حاملاً إرثاً مثقلاً من البغي والتغلب.. "القحـ ـطاني" رفيق "الجـ.ـولاني" المؤسس وخصمه الأخير
شكل اغتيال "أبو ماريا القحطاني" القيادي البارز والمؤسس منذ "جبهة النصرة" إلى "هيئة تحرير الشام"، في 4 نيسان 2024، حدثاً استثنائياً وبارزاً، أنهى مسيرة رجل عُرف بنفوذه وسطوته كـ "يد ضاربة" لرفيق دربه "أبو محمد الجولاني" القائد العام للهيئة، منذ أن دخلاً سوياً في 2012 من العراق، وأسسا "جبهة النصرة" في سوريا، رغم أنه ختم مسيرته خصماً غير متوقع لرفيق درب طويل غادر الدنيا تاركاً إرثاً كبيراً من البغي والتغلب على ثورة السوريين.
كان "أبو ماريا" الرجل الثاني في التنظيم بعد "الجولاني" طيلة مسيرته في سوريا منذ التأسيس لـ "جبهة النصرة" حتى "هيئة تحرير الشام"، ولعب دوراً بارزاً في تمكين سطوة الهيئة وتغلبها على فصائل الثورة، كما بنى لنفسه "امبراطورية أمنية واقتصادية" كبيرة في المناطق التي تنقل فيها من دير الزور إلى درعا فإدلب حيث كانت نهايته.
لم يكن "القحطاني" العراقي الجنسية، رقماً سهلاً لكل من تنظيم داعش، ولكل الفصائل الثورية التي تغلب عليها مع رفيق دربه "الجولاني"، وعرف عنه سطوته ونفوذه، وحنكته، والتي مكنته من بناء شعبية واسعة مستغلاً النزعة العشائرية، إضافة لنفوذه في الهيئة الذي أعطاه حضوراً وسطوة لم يملكها قيادي مثله.
ورغم مسيرته الحافلة بـ "البغي والتغلب" على أبناء الثورة السورية، وكل ماقدمه لرفيق دربه "الجولاني" خلال مسيرة 12 عاماً في سوريا من خدمات ودعم، إلا أنه كان ضحية تغلب "الجولاني" عليه في آخر أيامه، بعد أن كشف نزعة رفيقه لتملك الساحة وإقصاء كل من حوله، فخطط للانقلاب، إلا أن حظه السئ أوقع به، وعاش لأشهر في سجون "الجولاني" كـ "عميل"، شوهت خلالها مسيرته ونسفت كل أفعاله، وفككت امبراطوريته التي بناها لسنوات طويلة.
وجاءت الضغوطات على "الجولاني" بعد اعتقال المئات من كوادر "الهيئة"، لتعيد رفيق الدرب ليبصر النور، لكن المؤكد أن الإفراج عنه وإعلان براءته لم يكن كفيلاً بإنهاء الخصومة بين الطرفين، إذ لم يسجل أي زيارة لـ "الجولاني" للتهنئة بالإفراج عن "القحطاني" أبداً على عكس القيادات الأخرى التي سارع لكسب ودها وتبرير اعتقالها ومحاولة إرضائها.
ويبدو أن الإفراج عن "القحطاني" كان خارج إرادة رفيقه السابق وخصمه الأخير "الجولاني"، وتشير بعض المصادر إلى أن ضغوطات خارجية وداخلية مورست لإطلاق سراح "القحطاني" تفادياً لتفكك الهيئة ونشوب صراع داخلي بين مكوناتها، لكن خروج "أبو ماريا" عزز من حضوره وشعبيته، مع تهافت مئات المهنين له في مضافته بشكل يومي وعلى مدار شهر تقريباً، جل المهنئين من كوادر الهيئة وقادتها وممثلي العشائر وغيرهم.
