إرث قاتل يحصد الأرواح ويهدد الأجيال .. ما حقيقة إزالة مخلّفات الحرب بسوريا..؟!
إرث قاتل يحصد الأرواح ويهدد الأجيال .. ما حقيقة إزالة مخلّفات الحرب بسوريا..؟!
● أخبار سورية ١١ مارس ٢٠٢٣

إرث قاتل يحصد الأرواح ويهدد الأجيال .. ما حقيقة إزالة مخلّفات الحرب بسوريا..؟!

تنتشر مخلفات الحرب بمختلف أنواعها ضمن مناطق واسعة في سوريا، وتشكل خطراً كبيراً على حياة السوريين ضمن مناطق انتشارها، لا سيّما في المناطق التي شهدت عمليات عسكرية وقصف مكثف من قبل قوات النظام السوري وحلفائه، وتتلقف هذه المخلفات أرواح المواطنين في ظلّ غياب الإجراءات الفعالة لإنهاء هذه المعاناة التي تحصد أرواح المدنيين باستمرار.

ويعد من أبرز مصادر مخلفات الحرب التي تُنهك السوريين وتحول حياتهم إلى رعب وهلع دائم، قصف نظام الأسد وروسيا لمناطق سكنية واسعة بشتى أصناف الأسلحة التي لا تزال تهدد حياة السكان مثل القنابل العنقودية وغيرها، ناهيك عن زرع الألغام وانتشار القنابل والذخائر غير المنفجرة.

 

كذبة من العيار الثقيل.. النظام ينزع مخلفات الحرب!

حاول نظام الأسد خلال السنوات الماضية إظهار نفسه بمظهر المهتم بملف إزالة مخلفات الحرب، إلّا أن تكرار حوادث انفجار هذه المخلفات تفضح كذبة النظام الذي بات يتشدق بحديثه عن جهود مزعومة حول إزالة الألغام والذخائر غير المنفجرة، وفق مزاعم وادعاءات يرّوجها إعلام النظام الرسمي.

ودون أي مهام أو نتائج فعلية على أرض الواقع، شكّل نظام الأسد ما يسمى "اللجنة الوطنية لنزع الألغام"، التي اجتماعها الأول في العام 2022 الماضي، برئاسة وزير الخارجية "فيصل المقداد"، ورغم أن تاريخ إعلان اللجنة يأتي عقب سنوات على اجترار إعلام النظام لكذبة العمل على إزالة الألغام ومخلفات الحرب، كررت مخرجات اللجنة الكذبة المفضوحة ذاتها.

وزعم "المقداد"، أنّ "الفضل الأساسي في جهود تطهير المناطق الملوثة بالألغام يعود لجيش النظام الذي ضحى لإنقاذ حياة السوريين"، وقدر إزالة أكثر من 50 ألف عبوة ناسفة و84 ألف قذيفة غير منفجرة و45 ألف لغم متنوع وطهر أكثر من 55 ألف هكتار من الأراضي السورية من الألغام والذخائر المتفجرة.

 

"الكمأة" يفضح مزاعم إزالة المخلفات.. ضحايا بالجملة

تكررت في الآونة الأخيرة حوادث انفجار مخلفات الحرب وتزايدت في ظل بحث الأهالي عن فطر الكمأة في مناطق البادية السوريّة، ومع تسجيل عشرات الحوادث التي أسفرت عن مقتل وجرح مئات الأشخاص، يتضح زيف ادّعاءات النظام السوري حول إزالة الألغام وتطهير المناطق التي تخضع لسيطرته.

وتكثر مثل هذه الانفجارات ضمن أرياف دمشق وحلب وحمص وحماة ودرعا والرقة ودير الزور وغيرها، وسجلت مناطق بدير الزور وحمص وحماة مؤخراً انفجارات متتالية ناجمة عن مخلفات الحرب في وقت يكرر نظام الأسد رواية بأن المخلفات تعود إلى "إرهابيين"، رغم تشدقه مرارا وتكرارا بإزالة مخلفات الحرب وتطهير المناطق التي سيطر عليها ودعوته للسكان بالعودة.

