درعا في الثورة السورية.. 13 عامًا من التحولات
درعا في الثورة السورية.. 13 عامًا من التحولات
● أخبار سورية ٢١ أغسطس ٢٠٢٤

درعا في الثورة السورية.. 13 عامًا من التحولات

أصدر مركز حرمون للدراسات المعاصرة تقريرا شاملا عن محافظة درعا منذ انطلاق الثورة فيها مرورا بالمظاهرات والعمل المسلح والمصالحات والتسويات وأخيرا السقوط، تحت عنوان(درعا في الثورة السورية.. 13 عامًا من التحولات)، وخلص التقرير أن درعا التي شهدت انطلاق الثورة السورية في مارس 2011، مرت بتحولات جذرية على مدار 13 عامًا من الصراع المستمر، حيث  يستعرض التقرير تفاصيل التغيرات الأمنية والسياسية والاجتماعية التي طرأت على المحافظة، مسلطًا الضوء على التحديات الحالية.

 

البدايات السلمية والتحول إلى الصراع المسلح:

أشار التقرير إلى أن الاحتجاجات السلمية التي اندلعت في درعا كانت تحمل شعارات تطالب بالحرية والكرامة، وتميزت بمشاركة واسعة من جميع فئات المجتمع. إلا أن القمع العنيف الذي واجهته هذه الاحتجاجات من قبل النظام السوري أدى إلى تصاعد الموقف وتحوله إلى صراع مسلح. وذكر التقرير أن هذا التحول كان مدفوعًا بعوامل عدة، منها استهداف قادة الحراك واعتقال العديد من الناشطين، مما دفع بالشباب إلى حمل السلاح والانضمام إلى الفصائل المسلحة التي بدأت تتشكل في مختلف أنحاء المحافظة.

 

ديناميات الفصائل المسلحة وتطورها:

ووضح التقرير أن الفصائل المسلحة في درعا شهدت تطورًا ملحوظًا على مر السنوات، حيث انتقلت من مجموعات صغيرة غير منظمة إلى تشكيلات عسكرية كبيرة وفعالة، ومع توالي حالات الانشقاق من صفوف جيشَ النظام السوري، والتحاق كثير من المنشقين بمجموعات الثوار المسلّحة، بدأت مرحلة تنظيم عمل هذه المجموعات وظهور الفصائل التي تضمّ عسكريين بعضهم ضباط، لينتقل العمل المسلح في درعا إلى مرحلة أكثر تنظيمًا وفاعلية، حيث بدأت تظهر تواليًا الفصائل المسلّحة المعارضة،  لتحمل تسميات سرايا وكتائب وألوية،  تضم عسكريين ومدنيين محليين، حيث بات العمل العسكري غالبًا على مشهد الصراع بين المحتجين وقوات النظام في درعا، وغيرها من المناطق السورية.

وأشار التقرير لظهور فصائل مسلّحة ذات مرجعية إسلامية،  متنوعة التوجهات، شكّّل حضورها عامل تحوّل جديد في مسار العمل المسلّح المعارض، ويُبرز تحليل ديناميات العمل المسلّح المعارض للنظام السوري في درعا سمات عدة، من أبرزها (تشتت فصائل المعارضة وتشرذمها، الانقسامات العائليًة «العشائرية، تنافس الأيديولوجيًات، ضعف التحالفات والتدخل الخارجي، الصراع على المكاسب، الطبيعة المتغيرة السريعة للصراع، ودور الجماعات الإسلامية)


التحديات الأمنية في ظل المصالحات:

وجاء في التقرير أن اتفاقات المصالحة التي رعتها روسيا في عام 2018 جاءت كجزء من استراتيجية أوسع لإعادة السيطرة الحكومية على المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة. وذكر التقرير أن هذه المصالحات أدت إلى تهدئة نسبية في المحافظة، إلا أن الأوضاع الأمنية ظلت غير مستقرة. وأوضح التقرير أن العديد من المناطق في درعا شهدت عمليات اغتيال وخطف، حيث استمرت مجموعات مسلحة صغيرة في نشاطها السري ضد قوات النظام، مما خلق حالة من الفوضى الأمنية المستمرة.

