عندما تصبح المطالبة بالإرث “عيباً”: وجوه الظلم الصامت بحق النساء
تمتنع بعض العائلات في سوريا عن منح البنات حقوقهن في الإرث، استناداً إلى عادات وتقاليد راسخة ترى أن الميراث «حق للذكور فقط». هذا السلوك يحرم الكثير من النساء من حقوق قانونية أصيلة، ويجبرهن على مواجهة تحديات اجتماعية واقتصادية، ويشعرن معه بالغبن والإقصاء داخل أسرهن ومجتمعاتهن.
يعود حرمان العائلات لبناتها من حقهن في الإرث إلى مجموعة من الأسباب، في مقدمتها الأعراف والتقاليد التي تقوم على فكرة أن الأرض “ملك العائلة الذكورية” ويجب أن تبقى داخل اسم العائلة، خشية انتقالها إلى عائلة الزوج بعد الزواج. كما يسهم الجهل بالقوانين والنصوص الشرعية، في تكريس هذا السلوك باعتباره أمراً طبيعياً أو مباحاً.
وتتعرض كثير من النساء لضغوط مباشرة للتنازل عن حصتهن بدافع الحياء أو بهدف الحفاظ على العلاقات العائلية، إلى جانب انتشار تصورات خاطئة تعتبر أن ما ينفقه الأب أو الإخوة على الفتاة خلال حياتها يُعد “تعويضاً” عن حقها في الأرض، وغيرها من العوامل التي تؤدي إلى حرمان عدد كبير من الفتيات من نصيبهن الشرعي في الإرث.
وفي هذا السياق، تروي عائدة الرجب (35 عاماً) من ريف إدلب قائلة: بعد عودتنا إلى قريتنا عقب التحرير، قرر والدي تقسيم الأراضي الزراعية بين الأبناء. تفاجأتُ عندما اكتشفت أنني وشقيقاتي لا نصيب لنا في تلك الأملاك، وعندما سألناه عن السبب، قال إن الأرض “حق لإخوتنا الذكور وحدهم”.
وتضيف الرجب أنها شعرت بأسى كبير، لكنها ترى أن اللجوء إلى القضاء أمر صعب، لأن المجتمع يعتبر اعتراض البنات على قرار الأب سلوكاً “معيباً”. كما تخشى من إثارة خلافات مع إخوتها، لذلك اختارت الصمت رغم إحساسها بالظلم.
وفي تصريح خاص لـ«شبكة شام الإخبارية»، توضح نور عويس، الباحثة القانونية في مؤسسة «حقي» ضمن مشروع «المجلس العربي»، أن حق المرأة في الإرث ـ وفق قانون الأحوال الشخصية السوري ـ هو حق شرعي وقانوني ثابت، ولا يسقط إلا في حالات محددة نصّ عليها القانون. وتبيّن عويس أن الخطوات القانونية تبدأ بحصر التركة لدى المحكمة الشرعية المختصة، ثم تثبيت صفة الورثة قانونياً، ليصار بعد ذلك إلى تحديد الأنصبة الشرعية لكل وارث.
وتضيف عويس أنه في حال حدوث استيلاء على التركة أو منع إحدى الوريثات من حقها، يحق للمرأة رفع دعوى مطالبة بحصتها الإرثية، أو دعوى «منع معارضة» إذا جرى استثمار التركة أو التصرف بها دون موافقتها. وتشير إلى أنه في حال كانت العقارات مسجّلة، يمكن اللجوء إلى دعاوى تصحيح القيود أو إزالة الشيوع.
غير أن الواقع — كما تقول — يكشف عن صعوبات جدية تواجه النساء في الوصول إلى هذه الإجراءات، بسبب ضعف الوعي القانوني، والضغوط الأسرية المتواصلة، إضافة إلى محدودية فرص الحصول على دعم قانوني مجاني يساندهن في متابعة قضاياهن.
وتوضح عويس أن الحق في الإرث، من حيث المبدأ، لا يسقط بالتقادم، لأن الإرث يُعد حقاً عينياً ثابتاً. غير أن التطبيق القضائي في سوريا يواجه إشكالات عديدة، من بينها التقادم على المطالبة بالريع أو العوائد الناتجة عن استثمار التركة، إضافة إلى صعوبة الإثبات بعد مرور زمن طويل، ولا سيما في الحالات التي جرى فيها تسجيل العقارات أو التصرف بها من قبل الورثة الذكور.
كما تشير إلى أن وجود تنازلات رسمية أو وكالات سابقة قد يُستخدم قانونياً ضد المرأة، رغم أن بالإمكان الطعن بهذه الوثائق إذا ثبت أنها صدرت تحت الإكراه أو الغبن، أو في حال لم تكن المرأة على علم كامل بحقوقها عند توقيعها، وفق ما تؤكده المحامية.
ومن أبرز العقبات التي تواجه المرأة عند المطالبة بحقها في الإرث، بحسب ما رصدته مؤسسة «حقي»، أنها تنقسم إلى ثلاثة مستويات: عقبات قانونية تتمثل في تعقيد الإجراءات، وطول أمد التقاضي، والكلفة المالية، وصعوبة الإثبات في ظل النزاع الأسري.
وعقبات اجتماعية، كالأعراف التي تعتبر مطالبة المرأة بالإرث «عيباً» أو «تفكيكاً للعائلة»، والضغط النفسي الذي يمارسه الإخوة أو الأقارب. وعقبات أمنية واقتصادية، خاصة في حالات النزوح واللجوء، حيث تفقد المرأة الوثائق الرسمية أو القدرة على الوصول إلى المحاكم.
وفي ختام حديثها تقول عويس: «حرمان المرأة السورية من الإرث ليس مشكلة نصوص قانونية بقدر ما هو مشكلة تطبيق وعدالة اجتماعية، ومن هنا تؤكد مؤسسة “حقي” على ضرورة تعزيز الوعي القانوني للنساء، وتوفير المساعدة القانونية المجانية، وتدريب القضاة والمحامين على مقاربة حساسة للنوع الاجتماعي، والعمل على مواءمة التشريعات مع التزامات سوريا الدولية في مجال حقوق المرأة»