 

ادفع مقابل إزالة الألغام.. ابتزاز الموت مقابل 

تستمر مخلفات الحرب وقصف النظام بحصد أرواح السوريين، وتشير تقديرات بتصاعد ضحايا مخلفات الحرب، ومنذ 2023 الجاري سقط 221 شخصاً بين قتيل وجريح، بينهم 64 طفل، و7 سيدات، توزعوا على محافظات دير الزور وحلب ودرعا وحمص وحماة وسط سوريا، وسط معلومات حول تعمد النظام ترك هذه المخلفات القاتلة كنوع من العقاب الجماعي للمناطق التي كانت خارج سيطرته.

وأفادت مصادر متطابقة في حديثها لـ (شبكة شام الإخبارية)، بأن النظام السوري وعبر عدة جهات إدارية وأمنية يمارس عملية ابتزاز غير معلنة مع العديد من السكان، لا سيّما المزارعين، وذلك مقابل عمل فرق إزالة مخلفات الحرب على تمشيط أراضيهم الملوثة بالألغام ومخلفات القصف الوحشي، حيث يدفع المواطنين مبالغ مالية طائلة مقابل هذه العملية.


وتشير معلومات متطابقة إلى عدم جدوى مثل هذه العمليات حيث تقتصر على بضع هكتارات من الأراضي فحسب، إذ يعجز السكان عن دفع المبالغ المفروضة من قبل نظام الأسد، يُضاف إلى ذلك عدم وجود فرق منظمة وأجهزة متطورة لهذا الغرض، علاوة على أن مثل هذه الخدمة المدفوعة لا تتوفر حين الطلب بل طالما تتوافق مع إعلان النظام عن حملة للبحث عن مخلفات الحرب.


الشمال السوري.. موت مؤجل بمخلفات نظام الأسد وروسيا

يرّزح الشمال السوري تحت وطأة القصف المتكرر الذي ينتج عنه تزايد مخلفات الحرب والقصف، حيث يعمد نظام الأسد إلى تحويل المناطق الخارجة عن سيطرته إلى حقل تجارب للأسلحة ووثقت فرق الدفاع المدني السوري استخدام نظام الأسد وروسيا لأكثر من 11 نوعًا من القنابل العنقودية وجميعها صناعة روسية، استهدفت مدارس وأسواقا ومنازل لمدنيين.

ويشار إلى أن الجهود المبذولة لا تكفي لإزالة أعداد كبيرة من الذخائر غير المنفجرة والألغام المنتشرة بين منازل المدنيين، وفي الأراضي الزراعية وأماكن لعب الأطفال، وأنها ستبقى قابلة للانفجار لسنوات وربما لعقود مقبلة، حسب تقرير مرصد الذخائر العنقودية لعام 2022.

وما تزال أعداد كبيرة من الذخائر غير المنفجرة والألغام موجودة بين منازل المدنيين، وفي الأراضي الزراعية وفي أماكن لعب الأطفال، ناجمة عن قصف ممنهج للنظام وروسيا استمر على مدى سنوات ومايزال حتى الآن، وستبقى قابلة للانفجار لسنوات أو حتى لعقود قادمة، ومع وجود تلك الذخائر وانتشارها في جميع أنحاء سوريا، ستستمر الخسائر لفترة طويلة حتى في حال انتهاء الحرب.

و تتركز جهود "الدفاع المدني السوري" على التعامل مع هذا الواقع المؤلم والحفاظ على أرواح المدنيين، عبر إزالة تلك الذخائر وتوعوية المدنيين لتنبيههم من خطر هذه الذخائر، وتركز على خطر الذخائر المتفجرة وضرورة الابتعاد عن الأجسام الغريبة، وأهمية إبلاغ فرق الدفاع المدني المختصة عنها فوراً.

 

"الخوذ البيضاء" صمام أمان بمواجهة مخلفات الحرب

أصدر "الدفاع المدني السوري"، إحصائية بأعمال فرق إزالة مخلفات الحرب (UXO) في "الخوذ البيضاء"، خلال شهري كانون الثاني وشباط من العام الحالي 2023، حيث أجرت 206 عملية مسح، وقامت بإتلاف 150 صنف من الذخائر من بينها 55 قنبلة عنقودية، كما أقامت 463 جلسة توعية من مخاطر مخلفات الحرب، استهدفت أكثر من 8 آلاف مستفيد جلهم من الأطفال.

