ردود فعل رافضة لأساليب "تحـ ـرير الشـ ـام" في تنظيم فعاليات ثورية لتسويق نفسها
خلق المؤتمر الذي نظمته "هيئة تحرير الشام" في إدلب يوم أمس، ردات فعل رافضة للأسلوب الذي اتبعته الهيئة في تنظيم الفعالية، عبر أذرعها على أنه اجتماع ثوري لاعلاقة للفصائل به، قبل أن يظهر "الجولاني" ضمن الجموع ويلقي خطبه ويمرر رسائله من خلاله، علاوة عن مسرحية التكريم لإظهار نفسه يتمتع بشعبية واسعة في المنطقة.
وأصدرت "الهيئة العامة الثورية لمدينة حلب"، بياناً أكدت خلاله أن أمينها العام "محمد زلخة"، حضر المؤتمر الذي دعت إليه "تحرير الشام"، مؤخرا وحضره "أبو محمد الجولاني"، بصفة شخصية ولم يتم دعوة الهيئة للاجتماع، وقال "زلخة"، إنه تعرض للتضليل خلال الدعوة المقدمة له مع وجود تأكيدات بعدم حضور "الجولاني" أو رعاية "تحرير الشام"، للمؤتمر الذي انعقد أمس في إدلب.
وأوضحت الهيئة العامة الثورية، في بيانها أنها تنأى بنفسها عن المشاركة في أي مؤتمر غير واضح المعالم أو فيه شبهة انضوائه تحت لواء أي فصيل عسكري، وبينت أن على موقوفها واضح وثابت في رفض كل أشكال التبعية أو الهيمنة الفصائلية سواء بحضور مثل هذه الاجتماعات أو بتكريم من لا يستحق التكريم.
وذكرت أنها لم تتلق الأمانة العامة أي دعوة لحضور المؤتمر ولو دعيت فلن تحضر أي مؤتمر مشبوه تحت وصاية الجولاني، وقالت إن حضور "زلخة" لهذا المؤتمر كان خطأ شخصيا يتحمل نتيجته فرديا، وقد تقدم بتفسير ما حصل حول دواعي وملابسات حضوره، مع اعتذار رسمي، ووضع استقالته تحت تصرف الأمانة العامة لدراستها والبت فيها.
ونشر "زلخة"، "بيان اعتذار"، قائلا: "تمت دعوتي مؤخرا لحضور مؤتمر ثوري في إدلب من قبل بعض الثوار المعروفين الثقاة حيث أكدوا لي أن المؤتمر ثوري بامتياز، وأن المخاوف المتعلقة بحضور الجولاني للمؤتمر أو رعاية هيئة تحرير الشام للمؤتمر لا أساس لها من الصحة".
وأضاف أنه قام بحضور المؤتمر بصفة شخصية كثائر من مدينة حلب بناء على هذه التأكيدات، وتقدم "بخالص الاعتذار والأسف على وقوعي في هذا الخطأ، وأتحمل مسؤولية وتبعات هذا الحضور، وأضع استقالتي تحت تصرف الأمانة العامة".
وكانت تأسست الهيئة العامة الثورية لمدينة حلب، في عام 2013 من 120 عضو، لترتفع إلى قرابة 140 عضو، من مجالس أحياء المدينة الغربية والشرقية، وهي تُشرف على عمل مجلس المدينة وتقيّم عمله، وتقدم المقترحات الخاصة بالانتخابات وغيرها، ويخرج منها أعضاء مجلس مدينة حلب ومحافظة حلب عن المدينة.
وتواصل "هيئة تحرير الشام"، سياستها في استقطاب الفعاليات الشعبية والمدنية في المناطق المحررة، سواء الخاضعة لسيطرتها أو مناطق الجيش الوطني، متبعة بذلك وسائل عدة، تظهر التودد والرغبة في التوحد، وتخفي ورائها مشاريعها في التغلغل وتفكيك بنية القوى المعارضة لسياساتها.
