نافياً الخلاف على السلطة.. "الجـ ـولاني" يتوعد من يتجاوز "الخطوط الحمراء"..!!
قالت وسائل إعلام تابعة لـ"هيئة تحرير الشام"، يوم أمس الثلاثاء 12 آذار/ مارس، إن زعيم الهيئة "أبو محمد الجولاني"، عقد اجتماعاً مع "القوى الثورية والمؤسسات العامة وفعاليات المجتمع المدني"، وذلك لـ"مناقشة الأحداث الأخيرة"، وبثت صورا ومشاهد من الاجتماع.
وظهر "الجولاني"، منفعلاً في حديثه من الحراك الشعبي المستمر ضده حيث حذر المتظاهرين في تهديد مبطن، بقوله "هناك مطالب أعتقد أن الوقت لا يسمح لها الآن، وستؤثر على مسار حياة عامة الناس، وهناك حد وخطوط حمراء في المحرر، يجب أن يعيها الجميع، أرجو أن لا يصل أحد إليها".
ورغم عدم ذكره هذه "الخطوط الحمراء" صراحةً إلا أنها فسرت كتهديد واضح في حال استمرار المحتجين بالحراك ضده، معتبرا أن هناك أطراف تسعى إلى خراب المحرر، داعيا المتظاهرين إلى كف يد هؤلاء، وأضاف مهدداً ومتوعداً "في حال تدخلنا سنتدخل بشكل شديد"، على حد قوله.
وتابع في حديثه، "لم نسمح لأحد على الإطلاق أن يمس المحرر بسوء، وما وصلنا إليه من مكتسبات بالمحرر لن نعود فيها إلى الخلف والمربع الأول، كونها تمت بالدماء والأشلاء والتضحية"، واعتبر أنه بحال طبق المطالب المتفق عليها يجب الانتباه والعيش بأمان وسلام في المحرر.
وقال "الجولاني"، هناك جهات "لم يسمها" متضررة من انضباط المحرر وتريد العودة إلى الخلف في ظل استغلال بعض المطالب المحقة، والحادثة الأخيرة في إشارة إلى "قضية العملاء"، وأضاف: "بعد هذا المجلس أرجوا أن يكون تم حل الأمر، بالنسبة للمطالب والتجاوزات خلال التحقيقات الأخيرة".
وخاطب الحضور وبينهم شخصيات حكومية وإعلامية وقادة من الجناح العسكري ووجهاء بقوله، "ليس الأمر بالعبث، وطالبهم بتنبيه كل من خلفهم بأن لا يصلوا إلى الخطوط الحمراء المرسومة في المحرر، معتبراً أن "الخط الأحمر، هو أن تمس الثورة السورية المباركة بضرر كبير".
ولم يتجاهل "الجولاني"، المطلب الأساسي للحراك وهو إسقاطه إلا أنه راوغ خلال تطرقه لهذا الموضوع قائلا: "ليس هناك خلاف على السلطة، تستطيعون من مجلسكم هذا الآن، الاتفاق على شخص يسمع له غالبيتكم، بنسبة 60_70%، وأنا أسلم له كل ما لدي لقيادة المحرر إلى بر الأمان".
واشترط بالقيادة الجديدة السير بضوابط مشيراً إلى أن الحضور يمثل كافة شرائح المجتمع، وذكر أنه تم دعوة كل من يستطيع دعوته ومن تخلف يتحمل مسؤولية ذلك، وكرر "الجولاني"، ظهوره بعد إثارة قضية العملاء والاحتجاجات ضده، إلا أنه المرة الأولى يرسل رسالة التهديد بشكل مباشر، وسط مؤشرات على محاولة ترهيب المتظاهرين ومخاوف من قمعهم بالقوة.
وتداولت معرفات إعلاميّة تتبع لـ"تحرير الشام"، ما قالت إنها مخرجات وقرارات اجتماع القوى الثورية وقيادة المحرر، منها "تشكيل مجلس استشاري أعلى يتألف من أهل الرأي والاختصاص والكفاءة العلمية ينظر في السياسات والقرارات الاستراتيجية في المناطق المحررة".
يُضاف إليها "دعوة مجلس الشورى لإجراء انتخابات مبكرة وإعادة النظر في القانون الانتخابي وتعزيز الدور الرقابي لمؤسسة الشورى لنزاهة المؤسسات التنفيذية العاملة وتمكين الحكم الرشد".
وإعادة تشكيل جهاز الأمن العام ضمن وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ وإنشاء ديوان المظالم والمحاسبة وجهاز رقابي أعلا، وإعادة النظر في السياسات الاقتصادية ومكافحة الفساد ومنع الاحتكار إضافة إلى تفعيل دور المجالس المحلية والنقابات المهنية.
وبات المشهد أكثر تعقيداً أمام قيادة "هيئة تحرير الشام"، بعد مغامرة غير محسوبة النتائج وقعت بها فيما عرف بـ "قضية العملاء"، والتي خلقت شرخاً واسعاً في بنية الهيئة عسكرياً وأمنياً، وشجعت الحاضنة الشعبية المكبوتة على الخروج علانية في الشوارع تطالب بسقوط "الجولاني"، الأمر الذي استدعى حراكاً واسعاً من قبل شخصيات في الهيئة لتدارك الموقف ومنع الدخول في دوامة لارجعة فيها.
