وزير الإعلام: نرفض خطاب التحريض ونؤسس لمدونة سلوك تنظم الإعلام وتحمي حرية التعبير
أكد الدكتور حمزة مصطفى، وزير الإعلام، في مقال نشرته صحيفة "الثورة السورية"، أن تصاعد النقاش حول تفعيل قانون الجرائم الإلكترونية يعكس القلق المتزايد من تنامي الخطاب التحريضي في الفضاء الرقمي، خاصة ذلك الذي يُفسَّر فيه مفهوم حرية التعبير بشكل انتقائي أو مجتزأ، مما يدفع بعض السوريين، خصوصًا في الخارج، إلى استثمار هذا المناخ لإنتاج خطاب طائفي أو شعبوي لا يخدم المسار الانتقالي ولا يعزز السلم الأهلي.
خطاب متفلّت ومعالجات محدودة
رأى مصطفى أن هذه الظاهرة تعود لأسباب متعددة، أبرزها الفهم المغلوط للواقع السوري، أو السعي لتحقيق مكاسب سياسية وشخصية دون اعتبار لحساسية المرحلة، مبينًا أن هناك من يوصي بتفعيل قانون الجرائم الإلكترونية الصادر عام 2022 كإجراء رادع، مستندين إلى استمرار سريان القوانين النافذة بموجب الإعلان الدستوري، إلا أن هذا الطرح يصطدم بعوائق قانونية وأخلاقية.
عوائق قانونية وأخلاقية أمام التطبيق
أوضح الوزير أن من أبرز العوائق استخدام القانون لمصطلحات فضفاضة مثل “إضعاف الشعور القومي” و”وهن عزيمة الأمة”، والتي استُخدمت سابقًا لتقييد الحريات، ما أفرز انطباعات سلبية في الذاكرة الجمعية للسوريين. كما أشار إلى أن العائق الإجرائي يكمن في طريقة تحريك الدعاوى، التي تتطلب غالبًا شكاوى فردية، مما يفتح المجال للانتقائية والانتقامية في التعامل مع المخالفات الإعلامية.
البديل: مدونة سلوك مهنية شاملة
أوضح مصطفى أن وزارة الإعلام قررت عدم الركون إلى النهج العقابي، بل تبنّت مقاربة تنظيمية تشاركية تتمثل في إعداد مدونة سلوك مهنية وأخلاقية تفصيلية تنظم العمل الإعلامي، تتجاوز الصيغ العامة لمواثيق الشرف، وتتجنب الغموض القانوني. وقد اعتمدت الوزارة نهجًا تشاركيًا "من الأسفل إلى الأعلى"، بمشاركة أكثر من 600 صحفي ومدير مؤسسة، وتوسعت النقاشات لتشمل نحو ألف مشارك من مختلف الخلفيات والتيارات، ما جعلها من أوسع التجارب في تاريخ العمل الإعلامي السوري.
تجربة تشاركية ومقاربة هجينة
لفت الوزير إلى أن إعداد المدونة اعتمد على مزيج من المدارس الإعلامية العالمية، بينها الاسكندنافية التي تركز على الاستقلالية والمشاركة المجتمعية، والبريطانية التي توازن بين حرية التعبير والمصلحة العامة، إلى جانب النموذج الأوروبي القائم على تنظيم حكومي معتدل وحوارات مفتوحة مع النقابات.
نتائج ملموسة ونقاش حول التطبيق
أثمرت النقاشات - وفق الوزير - عن صياغة أولية شاملة للمدونة، امتدت على أكثر من 90 صفحة، وتضمنت ملحقًا خاصًا بصنّاع المحتوى، بما يجعلها وثيقة مهنية متقدمة تتجاوز في بعض الجوانب مدونات دولية. وبيّن مصطفى أن النقاشات الحالية تركّز على آليات التطبيق ومدى الإلزامية، مشيرًا إلى أن الالتزام بالمدونة قد يصبح شرطًا للحصول على الترخيص والبطاقة الصحفية، ضمن مقاربة تعتمد التصحيح قبل العقوبة.
تجربة وطنية لتنظيم الإعلام
شدد وزير الإعلام في ختام مقاله على أن هذه المدونة لا تُعد بديلاً للقوانين، لكنها تشكل إطارًا مهنيًا يُسهم في تنظيم الخلافات، ويُمهّد لإنشاء مؤتمر عام للموقعين عليها، بهدف تطويرها بشكل دوري. واعتبر أن ما أُنجز يمثل تجربة سورية مهنية جديدة، تنظم الإعلام بأسلوب يحترم الحرية، ويحمي المجتمع، ويليق بتضحيات السوريين، ويُمهّد لمرحلة إعلامية أكثر نضجًا ومسؤولية.