إزالة الدمار ورفع الأنقاض.. أكذوبة تفضحها أكوام الركام في سوريا
تعد المباني المدمرة من أبرز شواهد إجرام نظام الأسد الظاهرة للعيان خلال حربه ضد الشعب السوري، وكانت نِتاج لعملية تدمير ممنهجة أتت على مدن وبلدات والبنى التحتية والمرافق، وعمد النظام إلى استغلال هذا الدمار وكثافته في المناطق التي كانت خارجة عن سيطرته بعدة نواحي، أهمها تعزيز نفوذه وتمكين حالة التغيير الديمغرافي.
ويستغل النظام الدمار أيضاً، للمتاجرة والتسويق له سياسياً ضمن محاولات كسب أموال إعادة الإعمار، وكذلك يعمل النظام السوري على سياسة تقوم على العقاب الجماعي حيث يمنع الترميم وترحيل الأنقاض ويفرض قيود كبيرة بهذا الشأن بذرائع وحجج واهية.
وتسلط شبكة شام الإخبارية، الضوء على كذبة رفع الأنقاض التي تشدق نظام الأسد بها لسنوات طويلة، وتبيّن حقيقة مزاعم إزالة الأنقاض والردميات الناتجة عن القصف المتكرر الذي طال العديد من المحافظات السورية وحول مدن بأكملها إلى أثر بعد عين.
ما حقيقة إزالة أنقاض المدن المدمرة بقصف النظام؟
منذ العام 2011 يزعم نظام الأسد في أعقاب إعلان سيطرته على مناطق جديدة عن المباشرة في عمليات رفع الأنقاض وترحيل الركام، لكن الواقع يُكذب كل هذه المزاعم، وتشير وزارة الإدارة المحلية والبيئة في حكومة النظام السوري إلى إزالة وترحيل الأنقاض خلال السنوات العشرة الماضية.
وتتوزع مثل هذه الإعلانات الرسمية على المحافظات التي شهدت عمليات عسكرية النظام وحلفائه، ويلف آلية تنفيذها غموض مريب، إذ يقتصر البيان الرسمي على ذكر المكان وحجم الركام المزال، وذلك وفق عقود لترحيل الانقاض تتضمن قضايا فساد بملايين الدولارات بطبيعة الحال في إطار الدوائر الحكومية ومجالس المحافظات الخاضعة لسيطرة النظام السوري.
ويدعي نظام الأسد الانتهاء من حملات ترحيل الأنقاض، وعلى سبيل المثال زعم انتهاء تنفيذ مشروع إزالة الركام من حي الحويقة بديرالزور عقب إعلان ترحيل نحو5 آلاف متر مكعب من الأنقاض في شباط 2021، علما أن الحي جرى اقتحامه من قبل النظام خلال العام 2017، ومنذ ذلك الحين تستمر ظاهرة انتشار الأنقاض والركام دون أن يتم العمل على إزالتها رغم الإعلانات المتكررة بهذا الخصوص.
تجارة الركام.. النظام يستغل حطام المنازل التي دمرها
يحاول إعلام النظام الرسمي الظهور بمظهر المهتم بملف إزالة الأنقاض، مستغلا ذلك ليس لتنفيذ مشاريع لرفع الركام على أرض الواقع بل لرفد خزينته بالأموال حيث يعمد إلى توقيع مشاريع وهمية لترحيل الأنقاض ويستقطب بذلك مبالغ مالية طائلة إذ تتم هذه المشاريع بتمويل غير حكومي، مثل مشروع أنقاض داريا الذي تم بدعم من منظمة إسعاف أولي الدولية (PUI) وبعضها بتمويل جهات ومنظمات غير حكومية.
ومع عدم ظهور نتائج فعلية لإعلان النظام إزالة مئات آلاف الأمتار المكعبة من الأنقاض، يظهر جلياً استغلال الدمار والركام للمتاجرة العلنية، في حين يؤكد سكان أحياء شهدت حالات الدمار بأنّ ميليشيات النظام تعمد إلى سرقة الحديد من الأبنية السكنية بعد تفجيرها، حيث لم يسلم الدمار من تعفيش نظام الأسد.
ويتخلل ذلك حديث مسؤولي النظام عن العمل على إعادة تدوير الأنقاض وشدد نظام الأسد عبر المجالس المحلية في المناطق التي سيطر عليها خلال السنوات الماضية، على منع القيام بأي عمل ترميم المنازل والمحلات التجارية المدمرة إلّا بموافقة مسبقة من جهات رسمية.
