من محاكم الخوف إلى قاعة العلن: مفارقة العدالة بين عهد الأسد واليوم
قالت نور الخطيب، مديرة قسم التوثيق في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن المشهد الذي رافق أولى الجلسات العلنية لمحاكمة المتهمين بارتكاب مجازر الساحل في محكمة حلب يكشف عن مفارقة جوهرية بين زمنين مختلفين في تاريخ القضاء السوري؛ زمنٍ كان فيه النظام السابق هو من «يحاكم السوريين»، وزمنٍ جديد تحاول فيه البلاد – وللمرة الأولى – استعادة معنى العدالة بعد عقود طويلة عاشت خلالها خارج إطار القانون.
وأوضحت الخطيب في منشور على "فيسبوك" أن المحاكمات في عهد نظام الأسد المخلوع لم تكن ترتبط بالعدالة من قريب أو بعيد، بل كانت إجراءات عقابية مغلقة ومحددة مسبقاً، يقوم فيها القاضي بدور المنفّذ، ويغيب فيها الدفاع الحقيقي، فيما يكون المتهم مداناً قبل أن ينطق بكلمة واحدة.
وأشارت إلى أن تلك المحاكمات اعتمدت على السرية والسجون المعتمة والاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، وأن محاكم الميدان كانت قادرة على إنهاء حياة المتهم خلال دقيقة واحدة، بينما كانت محكمة الإرهاب تدفن مستقبله لسنوات طويلة.
وقالت الخطيب إن الجلسة العلنية اليوم، رغم ما يعتريها من نواقص، تمثل دخولاً إلى فضاء قضائي مختلف كلياً، يقوم على الشفافية ومراقبة الجمهور، حيث تحضر العائلات، وتتابع الصحافة، ويُسمح للمتهم بالدفاع والاعتراض. فالمحاكمة لم تعد أداة لترسيخ الخوف، بل باتت مساحة تُسمع فيها أصوات الضحايا وتسجل فيها الوقائع بعيداً عن البلاغات الأمنية والجدران السوداء التي أخفت الحقيقة لعقود.
وأكدت الخطيب أن الطريق ما يزال طويلاً وأن العثرات حاضرة، إلا أن مجرد وجود قاضٍ يقرأ التهم بصوت مسموع، ومحامٍ يمارس دوره بحرية، وعائلاتٍ تحضر الجلسات دون خوف، يمثل خطوة لم يكن كثير من السوريين يتخيلون إمكانية حدوثها يوماً. لتبقى الغاية الأوسع – بحسب قولها – في أن تصل العدالة يوماً إلى كل المجرمين، وعلى رأسهم أولئك الذين جعلوا من السرية والقمع بديلاً عن أي معنى من معاني القانون والعدالة.
الوزير الويس: نخطّ سطراً جديداً للعدالة في سوريا المستقبل
وسبق أن قال وزير العدل مظهر الويس إن سوريا تفتح اليوم «سِفراً جديداً في مسار العدالة»، يقوم على استقلالية القضاء وترسيخ سيادة القانون، مؤكداً أن المرحلة الحالية ترتكز على الشفافية والإنصاف، ورفض أي شكل من أشكال الإفلات من العقاب.
وأوضح الويس، في منشور عبر منصة X، أن العدالة التي تُبنى اليوم تقوم على الحقوق والمحاسبة بعيداً عن الانتقام أو التجاوزات، وذلك تزامناً مع انطلاق أولى جلسات المحاكمة العلنية في قصر العدل بحلب لـ 14 متهماً بارتكاب انتهاكات خلال أحداث الساحل التي وقعت في آذار الماضي.
محاكمات علنية… وقرارات بالتأجيل
وفي 18 تشرين الثاني، انعقدت الجلسة الأولى من المحاكمة العلنية في قصر العدل بحلب لـ 14 متهماً بارتكاب انتهاكات خلال أحداث الساحل التي وقعت في آذار الماضي، وكانت برئاسة القاضي زكريا بكار، وعضوية المستشارين حسين الشريف وأحمد مخلص المحمود، حيث نظرت المحكمة في ملفات سبعة موقوفين من فلول النظام البائد بتهم إثارة الفتنة الطائفية والسرقة والاعتداء على قوى الأمن الداخلي والجيش العربي السوري، وجرى تعليق جلساتهم إلى 18 كانون الأول المقبل.