وفي جديد مساعي الهيئة، للتغلغل شمالي حلب، الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطني"، تسعى الهيئة - وفق نشطاء - لكسب فئات المجتمع الثوري هناك، من خلال عمليات استقطاب للفعاليات فيها، سواء التي قبلت الولاء لها عبر الأذرع المحسوبة على الهيئة، أو الشخصيات الأخرى، مستغلة - الهيئة - ثغرة استمرار حالة التشرذم في بنية فصائل الوطني والغضب الشعبي من الخلل الأمني هناك.
وكان أثار مؤتمر حمل عنوان "المؤتمر الثوري لأهالي حلب الشهباء"، الذي انعقد أمس السبت 27 أيار/ مايو، في إدلب، برعاية "هيئة تحرير الشام" جدلاً واسعاً في أوساط الفعاليات والنشطاء، لاسيما أبناء محافظة حلب، من خلال عملية استدراج للنشطاء والفعاليات المدنية شمالي حلب، لحضور المؤتمر على أنه لايرتبط بأي جهة عسكرية، قبل أن يظهر " أبو محمد الجولاني" قائد الهيئة وسط الجموع.
ولعل أكثر ما أثار الجدل، هو تصريحات "الجولاني" أمام الجموع التي تضم معارضين له، وخصوم معروفين سابقاً، منهم من حاربهم وطردهم لشمالي حلب وأنهى مكوناتهم، حيث قال "الجولاني" خلال الفعالية أن (حلب هي بوابة الشام، ويجب التركيز عليها)، ولعل مسرحية تكريمه كانت الأشد وقعاً على نشطاء حلب الذين استنكروا هذا الفعل وعبروا عن رفضهم لهذا التصرف.
وضمن عملية استقطاب محمومة للفعاليات المحلية دعت جهات مقربة من "تحرير الشام"، للمؤتمر وذلك على غرار مؤتمرات مماثلة كان أخرها في آذار/ مارس الماضي تحت عنوان: "المؤتمر الثوري للمحافظات الشرقية"، الذي حضره "الجولاني"، وألقى كلمة مجددا الوعود الكثيرة بالتحرير وبناء المؤسسات.
وقال "الجولاني"، إنه "خلال السنة القادمة أو السنتين سيكون هناك تغيير جذري على واقع المعركة في الثورة السورية، مع كل هؤلاء الأعداء، وأن الجاهزية العسكرية في أعلى مستوى"، وفق مقتطفات مصورة نشرتها معرفات تابعة لإعلام "تحرير الشام"، يرى فيها سعي الأخيرة على السيطرة على شمالي حلب، ماهي إلا تصريحات متكررة كان أدلى بها قبل سقوط ريف حماة وإدلب قبل سنوات.
وأضاف "الجولاني"، أن الثورة السورية قوية ومتينة، وقامت خلال السنوات الماضية، على بناء مؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية والتعليمية والاقتصادية والقضائية، وأن الثورة تعيش عصرها الذهبي، وأثار ظهوره مكرماً حالة من الجدل والاستهجان لا سيّما من قبل أبناء محافظة حلب وثوارها، حيث استغل الجولاني المؤتمر للتمهيد لتوسيع نفوذه شمالي حلب، حسب متابعين.
وانتقد ناشطون تكريم الجولاني بتقديم درع له باسم مدينة حلب، وقال الباحث عباس شريفة: "في أعراف وتقاليد التكريم، يكرم الإنسان بعد أن يقدم إنجازا يستحق عليه التكريم، فماذا قدم الجولاني لمدينة حلب حتى يقدم له درع باسم المدينة، هل هو تكريم معجل على إنجاز لم يأت بعد؟!".