ولعل الوفود التي زارت "القحطاني" وباركت الإفراج عنه واستعرضت حضورها منها قيادات معروفة في الهيئة، كانت تحمل رسالة واضحة لـ "الجولاني" أن خصمه الأخير لن يكون رقماً سهلاً، وأن كل ماأنجزه من تفكيك امبراطوريته الأمنية والاقتصادية يمكن أن يعود بقوة أكبر ورغبة أكيدة في الانتقام، والتي ستكون وبال على "الجولاني" الذي حاول ببعض الخطوات تهدئة الموقف وكسب الود.
و"أبو ماريا القحطاني" أحد الشخصيات العسكرية والأمنية النافذة في "هيئة تحرير الشام" ومقرب من أميرها "أبو محمد الجولاني" وعدة شخصيات أخرى منها "مظهر الويس"، ولعب دوراً بارزاً في قيادة قطاع البادية، قبل انتقاله للجناح الأمني وتسلم ملفات السجون ويعتبر اليد الطولى للجولاني في كثير من المهام، بالتالي هو مدان ثورياً بمئات الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت بحق الثورة وأبنائها طيلة سنوات مضت منذ تأسيس جبهة النصرة وحتى اليوم.
(صندوق الجـ ـولاني الأسود) كما يوصف، وكان يعتبر الرجل الثاني بعد "الجولاني"، متهم بالتورط بمئات الجرائم في عموم المناطق السورية، ومنذ سنوات عديدة، ووسائل الإعلام الثورية، تتحدث عن استثمارات قيادات الهيئة الكبيرة في الشمال السوري، منهم "القحطاني"، وكثير من الشخصيات المعروفة، والتي لاتزال في موضع القرار في الهيئة ومؤسساتها، تعامت قيادة الهيئة عن حجم الممارسات التي ارتكبها هؤلاء وحجم الثروات التي تم جمعها عبر طرق ووسائل عدة غير مشروعة، منها (التهريب والتجارة والأتاوات والعمالة لجهات عدة) وكثير من المصادر التي بيدهم.
وكانت عملت الهيئة بعد اعتقال "القحطاني" على تفكيك ماتم وصفها بـ "امبراطورية القحطاني"، ونفذ الجهاز الأمني لـ "هيئة تحرير الشام"، حملات على معامل ومستودعات ومحلات صاغة في سرمدا والدانا وإدلب ومناطق عدة، لوضع يدها على استثمارات تقدر بملايين الدولارات، تعود ملكيتها أو شراكتها للقيادي "القحطاني"، والتي تعتبر أحد ركائز امبراطوريته الاقتصادية في المنطقة.
ولعل التعاطي الإعلامي لـ "هيئة تحرير الشام" إبان اعتقال "القحطاني" ومن ثم عكس الرواية بعد الإفراج عنه، قبل المتاجرة بدمائه بعد مقتله، يكشف حجم الانقلاب على الذات والتبدل تبعاً للأهواء، ليتحول "القحطاني" رفيق الدرب الأول، لخصم لن يكون الأخير في مسيرة "الجولاني" الذي يتفنن في الانقلاب على رفقاء دربه، بات اليوم "شهيداً" في رؤية ونظر الهيئة، متغافلة عن آلاف الجرائم والانتهاكات والتسلط التي مارسها الرجل العراقي الجنسية، بحق أبناء الشعب السوري وثورتهم طيلة عقد من الزمن.
والثابت اليوم، أن اغتيال "القحطاني" وإن نُسب لتنظيم داعش أو أي جهة أخرى، لإبعاد الشبهات عن "الجولاني" خصمه الأخير، إلا أن تاريخ الرابع من نيسان سيكون مفصلياً في تاريخ "هيئة تحرير الشام"، وستشهد تبدلات وتغيرات كبيرة، سيكون لتلك العملية أثراً واضحاً على مسيرتها، في وقت يغادر "القحطاني" مثقلاً بإرث كبير من الجرائم والانتهاكات والسيرة الدموية والتسلط الأمني والاقتصادي على شعبنا السوري الذي لن ينسى هذه الشخصيات التي تملكت وتسلطت وكانت نهايتها بهذا الشكل.