وكان فصيل «شباب السُُنَّّة » -بقيادة أحمد العودة الذي تنتشر عناصره على نحو خاص في بصرى الشام- أول فصائل المعارضة في درعا التي أبرمت اتفاقية مصالحة بوساطة روسية، قبل أن تجبر باقي الفصائل على توقيع الاتفاق، في حين رفض بضع عشرات الاتفاق، وأخرجوا إلى الشمال السوري، وبموجب الاتفاقية، تعهدت روسيا بوقف الهجوم وفكّّ الحصار عن المدن والبلدات، على أن يبقى معظم مجموعات المعارضة المسلحة في المنطقة بعد تسليم سلاحها الثقيل.

ومع دخول قوات النظام السوري،  وقوات الشرطة العسكرية الروسية،  معظم مناطق درعا بعد اتفاقيات المصالحة عام 2018، انفرط عقد التشكيلات العسكرية المعارضة، لتظهر مع الواقع الجديد مجموعات مسلّحة محلية صغيرة، شكّلت استمرارًا من نوع مختلف للّحالة الفصائلية ذات الطابع المحلي العائلي والعشائري، وذلك على نحو خاص في منطقة درعا البلد التي تمسكت بسيطرة فعلية للمجموعات المحلية المعارضة، مقابل حضور رمزي لقوات النظام السوري.

وفي المقابل، توجّه مقاتلون وقادة سابقون في فصائل الجيشَ الحر والمجموعات المعارضة إلى إبرام تسويات أمنية مع النظام برعاية روسية، وانخرط بعضهم في ميليشيات شكّلتها أجهزة أمن النظام السوري، وانضم آخرون إلى «الفرقة الرابعة» في جيشَ النظام، مع بقائهم ضمن مناطقهم، وبقي القسم الأكبر من المقاتلين ضمن مناطقهم في مجموعات محلية من دون مسميات، وتمكّن فصيل «فرقة شباب السنة »من التوصل إلى اتفاق مع روسيا على بقائه، مقابل انضمامه إلى «الفيلق الخامس» التابع اسميًا للّجيشَ السوري والخاضع فعليًا للسيطرة الروسية.

 

الواقع في مرحلة المصالحات:

شكّّلت التحولات التي طرأت على درعا بعد التوصل إلى المصالحات مع النظام السوري، حالة جديدة لم يختبرها سكّان المحافظة من قبل، فبعد أن عاد آلاف النازحين من جراء القصف والمواجهات المسلّحة، باحثين عن الأمان، بدأت معاناة جديدة مع التحديات الأمنية من اعتقالات وملاحقات واستيلاء على الممتلكّات، ما أشعل جذوة الاحتجاجات من جديد، وعزز حالة الهشاشة التي عاكست توقعات أهالي درعا الذين أملوا حدوث تحسّن تدريجي في واقع المحافظة، وقد تمثلت أبرز التحولات في مرحلة المصالحة بـ (الانفلات الأمني، الاعتقالات والتشريد القسري، الفلتان الأمني وانتشار الجرائم والسلاح، والاغتيالات) ومن سمات سًمات حالة الفوضى الأمنيًة في درعا، العشوائيًة، إذ لا ترتبط جرائم الخطف والاستهدافات وعمليات الاغتيال بجهة فاعلة محددة أو واحدة، وغيًاب المساءلة، حيث لا وجود لجهة أمنية أو قانونية أو قضائية جادة،  تتابع المتورطين في أعمال الاغتيالات والانتهاكات والجرائم، وأيضا اختلاط الدوافع، حيث تتنوع أسباب الجرائم والاغتيالات على نحو واسع، منها تصفية الحسابات الناتجة من خلافات سياسية أو أيديولوجية بين جهات مختلفة.

 

أدوار الفاعلين الخارجيين في درعا

أشار التقرير لأدوار الدول والجهات الفاعلة في محافظة درعا منها الأردن وروسيا وايران وحزب الله، والأدوار التي لعبتها هذه الدول والجهات في مصير المحافظة، خاصة الدور الأردني الذي كان في البداية داعما للثورة والفصائل لكنه سرعان ما تراجع لأسباب عديدة ذكرها التقرير، من ضمنها (احتواء ارتدادات موجة الربيع العربي، التخوف من توسع الصراع المسلّح إلى الأردن، الموقف الدولي المتردد، انقسام الرأي بين المؤسستين السياسية والأمني حول بقاء الأسد، وغيرها).

