مخيمات الفلسطينيين في سوريا بعد عام على التحول السياسي: بنى مدمرة ونقاهة هشّة بلا خطة إنقاذ
قالت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا"، إن المخيمات الفلسطينية التي دمّرتها الحرب على مدار أكثر من عقد —وفي مقدمتها اليرموك وحندرات ودرعا— لا تزال حتى اليوم شاهداً على حجم الكارثة الإنسانية التي لحقت بآلاف العائلات، رغم مرور عام على التحولات السياسية وسقوط النظام السابق.
وأشارت المجموعة إلى أنّ المخيمات تبدو اليوم كواجهة لمعركة صامتة عنوانها "استعادة أساسيات الحياة"، بعدما تحولت شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي والمراكز الصحية إلى هياكل متهالكة نتيجة القصف والحصار والنهب أثناء الحرب. فوفق تحليلات صور الأقمار الصناعية، دُمّر أو تضرر في مخيم اليرموك وحده أكثر من 5,489 مبنى، ما أدى إلى خروج البنية الخدمية الأساسية عن العمل بشكل شبه كامل.
مياه شحيحة ومخاطر صحية مستمرة
رغم توقف المعارك، لا تزال نسبة كبيرة من المنازل خارج نطاق الشبكة الرئيسية للمياه، ويعتمد معظم السكان على الصهاريج الخاصة بما يحمّلهم أعباءً معيشية إضافية. وفي الأحياء التي شهدت تعافياً محدوداً من شبكات المياه الرسمية، يصل الضخ لساعات قليلة أسبوعياً، فيما تستمر مخاطر اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي في المناطق غير المزالة أنقاضها، ما يشكّل تهديداً مباشراً لصحة السكان، خصوصاً الأطفال.
كهرباء غير مستقرة وحلول بديلة مكلفة
وبين تقرير المجموعة أن محاولات ربط بعض الشوارع بالشبكة العامة ما تزال محدودة، إذ تعتمد الغالبية على مولدات الأمبير أو منظومات الطاقة الشمسية لمن يستطيع تحمّل تكلفتها. وتؤدي ندرة الكهرباء إلى إبطاء عمليات الترميم وتعطيل تشغيل المضخات والإنارة المنزلية، ما يجعل عملية إعادة الإعمار الفردية أكثر صعوبة.
قطاع صحي منهك وضغط متزايد على الأونروا
تضررت معظم المراكز الصحية والمشافي داخل المخيمات، ما اضطر السكان إلى التوجه نحو مراكز خارج المخيم بتكاليف مرتفعة. ورغم إعادة تأهيل بعض العيادات التابعة للأونروا، ما تزال الخدمات مقتصرة على الإسعافات الأولية ولا تلبي الاحتياجات الطبية الكبرى، كالعمليات الجراحية أو الحالات الطارئة.
مبادرات تعافٍ محدودة في ظل أزمة تمويل عالمية
تشير المجموعة إلى أن الأونروا والمنظمات الدولية تعمل على ترميم مرافق محدودة، خصوصاً في قطاعات الصحة والتعليم، لكن غياب التمويل الكافي يجعل مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق خارج قدرة التنفيذ. وفي المقابل، يلعب المجتمع المدني وفلسطينيو الشتات دوراً تعويضياً من خلال تمويل إصلاحات بسيطة وإزالة الأنقاض ومساعدة العائلات على العودة.
عوائق قانونية وأمنية تعطل إعادة البناء
التقارير تشير إلى مجموعة معوقات رئيسية تمنع الانتقال إلى مرحلة إعادة إعمار حقيقية، أبرزها صعوبة إثبات الملكية بعد فقدان الوثائق خلال الحرب، ما يجعل الحصول على تراخيص البناء مهمة شبه مستحيلة، وبقاء مخلفات الحرب ووجود ألغام غير منفجرة تحت الأنقاض في بعض المناطق مثل اليرموك، كذلك عجز الأونروا المالي وهي الجهة الدولية الأساسية المعنية بالخدمات، وغياب خطة وطنية شاملة لإعادة تأهيل المخيمات في ظل المشهد السياسي الجديد.
البعد الحقوقي: مأساة إنسانية مستمرة
وترى المجموعة أن الأزمة لم تعد أزمة خدمات فحسب، بل أزمة حقوق أساسية: حق السكن، والخدمات الصحية، والمياه، والحياة الكريمة. وتشدد على ضرورة أن تضمن السلطات المعنية عودة آمنة وكاملة الخدمات للاجئين الفلسطينيين، وأن ينهض المجتمع الدولي بمسؤوليته في تمويل إعادة الإعمار، لا الاكتفاء بالمساعدات الطارئة.
خاتمة: مرحلة انتقال من الظلام إلى "نقاهة هشّة"
بعد عام على التغيير السياسي، تتجه المخيمات الفلسطينية من "الموت السريري" إلى "نقاهة هشّة"، حيث ما تحقق في قطاعات المياه والكهرباء والصحة لا يزال محدوداً ومعتمداً على جهود فردية أو مساعدات غير منتظمة. أما إعادة الإعمار الفعلية —بما تعنيه من بنى تحتية متكاملة— فما تزال هدفاً بعيداً.
وتنهي مجموعة العمل تقريرها بسؤال مفتوح:
هل ستتحول هذه الجهود الجزئية إلى مسار تنموي مستدام يعيد الحياة إلى المخيمات، أم ستظل بؤراً للحرمان تُعيد إنتاج معاناة اللجوء كل يوم؟