الواقع يُكذب الوعود.. الأنقاض جاثمة منذ سنوات وترهق السكان
يعاني السكان في مناطق سيطرة النظام السوري، من انتشار الأنقاض والركام ضمن المناطق السكنية، ولا يقدم نظام الأسد بعد أن دمر المنازل وتجاهل الركام وعمل على استغلال ذلك والمتاجرة وسرقة ما بقي من المباني المدمرة، إلا الوعود فقط.
وتنعكس حالة انتشار الأنقاض على الحياة اليومية للسكان بعد أن أصبحت تجمعاً لرمي القمامة، والتي تسببت بانتشار القوارض والحشرات بشكل كبير، ويتجاهل النظام هذه المخلفات بشكل متعمد، في ظل تصاعد الشكاوى تبقى حبيسة مواقع التواصل الاجتماعي.
بالمقابل يرد مسؤولي النظام على هذه الشكاوى بقولهم إن "ترحيل الأنقاض يحتاج إلى ميزانية كبيرة جداً وليس لدينا القدرة لترحيلها"، وسط مزاعم تتحدث عن "رفع كشوفات تقديرية لإعادة الإعمار، لإزالة تلك الأنقاض، وفور مصادقة تلك العقود وإيفاد البلدية بجهات مانحة، سيتم ترحيلها".
الزلزال يقدم خدمة للنظام.. الأخير يستغل الكارثة لهدم الأبنية المتصدعة بالقصف
مع غياب الأرقام والحصائل الرسمية الدقيقة حول خسائر الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري في 6 شباط/ فبراير الجاري، عمد نظام الأسد إلى استغلال الكارثة على كافة الأصعدة، لا سيّما بما يتعلق بالتغطية على قصف النظام وحلفائه على الأحياء السكنية.
وشرع نظام الأسد خلال الأيام الماضية في استغل الزلزال المدمر لتبرير هدم عشرات المنازل المتصدعة في أحياء حلب الشرقية، وذلك خدمةً لمصالح ميليشيات إيرانية تعمل على تهجير سكان المنطقة، وحسب إعلام النظام فإنّ 54 مبنى انهار بشكل بشكل فوري جراء الزلزال في حلب، فيما جرى حتى لحظة إعداد هذا التقرير إسقاط 253 بناء بمناطق متعددة.
ويقدر النظام عبر تصريحات رسمية أن "عدد الأبنية التي تهدمت بالكامل في حماة وصل إلى 20 مشيرا إلى الكشف على 6500 مبنى و50% منها متصدعة في المحافظة وسط سوريا، وأما في اللاذقية ادعى نظام الأسد الانتهاء من رفع الأنقاض من 103 مواقع ضربها الزلزال في المحافظة، وسط ارتفاع عدد الأبنية المنذَرة بإخلاء مقيميها في مناطق سيطرة النظام.
الزلزال يعمق جراح التدمير.. النظام المستفيد الوحيد
وانتشرت في الآونة الأخيرة مقاطع مصورة تظهر هدم نظام الأسد للعديد من المباني المتصاعدة في محافظة حلب، وسط تأكيدات حول قيام النظام بهدم الكثير من الأبنية والمنازل التي سبق أن تضررت بالقصف.
ويبرر نظام الأسد إسقاط عشرات المنازل بمناطق متعددة مثل قاضي عسكر، النيرب، الصالحين، الفردوس، الأنصار الغربي والشرقي، السكري، ميسلون، بستان الباشا وغيرها، ويشير إلى وجود الكثير من الأبنية بحاجة للإسقاط، ويدعى ترحيل الأنقاض إلى تجمّع مؤقت للأنقاض.
الشمال السوري يكابد عناء انتشار الأنقاض
أسوة بكافة المناطق المحررة من قبضة النظام السوري تعرضت مناطق الشمال السوري، للكثير من حالات القصف الوحشي، ونتج عن ذلك أطنان من الركام وحطام المنازل التي تزداد مع تكرار القصف من قبل ميليشيات النظام وحلفائه ضد المناطق المحررة.
ونفذ منظومة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) آلاف العمليات الخدمية تضمنت ترحيل الركام ضمن عدة مشاريع لرفع الأنقاض، وتعد أنشطة المنظومة من أبرز عوامل التخفيف من مشاهد انتشار الدمار والركام بين الأبنية السكنية في الشمال السوري.
ويظهر نشاط الدفاع المدني السوري خلال الاستجابة لكارثة الزلزال في الشمال السوري، حجم الجهود المبذولة في هذا الإطار حيث أدت مهامها بصورة ملحمية بطولية ضمن عمليات الإنقاذ وإزالة الأنقاض.
المحافظات الشرقية .. منسية بين أكوام الركام!!