فلم تكن المظاهرات الشعبية التي خرجت خلال الأسبوع الفائت في عدة مدن أبرزها "إدلب - بنش - تفتناز - سرمدا - دارة عزة - الأتارب" بحدث عابر، إذ أنها بداية الثورة الشعبية ضد سلطات الأمر الواقع في إدلب ممثلة بـ "هيئة تحرير الشام" ومؤسساتها الأمنية والمدنية، والتي جارت النظام في تسلطها وممارساتها وقهرها للحاضنة الثورية في المنطقة.
ولعل الاعتقالات التي نفذتها الهيئة خلال أشهر ضد قياداتها وعناصرها، والتهم التي روجت ضدهم بالعمالة، ثم رضوخ الهيئة والإفراج عنهم، بعد صراعات داخلية بين تيارات مكونة للهيئة، كانت بداية النهاية لكسر حاجز الخوف والرعب الذي أوجدته الهيئة وزرعته في نفوس المدنيين، من خلال قبضتها الأمنية، وتسلطها على أرزاق وقوت الشعب، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ "الجولاني" يحاول جاهداً الخروج من هذا المستنقع بأقل الخسائر.
وتتعدد الخيارات المطروحة أمام قيادة الهيئة لتدارك الموقف، وتهدئة الحاضنة وإرضاء العسكريين المفرج عنهم، بدأت بالإعلان عن اعتقال عدد من الأمنيين من التيار المضاد، بعد تحميلهم مسؤولية الفوضى التي حصلت في الاعتقال والتورط بالتعذيب، ترافق مع إفساح المجال للمفرج عنهم للاحتفال وإثباء براءتهم أمام عناصرهم وحاضنتهم.
ووفق مارصدت شبكة "شام"، فإن قيادة الهيئة سارعت عبر بعض الشخصيات في المكتب السياسي أبرزهم "زيد العطار أبو عائشة"، والعلاقات الإعلامية، لتنظيم دعوات مكثفة خلال الأسبوع الجاري وعقد لقاءات مع الفعاليات المدنية والإعلامية ممن قبل الحضور، وطلبت منهم طرح جميع المشكلات والاقتراحات والحلول، متعهدة بتنفيذ مايمكن.
وقالت مصادر عدة لـ "شام" إن الكثير من النقاشات جرت خلال جلسات عديدة، تم التطرق فيها للمعتقلين في السجون وفساد الإدارة المدنية والقضائية وتسلط القوى الأمنية، كما تم التطرق لمسألة تقييد النقابات والفعاليات المدنية والأهلية، وضرورة ابتعاد الهيئة كفصيل عسكري عن المؤسسات المدنية، أيضا طرحت مطالب بضرورة ابتعاد "الجولاني" شخصياً عن قيادة المحرر، وانتخاب قيادة من شخصيات مقبولة لتتولى إدارة المرحلة، على أن يكون موقعه ضمن الهيئة شأن داخلي بها كفصيل عسكري.
وذكرت بعض المصادر من داخل الهيئة، أن هناك نية لامتصاص حالة الغضب الشعبية، وكان هناك توافقاً على إفساح المجال أمام المظاهرات الشعبية وعدم الاعتراض لها في المرحلة الراهنة، لأن أي تعرض للمظاهرات سيكون له أثراً معاكساً ويزيد من اشتعالها، مع بعض التحركات التي برزت لتشويه صورة هذا الحراك من خلال ربطه بمظاهرات حزب التحرير تارة، أو توجيهه لرفع مطالب محدودة لاتتعدى الإصلاحات.
وأوضحت المصادر لشبكة "شام" أن الحل الأمني ليس مطروحاً في المرحلة الحالية، نظراً لإدراك الهيئة أن "جهاز الأمن العام" بات في موقع الاتهام، بعد فضح ممارسات القتل والتعذيب في السجون، وتكشف الوجه الحقيقي لأمنيي الهيئة، أمام كوادرهم وقياداتهم أولاً والحاضعة الشعبية في المرتبة الثانية، فكان العفو العام عبارة عن تهدئة للشارع وتمييع لملف التعذيب والاعتقال.
وذكرت المصادر، أن "الجولاني" يحتاج لوقت لإعادة كسب ولاء التيارات المتخاصمة في الهيئة، وضمان عدم خروج أي منها عن سلطته، لأنه سيكون أمام خيارات ضيقة في التعامل معها، مع تعذر استخدام القوة العسكرية لضعف موقفه في خلق المبررات لذلك، وبالتالي فإن إعادة ترتيب الصف الداخلي أولوية بالنسبة له حالياً.
في سياق متصل، يريد "الجولاني" ألا تتعدى مطالب التظاهرات الشعبية حدود الإصلاحات وبعض المطالب في الإدارة المدنية وملف المعتقلين والوضع الاقتصادي والمعيشي، ومن هنا كان رد الشخصيات المكلفة بلقاء الفعاليات أن مطلب إبعاد "الجولاني" في الوقت الراهن غير ممكن التحقيق وعللت ذلك بـ "عدم وجود بديل".
وتعول قيادة الهيئة على امتصاص حالة الغصب في الشارع الثوري، وتقديم الوعود بالإصلاحات، لكسب وقت إضافي وعدم توسع المشهد الاحتجاجي في عموم المناطق المحررة، في وقت تلمح مصادر "شام" إلى أن "الجولاني" لن يقف مكتوف الأيدي في حال خرجت الأمور عن السيطرة، وأنه مستعد لإدخال المنطقة بحالة فوضى عارمة من عمليات تفجير واغتيال وتسلط اللصوص وقطاع الطرق، يجبر الحراك على خيارات ضيقة في الاستمرار أو الفوضى.