخروج أقاربهم.
وفشلت كافة المبررات التي جرى محاولة تسويقها، ووضعت هذه الحوادث المروجين لمشروع تحرير الشام أمام موقف محرج، دفعهم إلى الانضمام إلى حالة الانتقاد لهذه الحوادث.
وفي سياق موازٍ قال الإعلامي المقرب من "تحرير الشام"، أحمد زيدان، إن "إطلاق الرصاص بالطريقة التي احتفل بها بعضهم على خروج السجناء، معيبة وإضرار بمشروع المحرر التي سهرت عليه الحكومة ووزارة الداخلية لسنوات، وأبطال جهاز الشرطة بارك الله بهم".
وتابع، "هذا العمل غير مقبول، لأنه نال من هيبة الحكومة والشرطة التي غدت محل ثقة أهالي هذا الكيان على الجميع أن يأخذ على أيدي هؤلاء الصبية، لردعهم عن أعمالهم الصبيانية ومهازلهم، فأموال الرصاص والسلاح هذا ملك للشهداء والجرحى والمشردين والمرابطين، وليس من جيوبهم".
وكانت كشفت حملات الإفراج التي تمت خلال الأيام الماضية ولاتزال مستمرة، عن حجم الحملة الأمنية التي مورست ضد تيارات عديدة في الهيئة ليس من إدلب فحسب، بل من عدة محافظات، تم خلالها اعتقال العشرات من قياداتها وعناصر ومرابطين وشخصيات أمنية، جميعهم جرى تعذيبهم وتشويه صورتهم بتهمة "العمالة"، لصالح تقوية تيارات أخرى استثمرت القضية لبسط نفوذها.
وظن "الجولاني" أن تهمة "العمالة" التي أنهى بها عشرات المكونات العسكرية، يستطيع تمريرها ضد قادة وتيارات كبيرة ضمن الهيئة كانت شريكة له فيما سبق، وتعي جيداً مخططاته والحجج التي ساقها زوراً وبهتاناً ضد تلك المكونات، ليحاول الإيقاع بها بذات الأسلوب والطريقة، فكان وبالاً عليه وأوقعه في فخ كبير، كاد أن يخلق حالة من الصراع الداخلي والاغتيالات الأمنية، والتي ستكون بداية سقوط مشروعه لامحال.
وظهر جلياً حجم الانقلاب الذي تعاطى به إعلام الهيئة الرديف كعادته، في الشيطنة بداية ثم في تجميل صورة مايجري حالياً من إفراجات والترويج لعدالة القضاء وحكمة القائد، إلا أن الهيئة فيما يبدو تسير لمرحلة جديدة لن تكون قبل "فخ العمالة"، لاسيما بعد تعزيز سطوة "الجولاني" ومركزية القرار، وإنهاء كل التيارات التي توقع أن تخرج ضده، فاعتقل قادتها كعملاء ثم أفرج عنهم وحولهم لأبطال كانوا فداء لصالح المشروع، ولربما يفرج عن "القحطاني" ذاته العميل الأكبر كما روج، لكن بعد تفكيك أذرع وتقويض امبراطوريته التي بناها لسنوات طويلة.
ويبدو أن "الجولاني" بات في موقع حرج، يفرض عليه إعادة التوازن في الهيئة، من خلال إرضاء المفرج عنهم، ولن يتم ذلك إلا بمحاسبة المتورطين باعتقالهم، وتحميلهم مسؤولية الاعتقال والخروج هو بمظهر الحاكم العادل، في سياق المحافظة على هيبته التي تزعزعت بعد فضح حقيقة المخطط لتفكيك امبراطورية "القحطاني" واستغلال الحدث والتهم لهدم تيارات قوية ضمن الهيئة لصالح أخرى، لم يكن الأمر في صالح "الجولاني" الذي أجبر على لملمة القضية وإنهائها قبل الدخول في صراع وتفكك داخلي قد يُنهي مشروعه.