تعاني عدة محافظات في شمال وشرق سوريا، من انتشار الأنقاض والركام ضمن مساحات واسعة لا سيّما في مناطق دير الزور والرقة، وقال مصدر محلي في حديثه لشبكة "شام"، إن بالنسبة للدمار في المنطقة الشرقية خاصة ديرالزور عانت من حجم دمار كبير بسبب المعارك والعمليات العسكرية وكان أعنفها بين التحالف من جهة وتنظيم الدولة من جهة أخرى، لافتا إلى أن أكثر منطقة تضررت في دير الزور هو الخط الشرقي بشكل عام.
وأشار المصدر ذاته إلى أن مناطق الباغوز والقرى المحيطة بها تعاني من انتشار الأنقاض وتراكم الركام بشكل ملحوظ، وقدر نسبة الدمار في قرى "الباغوز - السفافنة - حويجة المشاهدة - العرقوب"، بنسبة تصل إلى 80 %، منوها إلى تفاوت نسبة الدمار في باقي مناطق دير الزور، التي لا تزال تشهد حتى اللحظة آثار الحرب من ناحية الأبنية المدمرة وغيرها.
بين تجاهل قسد وعجز الأهالي.. الدمار باقٍ دون ترحيل
أكدت مصادر محلية عدم وجود عمليات ترحيل الأنقاض في المنطقة الشرقية من قبل الجهات والفعاليات المعنية، وتقتصر بعض هذه العمليات على قيام الأهالي بترحيل الأنقاض لكن بعمليات تكاد لا تذكر، رغم تأكيد المصدر على عدم وجود قيود على رفع الأنقاض إلّا أن حجم الدمار وتكلفة ترحيل الأنقاض تفوق قدرة الأهالي وسط غياب تام للسلطات المحلية في إشارة إلى "الإدارة الذاتية"، في شمال وشرق سوريا.
وبيّن أن من أبرز العوائق التي تمنع الأهالي من رفع الأنقاض، ضعف الحالة المادية وتدهور الوضع الاقتصادي، يُضاف إلى ذلك الخوف من وجود جثث أو ألغام تحت الانقاض، وتشير مصادر على سبيل المثال إلى أن منطقة "الباغوز" تعد المتضرر الأكبر في المنطقة من حيث انتشار الأنقاض والدمار وآثار الحرب التي دارت رحاها في المنطقة.
ومع عجز الأهالي وصعوبة التخفيف من آثار الحرب تفاقم حالة انتشار الدمار والركام وتعد أنقاض المنازل مشكلة يعاني منها الأهالي بسبب منظرها أولاً ومن ثم الخوف والهلع من احتوائها على جثث إضافة إلى المخلفات الحربية وغيرها أيضا لم يتم ترحيلها أو التعامل معها، وتشير تقديرات تضرر ما لا يقل عن 12,781 مبنى في الرقة، و6,405 في ديرالزور ما يكشف عن حجم نسبة الدمار في المنطقة.
مع تزايد الترويج الكاذب.. حجم الدمار لا يتقلص!
كشفت دراسة مسحية أعدها معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (UNITAR)، بوقت سابق عن حجم الدمار في سوريا أكدت أن حلب أكبر المدن المتضررة جراء القصف، حيث وصل عدد المباني المدمرة فيها إلى نحو 36 ألف مبنى، تلتها الغوطة الشرقية بـ 35 ألف مبنى مدمر.
وجاءت حمص في المرتبة الثالثة بـ13778 بناء، ثم الرقة 12781 بناء مدمراً، ثم حماة 6405 بناء، ودير الزور 6405 أبنية، بالإضافة لمخيم اليرموك 5489 بناء، وفي مارس/ آذار من العام 2022 الماضي، قال وكيل الشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة، مارتن غريفيث، إن "الدمار الذي شهدته سوريا لا مثيل له في التاريخ المعاصر".
وقدرت الأمم المتحدة خلال العام 2018 كلفة الدمار في سوريا بنحو 388 مليار دولار، ويمثل هذا الرقم حجم الدمار في رأس المال المادي، فيما ويروج إعلام النظام الرسمي ووسائل تتبع لحلفائه الروسي والإيراني مرارا وتكرارا أعمال رفع الأنقاض وإزالة السواتر الترابية في مناطق عدة منها حلب الشرقية والغوطة بدمشق وعدة أحياء بحمص لكن الواقع يبين ما يفند هذه الكذبة المفضوحة إذ لا تزال الأنقاض وحالة الدمار وسط عمليات ترحيل تكاد لا تذكر مقارنة بترويج النظام الإعلامي لها.