وزير الاتصالات يوضح: لا حلول إسعافية.. نعمل على معالجة جذرية لأزمة الاتصالات
قدّم وزير الاتصالات وتقانة المعلومات الدكتور عبد السلام هيكل أول حوار صحفي له منذ تعيينه، كاشفاً لموقع تلفزيون سوريا الأسباب الحقيقية وراء تراجع جودة الاتصالات في البلاد، ومحدداً مكامن الخلل البنيوي، وشارحاً ما يواجهه هذا القطاع من إرث ثقيل خلّفه النظام البائد، إضافة إلى عرض مفصّل للمشاريع الاستراتيجية التي تعمل الوزارة على تنفيذها، وفي مقدمتها "سيلك لينك" و"برق نت"، والتي تعدّ الركائز الأساسية لبناء بنية رقمية حديثة تعيد تشكيل قطاع الاتصالات في سوريا على أسس أكثر استدامة وفاعلية.
وأوضح الوزير في مستهل حديثه أن الأبراج الخلوية باتت تعمل فوق طاقتها نتيجة غياب الإنترنت الثابت القوي، لافتاً إلى أن الشبكة الخلوية تشبه حافلة مخصّصة لأربعين راكباً يتم تحميلها بأعداد تفوق قدرتها الاستيعابية، ما يؤدي إلى انهيار فوري في جودة الخدمة.
وكشف أن عدداً من الأبراج وصل إلى نسبة تشغيل تتجاوز 110%، وهو مستوى غير منطقي ولا يسمح بتقديم خدمة مستقرة مهما جرى تعديل الباقات أو الأسعار. وأكد الوزير أن مسؤولية الوزارة تتركز في البنية التحتية وجودة الخدمة، بينما تعود الباقات والتسعير إلى شركات الاتصالات، مشيراً إلى أن غياب الإنترنت الثابت يدفع المستخدمين إلى الاعتماد الكامل على الشبكة الخلوية داخل المنازل والمكاتب، ما يفجّر ضغطاً هائلاً يتجاوز قدرة أي برج على الاستيعاب.
وبيّن هيكل أن المشكلة ليست تقنية فقط، بل ترتبط أيضاً بوضع شركتي سيريتل وMTN، موضحاً أن دخول مشغّل ثالث لا يعتمد على رغبة الوزارة أو حاجة السوق فحسب، بل على عوامل استثمارية وقانونية معقّدة.
وكشف أن سيريتل ما تزال تحت وصاية الصندوق السيادي بانتظار اكتمال إجراءات نقل الملكية، فيما تخضع MTN لنزاع مع المجموعة الأم في جنوب أفريقيا، وهذا يجعل أي مشغّل جديد متردداً في دخول سوق لا يعرف مصير المشغلين القائمين فيها، ولفت إلى أن العقوبات الأميركية رغم تعليق جزء منها ما تزال قائمة رسمياً، ولا يمكن ضخ أي استثمار كبير في هذا القطاع قبل حسم ملف العقوبات بشكل كامل.
وتحدث الوزير مطولاً عن مشاريع البنية التحتية الكبرى، وعلى رأسها مشروع "سيلك لينك" الذي تقدمت إليه ست وعشرون شركة وانحصرت المنافسة النهائية بين خمس من أكبر شركات الاتصالات الإقليمية والعالمية، مبيناً أنه يجري حالياً التفاوض النهائي مع الشركة المختارة، وأن الإعلان عنها سيتم فور اكتمال المسار الفني.
وأكد أن المشروع خاضع لاستشارات دولية من شركة "آرثر دي ليتل" لضمان الشفافية الكاملة. أما مشروع "برق نت" فأوضح الوزير أن التجربة الأولية في دمشق لم تكن بالمستوى المطلوب، لذلك يعاد تنفيذ التجربة في منطقة جديدة تضم 5400 منزل تمهيداً لإطلاق شبكة ألياف ضوئية تدخل كل بيت كما تدخل الكهرباء.
وشرح الوزير أسباب رفض الاعتماد على الإنترنت الهوائي كحل مرحلي، مؤكداً أن التجارب السابقة لشركات "Wi-Fi" أثبتت فوضويتها وضعف جودتها وارتباطها بممارسات غير قانونية تصل إلى إتلاف الكابلات عبر أطفال يتم إرسالهم لكسر الشبكة في إطار المنافسة غير المشروعة.