وتعمل فرق الدفاع المدني في الشمال السوري، على إزالة وإتلاف المخلفات الحربية، وتشير إلى أن مخلفات الحرب تشكل خطراً يهدد حياة المدنيين وخاصةً في فترات فصل الربيع حيث يقصد الكثير من الأهالي الحقول الزراعية بهدف الترويح عن أنفسهم، حيث تكثر مخلفات الحرب في الأراضي الزراعية ومحيط المدن والبلدات.

وبالتوازي مع أعمال المسح والإزالة المستمرة، لحماية المدنيين من خطر مخلفات الحرب وتوعية الأطفال والعائلات من تهديدها وتقليل خطر الإصابة بمخلفات قصف نظام الأسد وروسيا، خلال العام الماضي استفاد أكثر من 20 ألف أغلبهم أطفال من جلسات التوعية التي قدمتها "الخوذ البيضاء"، وتشكل أعمال التوعية الخاصة بمخلفات الحرب جزءاً هاماً من عمل فرق إزالة الذخائر غير المنفجرة.

 

مخلفات الحرب ترهق السكان شمال وشرق سوريا

قال مصدر محلي مطلع في مناطق شمال وشرق سوريا، طلب عدم كشف هويته، إن خطورة الألغام تهدد سلامة الأهالي في المنطقة، إذ راح ضحيتها الكثير المدنيين، علاوة على حالات الإصابة التي تكون غالبيتها بتر وتتسبب بإعاقة دائمة.

وأضاف بأن "السكان يتجنبون المرور بجانب مخلفات الحرب، ولكن المشكلة الأطفال ممن لا يملكون الوعي الكامل"، وقدّر أن بالنسبة أكثر منطقة يوجد فيها مخلفات حرب هي بلدة الباغوز بريف دير الزور شرقي سوريا، ووصف بأن ضمن "الباغوز وصحراءها، ومناطق السفافنة وحويجة المشاهدة"، عدد لا يحصى من مخلفات الحرب والقصف.

ونوه إلى أن هناك بعض منظمات المجتمع المدني أزالت قسم بسيط من مخلفات الحرب بشكل تطوعي،  كما عملت فرق هندسة تابعة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، على إزالة عدد من مخلفات الحرب، لكنه أكد بأن ذلك تم بصورة شكلية، وقدر أن عمليات إزالة الألغام والذخائر غير المنفجرة لم تشكل سوى 10% من المخلفات الحربية الموجودة في المنطقة.

 

حصائل مرعبة.. السوريون يعيشون واقع محفوف بالمخاطر

صرح المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، استيفان دوغريك، في 2019 بأن "يُعتقد أن أكثر من 10 ملايين شخص في جميع أنحاء سوريا، يعيشون في مناطق مليئة بالألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة"، وسجلت سوريا 147 ضحية جراء انفجار مخلفات ذخائر عنقودية في عام 2020، وفق التحالف الدولي للقضاء على الذخائر العنقودية والحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية (ICBL-CMC).

ويعد التحالف عبارة عن شبكة مكونة من أكثر من 100 منظمة من منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال نزع السلاح للأغراض الإنسانية في مختلف دول العالم، وكانت حذرت مجموعة الحماية العالمية من خطر مخلفات الحرب في سوريا، وأشارت إلى تعرض شخصا من بين كل شخصين لخطر الموت والإصابة.

وقالت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في تقريرها الصادر بمناسبة اليوم الدولي للتوعية بخطر الألغام إن سوريا من أسوأ دول العالم في كمية الألغام المزروعة والمجهولة الموقع، مشيرة إلى مقتل 2829 مدنياً بينهم 699 طفلاً بسبب الألغام في سوريا منذ عام 2011 حتى أبريل/ نيسان 2022 الماضي.

وذكرت الشبكة الحقوقية أنَّ الحصيلة الضخمة للضحايا الذين قتلوا بسبب الألغام في سوريا تؤكد على ضرورة خلو العالم من هذا السلاح الغوغائي، وأوصت بزيادة الدعم المقدم للمنظمات العاملة في إزالة الألغام الأرضية وفي مقدمتها الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، وإحراز تقدم ملموس في نوعية الحياة لضحايا الألغام والذخائر العنقودية.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