وقال القيادي في الجيش الوطني السوري، "الفاروق أبو بكر" مخاطبا "الجولاني"، إن "حلب أكبر منك ومن يلي كرمك" وقال عمير شعبان، "أنا الثائر عمير شعبان من حلب الشهباء، أؤكد بأني أستنكر تكريم أبو محمد الجولاني باسم حلب والذي حصل اليوم، وأن الذين قاموا بتكريمه لا يمثلونني ولا يمثلون ثورتي".
بالمقابل قال "أبو مارية القحطاني"، القيادي في "تحرير الشام"، "تشرفت اليوم بحضور مؤتمر حلب الشهباء، وسررت أن أكون بين أهلي وبين إخواني المجاهدين والثوار من الشهباء الحبيبة وأتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساهم بدعم هذا المؤتمر وكل من حضر".
وحسب مخرجات المؤتمر الثوري الذي جاء تحت عنوان "عبق الماضى ووعد المستقبل"، فإن "السلاح خيار الثورة الأول لتحقيق النصر وإسقاط النظام المجرم فعلينا الحفاظ عليه من الارتهان ومن استخدامه فيما بيننا، وعلينا أن نصونه وتحسن استخدامه وتوجيهه ضد عدونا المجرم".
وتشير مخرجات المؤتمر إلى أن "وحدة الصف أولى خطوات النصر، لكي نمضي بثورتنا ونحفظ تضحيات شهدائنا وحلب الحرة تنتظر أبناءها المهجرين في الداخل ودول الشتات، فلنعمل من أجلها ولنكمل مسيرة التضحية والفداء، كما شدد على وجوب مواجهة التغيير الديمغرافي الإيراني في حلب، وفك قيد الأسرى.
ووفق متابعين، فإن "الجولاني" يَحمل تاريخاً مثقلاً بالانتهاكات و"البغي" على الثورة السورية ومكوناتها، ولايزال يحاول تقديم نفسه على أنه حامل لواء الثورة والحريص عليها، متبنياً خطاباً مغايراً تماماً لما بدأ فيه مسيرته "الجهادية"، منقلباً على كل مبادئه ومعتبراً مشروعه هو "مشروع الثورة الوحيد" الذي يجب أن يفرضه على الجميع بقوة السلاح.
ولطالما طالبت الفعاليات المدنية، من الفصائل العسكرية على رأسها "هيئة تحرير الشام"، عدم الركون للاتفاقيات الدولية، والعمل على استعادة المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام، لكن تلك الدعوات لم تلق آذاناً صاغية.
وأثبت "الجولاني" بشكل جلي أن جميع وعوده بالتحرير ذهبت أدراج الرياح، وأن الإعداد العسكري ليس إلا لضرب الفصائل وزيادة الهيمنة على المحرر وتملك موارده، وتعمد الجولاني الخروج الإعلامي ضمن سلسلة متواصلة من الظهور المكثف الساعي إلى إظهاره بوجه إنساني قريب من الحاضنة الشعبية وفق سياسة كشفتها آلية الظهور بمظهر الحريص رعاية مصالح السكان.
وكان "الجولاني" بدأ مرحلة إعادة تسويق نفسه كشخصية مقربة من الفعاليات الإعلامية الثورية حيث عقد سلسلة لقاءات سرية مع نشطاء وفعاليات مدنية، لتجميل صورته، والظهور بمظهر الحريص على المنطقة، وأنه يعمل على إشراك الجميع ومشاورتهم في قراراته.
يشار إلى أن حملة الترويج والإعلان تتواصل لقيادة "تحرير الشام" متمثلة بشخص "الجولاني" صاحب الشخصية البراغماتية المتحولة في الأفكار والأيديولوجية، لتسويقه بوجه جديد، وتظهره بموقع قريب من الحاضنة الشعبية، واليد القابضة على كل ماهو في الشمال المحرر، من خلال سلسلة لقاءات واظب على عقدها مؤخراً، ترافقه عدسات الكاميرات، لإيصال رسائل داخلية وخارجية معينة.