وأوضح أن الوزارة تتجه نحو تأسيس صناعة إنترنت متكاملة قائمة على مزودي خدمة كبار، وأن مشروع "برق" سيحلّ محل الشركات الصغيرة التي تسبب انتشارها في إضعاف الجودة وخلق فوضى تشغيلية.
وأشار هيكل إلى أن التحول الرقمي الحكومي يحتاج إلى بنية تحتية صلبة إضافة إلى "البنية الطرية" التي تشمل الهوية الرقمية والتوقيع الإلكتروني ونظام الدخول الموحّد، مؤكداً أن الوزارة تتعاون مع وزارات الداخلية والتنمية الإدارية وغيرها لإعادة هيكلة السجلات الوطنية، وعلى رأسها السجل المدني، باعتباره ركيزة الهوية الرقمية المستقبلية.
وكشف عن قرب إطلاق مجموعة من الخدمات الحكومية الرقمية خلال أسابيع، مع التأكيد أن عملية التحول الكاملة تحتاج وقتاً بسبب الإرث الورقي الذي ما تزال المؤسسات تعمل ضمنه.
وتناول الوزير مسألة شكاوى المواطنين من ارتفاع الأسعار، مؤكداً أن سيريتل وMTN لا تتبعان للدولة، وأن الوزارة لا تملك صلاحية فرض أسعار أو تخفيض باقات بطريقة غير مدروسة، موضحاً أن أي عبث بالتسعير يؤدي إلى انهيار فوري في الخدمة بسبب الضغط الهائل على الأبراج، وأن تصميم الباقات يحتاج نمذجة دقيقة تشمل أقسام الأبراج والصيانة والاستهلاك.
وأكد أن الوزارة تلزم الشركات بوجود باقة لكل شريحة دخل، فيما تترك لها هندسة بقية التفاصيل، لأن فرض أسعار غير متناسبة مع الكلفة يحرم الشركات من القدرة على التوسع وبناء أبراج جديدة.
وشرح هيكل أسباب الفجوة بين تحسن المؤشرات الدولية للسرعة وبين تجربة المستخدم، موضحاً أن نوع الهاتف، ووضع الراوتر، وحجم الفيديو، والبيئة الداخلية للمبنى، تشكل عوامل حاسمة في التجربة اليومية. وأشار إلى أن بعض الوزارات والمباني الحكومية تعمل على سعات 30 ميغابت رغم إمكانية رفعها إلى 1 غيغابت، ما يجعل البنية الداخلية هي المشكلة لا المصدر. وأكد أن انقطاع الإنترنت في مراكز خدمة المواطن لا مبرر له سوى الأعطال الطارئة أو ضعف الشبكة الداخلية للمركز.
وأوضح الوزير أن الوزارة طلبت من المالية إبقاء الرسوم الجمركية على الهواتف منخفضة لدعم دخول أجهزة حديثة، مؤكداً أن أكثر من ثلاثة ملايين هاتف 4G وما فوق دخلت البلاد خلال الفترة الماضية، وأن الهاتف الحديث هو شرط أساسي لنجاح التحول الرقمي. وأكد أن تخفيف الاحتكاك بين المواطن والموظف عبر التطبيقات يسهم في تقليص الفساد ورفع كفاءة الموظف.
وتطرق هيكل إلى برنامج بناء الكفاءات الوطنية، موضحاً أن الفجوة ليست في عدد المهندسين، بل في غياب الخبراء القادرين على قيادة المنتجات الرقمية وإدارة البرمجيات والخدمات التقنية. وشرح أن القطاع التقني بطبيعته قطاع عابر للحدود وأن سوريا تحتاج إلى إعادة دمج نفسها في منظومة الخدمات العالمية، بما فيها خدمات جوجل وخرائطه التي تُظهر أجزاء من الخدمة لكنها لا تقدم إرشادات الطريق لأسباب قانونية.
وفي ختام الحوار، أكد الوزير أنه غير محبط رغم التحديات القانونية والفنية والضخ السلبي الذي يواجهه القطاع، محذراً من تأثير الإحباط على ثقة الجمهور. وشدد على أن الحلول المؤقتة ليست خياراً للوزارة لأنها تنتج أضراراً أكبر لاحقاً، مؤكداً أن سوريا ستملك أسرع إنترنت في المنطقة بمجرد اكتمال المشاريع الجارية، وأن المرحلة الحالية تتطلب صبراً وفهماً لطبيعة العمل البنيوي الذي يجري تنفيذه.