في الذكرى الأولى لسقوط نظام الأسد: تقرير حقوقي يحدّث حصيلة الانتهاكات ويجدّد المطالبة بمسار عدالة انتقالية شامل
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تقريراً موجزاً بمناسبة مرور عام على سقوط نظام الأسد المخلوع، يتضمن تحديثاً موسعاً لحصيلة الانتهاكات التي ارتكبها النظام خلال السنوات الماضية، مؤكدة أن هذه الذكرى تمثل لحظة مزدوجة لاستحضار الذاكرة ولتجديد الالتزام بمسار العدالة الانتقالية في سوريا.
ويركز التقرير على أهمية ضمان المساءلة الفعلية عن الجرائم المرتكبة، وكشف مصير المختفين قسراً، وإنصاف الضحايا وذويهم، باعتبار أن أي استقرار مستدام في البلاد لا يمكن أن يتحقق دون كشف الحقيقة وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب.
ويعرض التقرير حصيلة محدثة للانتهاكات استناداً إلى ما أمكن توثيقه خلال العام الماضي، حيث أتاح سقوط النظام الوصول إلى ضحايا جدد ومناطق كانت مغلقة سابقاً. وتشير البيانات إلى مقتل 202,021 مدنياً، بينهم 23,138 طفلاً و12,036 سيدة، إضافة إلى مقتل 662 من الكوادر الطبية و559 من العاملين في المجال الإعلامي. كما لا يزال 160,123 شخصاً مختفين قسرياً، بينهم 3,736 طفلاً و8,014 سيدة. وبلغ عدد الضحايا الذين قُتلوا تحت التعذيب 45,032 شخصاً، بينهم 216 طفلاً و95 سيدة.
وسجلت الشبكة 566 اعتداءً على منشآت طبية، و1,287 اعتداءً على مدارس وروضات أطفال، و1,042 اعتداءً على أماكن عبادة. كما وثقت استخدام النظام 81,954 برميلاً متفجراً تسببت في مقتل 11,092 مدنياً، إلى جانب تنفيذ 217 هجوماً كيميائياً خلّفت 1,514 قتيلاً و11,080 مصاباً. وشمل التقرير أيضاً توثيق 254 هجوماً بالذخائر العنقودية و52 هجوماً بأسلحة حارقة، فضلاً عن مساهمة هذه الانتهاكات في نزوح 6.8 ملايين شخص داخلياً ولجوء نحو 7 ملايين آخرين خارج البلاد.
ويشير التقرير إلى اتساع شبكة المتورطين في الجرائم، حيث وثقت الشبكة نحو 16,200 شخص، بينهم 6,724 من القوات الرسمية و9,476 من عناصر الميليشيات الرديفة. كما أسهم قضاة ومحاكم استثنائية في شرعنة الانتهاكات، وشارك موظفون مدنيون في إخفاء مصير المعتقلين ونهب الممتلكات، في حين لعب رجال أعمال وشخصيات إعلامية وثقافية دوراً في تلميع صورة النظام.
ويؤكد التقرير أن هذه الانتهاكات ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأن اتفاقية عام 1951 الخاصة باللاجئين تمنع منح صفة اللجوء للأشخاص المتورطين في مثل هذه الجرائم. ويشدد على أن الحماية المؤقتة لا تعني إسقاط مبدأ المساءلة، داعياً الدول إلى التعاون مع آليات العدالة الدولية.
وفي قسم التوصيات، دعا التقرير الحكومة الروسية إلى إعادة النظر في منح اللجوء لبشار الأسد، والتعاون مع الجهود الدولية لتحقيق العدالة، والمساهمة في جبر الضرر الناجم عن تدخلها العسكري في سوريا. كما طالب الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بتفعيل آليات المساءلة والضغط لمنع الإفلات من العقاب.
وخصّ التقرير الحكومة السورية الحالية بسلسلة من التوصيات المفصلّة، أبرزها:
– الالتزام بمبادئ العدالة الانتقالية وكشف الحقيقة وجبر الضرر والإصلاح المؤسسي.
– الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية الأساسية وتجريم الجرائم الدولية في القانون السوري.
– إصلاح الجهاز القضائي وإلغاء المحاكم الاستثنائية، وإعادة هيكلة القطاع الأمني والعسكري.
– اعتماد برامج وطنية لتعويض الضحايا وإعادة تأهيلهم، وربط إعادة الإعمار باحترام حقوق السكن والملكية.
– حماية الأرشيف والأدلة ومنع إتلافها، والتعاون مع الآليات الدولية والولايات القضائية العالمية.
– إشراك الضحايا والمجتمع المدني في تصميم وتنفيذ مسار العدالة الانتقالية.
ودعا التقرير المؤسسات الإعلامية والقطاع الأكاديمي إلى الاستثمار في حفظ الذاكرة وتوثيق الجرائم، وتعزيز الدراسات المتخصصة حول مسارات العدالة والانتقال السياسي في سوريا.
ويخلص التقرير إلى أن الذكرى الأولى لسقوط نظام الأسد تضع البلاد أمام استحقاق تاريخي يقتضي مواجهة الماضي بشجاعة، وترسيخ أسس دولة القانون التي تضمن عدم تكرار المأساة، وتعيد للضحايا حقوقهم وكرامتهم.