 

الوضع المعيشي والخدمي:

وأشار التقرير إلى أن درعا تواجه تحديات معيشية كبيرة، حيث أن النزاع المستمر ألحق دمارًا واسعًا بالبنية التحتية والخدمات الأساسية. وأوضح التقرير أن الكهرباء والمياه، وهما من أبسط مقومات الحياة اليومية، أصبحتا نادرتين في العديد من المناطق، مما أثر بشكل كبير على حياة السكان. وذكر التقرير أن نقص الخدمات الصحية والتعليمية زاد من معاناة المدنيين، حيث تراجعت جودة التعليم والرعاية الصحية إلى مستويات غير مسبوقة.

الاقتصاد المحلي وتأثير النزاع:

ونوه التقرير إلى أن اقتصاد محافظة درعا شهد تدهورًا كبيرًا نتيجة للصراع. وأوضح أن النشاط الزراعي، الذي كان يشكل العمود الفقري للاقتصاد المحلي، تأثر بشكل بالغ بسبب نقص الموارد والمياه، بالإضافة إلى عدم قدرة الفلاحين على تسويق منتجاتهم في ظل الظروف الأمنية المتردية. وأشار التقرير إلى أن الاقتصاد المحلي أصبح يعتمد بشكل كبير على المساعدات الإنسانية والتحويلات المالية من المغتربين، مما زاد من تبعية السكان للعوامل الخارجية.

 

التوترات الإقليمية والدور الخارجي:

وأشار التقرير إلى أن محافظة درعا لم تكن بمعزل عن التوترات الإقليمية التي شهدتها سوريا. وأوضح التقرير أن موقع المحافظة على الحدود مع الأردن والجولان المحتل جعلها محورًا لتنافس القوى الإقليمية والدولية. وذكر التقرير أن إيران وحزب الله عملتا على تعزيز نفوذهما في المنطقة من خلال دعم مجموعات مسلحة موالية لهما، ما أدى إلى زيادة التوترات مع الدول المجاورة. كما أشار التقرير إلى أن روسيا سعت إلى تحقيق توازن في المنطقة من خلال التوسط في اتفاقات المصالحة وضمان استمرار سيطرة النظام على المحافظة.

 

الخلاصة:

واستنتج التقرير إلى أن استمرار الحراك الاحتجاجي في درعا يشير إلى رسوخ معارضة النظام حتى بعد استعادة النظام السيطرة على المناطق، مما يعكس تجذر مبادئ الثورة وتشبث الأهالي بمطالبهم للحرية والكرامة، وكشفت التحولات التي مرت بها الفصائل المسلحة المعارضة قبل وبعد استعادة النظام السيطرة في 2018 عن مشهد متغير يشمل حل بعض الفصائل واندماج أخرى، مما أعاق استقرار أوضاعها وقدرتها على مواجهة النظام بسبب التنوع والاختلافات بين الفصائل.

وأسفرت الفوضى الأمنية بعد اتفاق المصالحة عام 2018 عن تشكيل مجموعات مسلحة محلية، مما أدى إلى انتشار ثقافة العنف، وتراجع النشاط المدني، وزيادة الهجرة، كما عكست ديناميات النفوذ الخارجي في درعا تداخل المصالح الاستراتيجية لكل من الأردن وإيران والاحتلال الإسرائيلي، مما دفع روسيا لتعزيز دورها لدعم النظام وتعزيز توازن المصالح.

واشار استنتاج التقرير أن انشغال روسيا بالحرب على أوكرانيا أدى إلى تراجع اهتمامها بالقضية السورية وسمح بزيادة النفوذ الإيراني في درعا، مع تأثيرات متباينة على الوضع الأمني، حيث يشكل وجود الميليشيات الإيرانية في درعا وجنوب سورية تحديًا أمنيًا واجتماعيًا، حيث تساهم في تهريب المخدرات وتعزيز نفوذها الطائفي، مما يشكل تهديدًا لأمن المدنيين، خاصة مع التصعيد الإسرائيلي.

أكدت تجربة المصالحة في درعا أن المناطق التي يعود السيطرة عليها للنظام تعاني من تراجع اقتصادي ومعيشي بسبب الفوضى والفلتان الأمني.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